رأي سورية الجديدة نفسيتان تتصارعان


سورية الجديدة، سان باولو، العدد 33، 14/10/1939


طالع قراء سورية الجديدة في الصفحة الأولى من العدد التاسع والعشرين، صورة الكتاب الذي أرسله السيد بهيج الخطيب بصفته رئيس مجلس المديرين في الدولة الشامية، التي تقصلت حتى عادت إلى تلك الصورة الكاريكاتورية التي كانت لدولة دمشق على عهد السيّىء الذكر حقي بك العظم، إلى بهيج الخطيب بصفته مدير الداخلية في هذه الدولة الزرية. وطالعوا التعليق الذي كتبه مراسلنا في دمشق على الكتاب المذكور.
وإذا كان القرّاء قد نسوا هذا الكتاب أو مضمونه فلا بد لنا من تذكيرهم به. فهو يطلب تأليف لجنة برئاسة محافظ مدينة دمشق، تجمع التبرعات من الشعب لإيواء السوريين، الذين تخلت عنهم حكومة "الكتلة الوطنية" وعن حقوقهم في لواء الإسكندرونة لقاء "وعد" من فرنسة بتقرير معاهدة مع دولة الشام، والذين اضطروا، بعد تقرير مصير لواء الإسكندرونة بالقوة من قبل الدولتين الفرنسية والتركية، إلى مغادرة اللواء وترك أملاكهم فيه هرباً من الضغط التركي والتوغل في داخلية سورية وهم هؤلاء السوريون الذين يسميهم بهيج الخطيب العامل لحساب فرنسة "لاجئين".
ذكرنا هذا الكتاب وأسلوبه وعبارته والغرض من وضعه بالتدابير الماضية التي قامت بها عناصر "الكتلة الوطنية" ورجالاتها والدكتور [عبد الرحمن] شهبندر وجماعته ولا تختلف بطبيعتها في شيء، عن طبيعة هذا التدبير الذي يقوم به بهيج الخطيب من أجل سوريي لواء الإسكندرونة ومصيرهم. فلقد اهتم رجال "الكتلة الوطنية" بجمع التبرعات لمساعدة سكان لواء الإسكندرونة واهتم الدكتور شهبندر أيضاً بجمع التبرعات لهؤلاء السكان. وكان هذا العمل كل ما اهتمت هذه العناصر بالقيام به. ثم أسدل الستار على هذه "المشاريع الوطنية" العظيمة فلا عرف الشعب شيئاً راهناً عن كميات التبرعات التي جمعت ولا عن نوع المساعدة التي قدمت لسكان لواء الإسكندرونة ولا عن النتائج الراهنة التي حصلت من هذه "المساعدة".
متى نظرنا في عمل بهيج الخطيب وأعمال الدكتور شهبندر وجماعته وأعمال جماعة "الكتلة الوطنية"، تبين لنا أنها من نوع واحد، وأنها تسير على أسلوب واحد وفاقاً لنفسية واحدة. ولا يختلف هؤلاء الكتليون والشهبندريون عن بهيج الخطيب إلا بأنهم ينادون بالوطنية وبمحاربة الفرنسيين "على عقال" وبأن بهيج الخطيب لم يحلف بالله على محاربة الفرنسيين على عقال وأنه لا ينادي بالوطنية وأنه وقح إلى حد لا يحتاج عنده إلى وضع براقع من هذه "الوطنية" على وجهه.
كم هو الفرق عظيماً بين هذه "الأعمال" والأعمال التي قام بها الحزب السوري القومي في سبيل لواء اإسكندرونة وسكانه، فلقد اهتم الحزب السوري القومي بالمحافظة على سلامة وحدة الوطن السوري وبالإبقاء على لواء الإسكندرونة ضمن حدود الوطن، وبمنع وقوع ما وقع ما آل إلى تشريد السوريين من هذا اللواء الغني، الذي كان يجب بذل الغالي والرخيص في سبيل الاحتفاظ به. فهو عبارة عن أراضي من أخصب الأراضي الزراعية وفيه سهل بالقرب من أنطاكية يعرف بسهل العمق إذا جفف بالطرق العصرية تحول إلى أهراء تكفي جميع سكان سورية الطبيعية. لم يتمكن الحزب السوري القومي من تنفيذ خطته لأنه وجد نفسه تجاه معارضة الدولة المنتدبة ومعارضة "الكتلة الوطنية" ومعارضة الشهبندريين وكل هؤلاء الأخيرين وقفوا موقف المعارضة هذا متسترين بستائر من الوطنية الزائفة مؤولين الحقائق للشعب الذي انخدع بهم في وقت غفلته حين لم يكن قد ظهر الحزب السوري القومي ولم تكن قد انتشرت تعاليمه.
ومهما يكن مشيء، فالفرق ظاهر لكل مبصر فاهم بين نوع اهتمام الحزب السوري القومي بمسالة لواء الإسكندرونة وهو اهتمام من يعرف ما يريد ويقف لحماية حقه السياسي، غير مستعد لقبول ما تقرره الإرادات الأجنبية، ونوع اهتمام هؤلاء "الوطنيين" الذين ربيت نفوسهم على قبول كل أمر واقع وتكييف أنفسهم لكل حالة، فيهتمون بترقيع كل حالة سيئة يجر البلاد إليها هذا الوهن المعنوي وهذا الفساد الروحي الذي أنشأ نفسية لا تثبت لأمر صعب ولا تجابه أمراً يتطلب عزيمة صادقة ونفسية قوية المعنوية سامية المناقب.
العمل على ترقيع الحالات والتكيف بما ينطبق على كل أمر واقع هو "العمل الوطني" العظيم الذي تفهمه نفسية أغرقت في مثالب النفسية الشرقية. نفسية الكتل والتحزبات. أما النفسية السورية القومية فتريد شيئاً غير الترقيع وتعمل لتنفيذ إرادتها بكل عزيمة صادقة. إنها تريد ما يليق بمقامها وما تراه مثإلا أعلى لها، فتسعى لتحقيقه وتبذل كل مرتخص وغال في سبيل تحقيقه، فلا تكل ولا تني ولا تقبل حلاً وسطاً، فإما بلوغ الغاية وإما لا شيء من هذه الحالات المتهرئة التي يفضلها الموت.
الحركة السورية القومية تهتم بتحقيق وحدة الأمة وتجنيد رجالها وتدريبهم وبحماية المصالح السورية القومية وتنميتها والدفاع عن سلامة وحدة الوطن وإعداد العدة لإعادة ما سلبته الإرادات الأجنبية من أراضيه. وهي تترك "للوطنيين" وغير الوطنيين جمع التبرعات لترقيع حالة يائسة والتصرف بهذه التبرعات.
النفسية السورية القومية هي نفسية الانتصار. أما النفسية اللاقومية فهي نفسية التوفيق بين المجد والذل وبئس التوفيق!

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.