إلى جورج بندقي

22/7/1940

الرفيق جورج بندقي،
ما كدت أفتح سورية الجديدة وأجدها خالية من صورة البلاغين حتى صعد الدم إلى رأسي. لم أعد أدري ما هي اللغة التي يمكن بها إفهام الرفقاء المعاونين. وقد وجدت في كتابك المؤرخ في 18 يوليو/ تموز الجاري بلادة عظيمة.
إني طلبت في برقيتي الأولى التثبت من أن البلاغين وصلا، لأني أرسلتهما غير مسجلين وخشيت أن يفقدا كغيرهما في الماضي. وطلبت نسخاً بالبريد الجوي، أي نسخ العدد الذي يصدران به ولم أستعمل كلمة Exemplares سهواً. وعلى افتراض أني طلبت نسخة خطية، فما شأنك أنت في تقدير الأسباب التي دعتني لطلبها، فأنت لست شريكي في الإدارة، وليس لك حق ترجمة التعليمات أو تأويلها. وأنا لو أردت تأجيل النشر لما طلبت الاستيثاق من الوصول، بل لقلت «Adias Publicacas Communicados» فقط، ثم كنت أرسلت بالبريد أطلب ما أريد، ولكني قلت: «أخبرني عن وصول البلاغين. أرسل إليّ نسخاً بالبريد الجوي» وليس في ذلك إشارة إلى تأجيل النشر، ولم يكن من واجبك ولا من حقك محاولة الاشتراك معي في تقدير الأمور. ثم عند ورود برقيتك بطلب التثبيت أرسلت برقية أثبت فيها وجوب النشر وأطلب نسخاً بالبريد الجوي. ومن الآن إلى خمسين سنة لن أتمكن من حل اللغز العقلي الذي حملك على تأجيل النشر وإلحاق هذا الضرر بالقضية.
إن لغة البرقيات تكون مختصرة ولا يحسن إنفاق مبلغ خمسين أو مئة «باسس» (ريـال أرجنتيني) للاستعلام عن وصول بلاغين، وطلب إرسال نسخ بالبريد الجوي مع شرح مسهب يبيّن أن طلب إرسال النسخ لا يعني وجوب أو جواز توقيف النشر. فالمسألة بديهية ولا دخل لطلب إرسال نسخ بمسألة النشر.
وقد خشيت أن لا تعود تنشرهما في العدد المقبل السادس والسبعين، فأرسلت رسالة برقية ليلية مسهبة أطلب فيها نشر البلاغين، ونشر الرسالة المرسلة في البريد الجوي الأخير(27)، وطبع 200 نسخة زيادة وإرسالها إليّ. والرسالة تتضمن خبر تأليف الجمعية السورية الثقافية، وخبر طرد خالد أديب من الحزب. وقد أكون جعلت التاريخ للرسالة «في 13 يوليو/ تموز» والصواب 21 يوليو/ تموز فإذا لم تظهر الرسالة بهذا التاريخ يجب الإشارة في العدد الذي إليه [يليه] إلى أن تاريخ الرسالة كان 21 يوليو / تموز، ولكن وضع تاريخ 13 يوليو/ تموز غلطاً.
سورية الجديدة: إني كنت أعلم قبل إصدار الجريدة نوع المشاكل التي ستتعرض لها باعتبارها جريدة ذات رأي وتمتّ إلى الحركة القومية. ولذلك فكرت في إنشاء مجلس إداري لها يدرس مسائلها ويكون على صلة بالإدارة القومية لتلقي التعليمات والتوجيهات المفيدة.
ولكن الأنفُس، على ما يظهر، غير مستعدة لفهم هذه الحقيقة وضرورة تحقيق هذه الفكرة. ولانعدام عمل المجلس الإداري لم يمكن إيجاد التوافق والتجانس العملي بين الجريدة والعمل القومي، وهكذا تصطدم إدارة الجريدة بالفتور القومي في الأوساط، ولا تجد المناصرة اللازمة والإقبال الجدي السريع.
ولقد كان لمنع توزيع مبادئ الحزب، وشلل العمل القومي عندكم، التأثير الكبير على موقف الجريدة من القُراء وموقف القُراء من الجريدة. إن الجريدة مشروع تابع للحركة، فإذا لم تنمُ الحركة ظلت صعوبات الجريدة عظيمة.
وقد وافق صدور الجريدة حصول الأزمة السياسية، ثم وقوع الحرب، وتوقف الاتصال بالوطن وبعض فروع الحزب في الخارج. إن جميع هذه الأسباب تحتاج إلى وجود هيئة تدرس وسائل تنشيط الحركة والتغلب على الصعوبات. لا تلقوا آذانكم إلى الدعايات. يجب نشر البلاغين ونشر رسالة الأرجنتين الأخيرة في أول عدد.
وإذا كانتا لم تنشرا وتم طبع العدد، ولم تفهم البرقية المسهبة المرسلة إليك بوجوب نشر البلاغين والرسالة، فأطلب تأجيل توزيع العدد وإعادة طبعه مع البلاغين والرسالة، لأن ظهورهما قد أصبح ضرورياً جداً، والضرر الذي حصل حتى الآن من تأخير نشر البلاغين عظيم جداً. ولتحيى سورية.

بعد: ستندهش من لهجة هذا الكتاب التي لم تكن تتوقعها، إذ لم تقصد سوى المفيد. ولكن هذا سيكون أول درس لك في ألا تقصد شيئاً غير مطلوب قصده، أو غير مخوّل التدخل فيه. ففي الشؤون المتعلقة بأوامر الزعيم وأعمال مكتبه توجد دقة لا تجيز لغير المسؤولين التدخل فيها، مهما كان القصد من هذا التدخل. فيجب أن تتعلم ذلك.
ما زلت قد فتحت مسألة الجريدة رأيت أن أضيف أن الكتاب المطبوع الذي توزعه الإدارة على المشتركين هو عمل إذاعي حسن، ولكنه لا يغني عن العلاقات الشخصية، وهذه لا يمكن أن تأتي بمجرّد مراسلة بعض الأدباء والوجهاء وتحقيقها يقتضي مرونة وحنكة ومثابرة وتجوالاً شخصياً لحصول الاحتكاك الشخصي والتعارف المكين، وغير ذلك، ولا تنسى أن سياسة الجريدة في نشر صور الجيش الألماني فقط وفتوحات الألمان، ليست منطبقة على تعليماتي وتوجيهاتي المرسلة إلى مجلس الإدارة، ومما لا شك فيه أن الكثير من السوريين يعدّون ذلك دعاوة لألمانية، وهي شيء لا يجلب مشتركين جدد للجريدة، فيجب الاعتدال الشديد في هذا الباب خصوصاً مسألة الصور.

 

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.