حبيبتي،

في 7 سبتمبر 1944

كتبت اليك أمس وكأني في صراع نفسي بين مبادئ ونظرة الى الحياة عالية، من جهة، ومن جهة أُخرى حوادث ووقائع لا تدعو الى الاطمئنان. اني كنت افضل على كل ربح وكل تقدم مادي ابقاء ثقة تامة باستقامة جبران مسوح واخلاصه لزعيمه وعرفانه فضله وفضل قرينته عليه. ولذلك أردت، بكل اجتهاد، ان أزيل الأثر الذي تركه سوء سلوكه وان امحو الملاحظات على الاغلاط الحسابية فكتبت اليك ان الاغلاط التي لاحظتها قد لا تكون سوى اغلاط لا تعمُّد فيها. ولكني أعود فأقول اني بعد ارسال الكتاب لم أشعر اني مطمئن ومرتاح الى ما قلت في هذا الصدد فمع كل ارادتي ان أرى في جبران النفسية الصافية القوية لا يمكن ازالة الشكوك لأن أسبابها قوية وباقية. لا يمكن نسيان انه اذا كانت قد تثبتت بعض حقوقنا في المحل فذلك لم يحدث الا على كرهٍ من جبران وبعد مقاومة حادة من قبله. واني انتظر بصبر عودتك للقيام بالتقويم الضروري لمعرفة حالة المحل. ومع اني لا أرى وجوب التخوف من هذه الناحية فان الحوادث التي لا تزال حديثة لا تسمح بالاطمئنان الى ان نكون رأينا الحقيقة كما هي.

أمس بعد الظهر رأيت جبران ينزل الاضبارات المسماة Registradores من قَطع oficio فسألته في ذلك فقال ان كريني اخوان طلبوا منه احصاء كل ما عندنا من هذا الصنف. فسألته ما هو السعر الذي اعطاه فقال 1.95 لكل اضبارة وثمنها علينا عدا عن الشحن 1.70 فقال أضفت 0.25 لكل واحدة وهذه بضاعة "قاعدة". فقلت له هذه بضاعة لا تتحرك بسرعة بطبيعتها ودائرة اعمالنا لا تزال ضيقة لها ولكن يجب معرفة سعر السوق قبل البيع وطلبت منه ان يسأل السيد ملقى بالتلفون هل طلب مؤخراً من هذه البضاعة أو بلغه اسعارها الأخيرة فسأل كما طلبت وبحضوري فقال له السيد ملقى انه وقف على هذه الاسعار في بوانس أيرس وان سعر الاضبارة 2.20 carta في مصنعها عند البرت برمبرق وشركائه. ثم سأل اخاه اديباً أيضاً فأجابه انه يبيعه اياها بسعر خصوصي بـ 2.25.
فقلت له ان رأيي القائل بوجوب معرفة اسعار السوق قبل البيع هو صائب والحوادث تثبت وتبرهن على صحته. فقال أَذهبُ الى مريني واطلعه على الحالة. فقلت له قل لهم انك قرأت السعر غلطاً او انك نظرت في الاسعار القديمة فقط. فذهب وعاد يقول ان مريني اخوان ينتظرون ان يجروا صفقة في هذا الصنف وانهم اعطوا السعر 2.40 فاذا تمت الصفقة فهم لا يختلفون معنا على تحديد السعر.
اليوم نزلت باكراً الى المحل، نحو الساعة 8.15 فوضعت المفتاح في القفل وادرته وضغطتُ الباب فوجدته عالقاً لا ينفتح وكأنه منزل اللسان الأرضي فعدت وشددت المفتاح ظنّاً ان القفل هو السبب فعلق المفتاح في القفل وفتح جبران القفل من الداخل وبقي المفتاح عالقاً ومعطلاً. بعد دقائق قليلة اتت خادمة نبيهة الجديدة وهي امرأة كبيرة الجسد ضخمتُهُ تزن نحو 110 كيلقرام فلما دخلت وصارت قرب التلفون سألها جبران قائلاً بصوت مرتفع: ماذا تطلب هل تطلب نقوداً معدنية؟ وأخذ منها ورقة عشرة فاس وأخرج من الصندوق قطعاً معدنية وعد لها. وبعد ان دخلت الخادمة الغرفة وهي تحمل لفافة قماشية دخل هو أيضاً، أظن ليعطيها ثياباً اتسخت، وفي لحظة دخلت فوجدت الخادمة خارج الغرفة في الفِناء الداخلي واقفة قرب الباب. وبعد قليل خرجت.
وأول أمس ترك جبران المحل مرتين ليذهب ويقف في دكان نبيهة لتذهب مع الياس الى دائرة الشرطة لتسوي مسألة الغرامة التي صدر حكم عليها بوجوب دفعها بسبب ثبوت مخالفتها قوانين الراحة يوم الأحد حين امسكوا قنينة خمر من عندها يوم نزولنا من بيليا نُقاس Villa Nogas في اوائل مارس الماضي. لا اعتراض لي على ذلك واني اريد مقابلة شعور الرفيقة نبيهة بكل جميل ولكن هوس جبران في كل ما يختص بها ليس شيئاً يدعو الى الاحترام، خصوصاً مقابل برودته في ما يتعلق بحالة زعيمه الشخصية وحالة قرينته وهما اللذان اظهرا كل ذاك العطف عليه والعناية به والسهر على حياته!
الخلاصة ان تصرف جبران فيه اختلال كبير ولا يجوز اطلاق يده في شيء. هذا ما أردت تدوينه هذا الصباح وارساله اليك قبل البدء بأي عمل آخر.
صحتي تتحسن ببطء ولا شك في ان الانزعاجات والقلق التي تعرضت لها في المدة الأخيرة كانت من العوامل المهيئة التوعك.
ارسل اليك، يا حبيبتي، قبلات شوقي الكبير والى صفية

ولتحي سورية

بعد: منذ مدة وانا اقول لجبران ان يرفع ثمن الورق Tapa فلم يقبل واليوم منذ بضع دقائق، قبل ان اضع هذا الكتاب في الغلاف، طلبت مطبعة فاز Paz ورقا فقال لي قل لهم ان السعر الآن 5.50. فقلت لهم فقالوا ان لا نرسل. يظهر انهم سيبحثون ولا يجدون. والظاهر ان تكليفي جبران السؤال عن سعر الورق للاضبارات نّبهه ليسأل عن سعر الورق ايضاً او لعله وقف صدفة على سعره وهو اليوم يباع هنا بـ 5.60 لكل مئة.

المزيد في هذا القسم: « حبيبتي، حبيبتي، »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.