المجلة،
بيروت،
المجلد 8،
العدد 4،
1/6/1933
أهدى إلينا صديقنا الأستاذ عيسى اسكندر المعلوف الملحمة التي نظمها بالعنوان أعلاه نجله شفيق معلوف ونشرها في البرازيل حيث هو نزيل الآن.
وجدنا في عبقر ملحمة سورية جديدة لشاعر سوري كبير، نحا فيها منحىً من المناحي الجديدة في أدبنا الحديث، هو التخيّل (الفانتزي) فأبرز لنا صورة سورية بديعة لعبقر الوهمية العربية التي زعموا أنها بلدة مسحورة تسكنها الجن.
ليس لعبقر في الأدب العربي صورة فنية، ولا خرافة فلسفية، فهي لا تمثّل عند العرب إلا أوهام الجهل والخوف من الجن، ولذلك لم يقم لها معنى أدبي قيّم يجعل لها نصيباً من الغنى الروحي، حتى كادت اللفظة تكون نسياً منسياً لا شأن ولا معنى لها إلا معنى النسبة إلى الغرابة السحرية التي هي من صفات الجن، وفيما سوى هذا المعنى الهزيل فاللفظة خالية من كل ما هو مهم أو جذاب.
أما في الأدب السوري فقد أعطانا شفيق معلوف صورة خيالية فنية راقية وخرافة فلسفية وشاها بشعر جميل حي، والقارىء يرى ناحية منها في مكان آخر من هذا الجزء.
يبتدىء الشاعر ملحمته حين تهزه يقظة الخيال فيصفها:
يا يقظةً تنفض عن مقلتي إغفاءة طارت وحلماً نأى
إنّ الضحى صعَّد أنفاسه على سراجي فغدا مطفأ
ومن تكن حالته حالتي لم يستعض بالأسوأ السيّئا
ما الفرق في نومي وفي يقظتي وكل ما في يقظاتي رؤى؟...
ثم لا يلبث أن يرى شيطانه طائراً إليه تحت الغيوم فيغريه الشيطان بزيارة عبقر ويحمله على ظهره وينطلق به إليها فإذا هي مدينة سحرية يملأها ضجيج الجن. وهناك يرى الشاعر مثال «الإله الناقص» في عرّافة عبقر فيلقي في فيها قولاً يحقر الإنسان:
وددت يا غادر لو أنني
أطلقت ثعباني لا ينثني
عنك فيرديك، ولكنني
أخشى على الثعبان
من غدرك
في نابه السمُّ كان
وصار في صدرك
فليس هذا الصلّ بالأفعوان
بل أنت يا إنسان
فارجع إلى وكرك!!
وهذا القول من أشأم ما قيل في الصفات الإنسانية. ولكن الشاعر يعود في ختام النشيد فيوفق بين العرّافة والشعراء، ومع ذلك يرى أنّ إنسانيته قد مُسَّت فيعوّل على الرجوع، لولا أنّ الشيطان يبقيه ليصف لنا «حسرة الروح» و«حكمة الكهان» و«ثورة البغايا» و«العبقريون» الذين تجمع شياطين عبقر رفاتهم إليها، ويستخرج لنا من هذه الأناشيد صوراً رائعة وحكمة باقية.