المجلة،
بيروت،
المجلد 8،
العدد 2،
1/4/1933
ألقت المنقبة الأثرية الشهيرة الآنسة غارُّد محاضرة قيمة عن نتائج تنقيبها في مغاور فلسطين في بهو وست في الجامعة الأميركية، وأدلت إلينا بمعلومات خطيرة الشأن من الوجهة العلمية تتعلق بما عثرت عليه في القسم الجنوبي من سورية من بقايا أثرية تقيم الدليل القاطع على أنّ هذا القطر كان مأهولاً منذ عصور قديمة جداً.
ولقد كان الاعتقاد السائد بين علماء العاديات حتى زمن قصير أنّ سورية فقيرة جداً فيما يتعلق بآثار العهد السابق التاريخ، حتى أنّ عدداً منهم كانوا يعتقدون بعدم الفائدة من الحفر والتنقيب في هذه البقعة، ولكن البعثات العلمية الأخيرة التي أمّت هذه البلاد، خصوصاً البعثات البريطانية ــــ الأميركية التي وجهت عنايتها إلى فلسطين استطاعت أن تكشف الستار عن ثروة علمية كبيرة تضيف حلقة جديدة إلى سلسلة تاريخ الإنسان الهلكي (الجيولوجي).
كان أهم اكتشاف وقعت عليه البعثات المشار إليها جمجمة الجليل التي عثر عليها السيد تيرفل بيتر، وهي قريبة جداً في شكلها من جمجمة رجل نياندرتال، فكان لهذا الاكتشاف وقع كبير في الدوائر العلمية فتضاعف الاهتمام بهذه البقعة، وكان أنّ الآنسة غارُّد اكتشفت في العام الماضي ثمانية هياكل بشرية في مغارة «السخول» الكائنة في السفح الغربي من جبل الكرمل.
والذي عليه الاعتقاد أنّ هذه المغارة تعود إلى العهد الموستيري المقدر زمانه بثلاثين ألف سنة قبل المسيح، ولما كانت هذه الهياكل تمتاز على هياكل معاصرتها الأوروبية، إذ هي أرقى من هذه، وتكوين الجمجمة والذقن يدل على ارتقاء في الإنسانية، فقد أطلق عليها العالم السر أرثر كيث إسم «إنسان فلسطين القديم» والآنسة غارُّد تقول إنّ إنسان فلسطين يعني إنسان كل هذه البقعة التي نسميها سورية.
أخيراً جاءنا هذه السنة السيد رنيه نويفيل باكتشافات جعلته يصرح أنّ النوع البشري وجد في فلسطين قبل 12.000ق.م، ومن أهم ما عثر عليه هذا العالم الأثري صور محفورة في مغارة «أم قطفة» في وادي خريطون تمثل بعض الحيوانات كالفيل وفرس البحر.
وقد تبين لنا من الصور التي عرضتها الآنسة غارُّد أمامنا بالفانوس أنّ حقل التنقيبات في فلسطين لا يزال متسعاً. ومع أنّ الآثار والبقايا البشرية التي اكتشفت حتى الآن كافية لتثبيت قِدَم الإنسان في هذه البلاد فالمنتظر الوصول إلى اكتشافات جديدة تزيد معلوماتنا عن إنسان العصور السابقة التاريخ.