الجريدة،
سان باولو،
أجل يا أخي، لقد أصبح الحب واللطف وإذابة المهجة في سبيل المرأة استعباداً لها، فلا يخطرن في بالك أن تقدم لامرأة فتكت عيناها بقلبك فتك السهام وأذاب حبها أضلعك، أن تقدّم لها سواراً أو خاتماً، أو أي شيء آخر يشير إلى أنك أسير هواها، لأنك بذلك تكون قد أهنت المرأة واحتقرت قواها ووضعت في عنقها نيراً، وفي معصمها قيداً.
ثم إنك إذا أردت الزواج فلا تتزوج امرأة سحرك جمالها لأنك إذا فعلت ذلك تكون قد أتيت أمراً إداً، بل تزوج لأجل الأنثوية التي في المرأة. ويكفيك أن يكون لديها من المال مثل ما لديك. أليس الزواج «عقد اجتماعي يأتي فيه الشريكان برأس مال حسي ومعنوي: المال والكفاءة الشخصية»؟
إنّ السوار الذي يضعه رجل في ساعد امرأة إشارة إلى حبه لها، لهو رباط يشده إليها شداً محكماً. والسوار الذي تتقبله امرأة من رجل لهو صولجان تملك به قلبه وماله وكل ما له.
أما الزواج فه عقد حبي ولد وعاش ونما قبل العقد الاجتماعي بأزمنة. وليس العقد الاجتماعي إلا الثوب الخارجي الذي يجعل الزواج شرعياً في الهيئة الاجتماعية.
ولا أظن إلا أنّ صاحبة «المساواة» ضربت صفحاً عن هذه الحقيقة عند كتابة ما كتبته عن الزواج وحالة المرأة.
تقول «مي» إنّ في هيكل أسرار العائلة ويلات كثيرة أصلها فقر عائلة المرأة، مشيرة إلى أنّ من النساء من لا تنصف زوجها. ولكن أواثقة هي من أنّ أكثر النساء يختلسن نتاج جهود أزواجهن الذي هو مال أبنائهن؟
أية امرأة شريفة عندها مقدار حبة خردل من عاطفة الأمومة والحنان الوالدي والمحبة الزوجية تقدم على اختلاس مال زوجها والقضاء على مستقبل أبنائها؟ وعلى افتراض أنّ من النساء من هن غير شريفات وليس لهن عواطف حنان ومحبة، أفيمنعهن المال عن أن يكنّ سبباً للويلات العائلية بعدم اهتمامهن بأزواجهن وأبنائهن؟
ثم تقول «مي» إنّ أبيّ النفس الذي يخاف أن تستعبده المرأة الغنية ليس للفقيرة أقل استعباداً، جاعلة الرجل أسير إحدى عبوديتين: عبودية المرأة الغنية وعبودية المرأة الفقيرة. وهو قول لم أكن لأصدق أنه يصدر عن كاتبة متعمقة مثل «مي» لولا أنني طالعت الكتاب بنفسي، وأعدت نظري في هذه العبارة أكثر من مرة، لأنه ليس هنالك عبودية ما، وجلّ ما هنالك أنّ الرجل والمرأة نفسان متحدتان وملكان متساويان في الحقوق والواجبات، يتولى أحدهما الشؤون الخارجية، ويدير الآخر الأمور الداخلية. وإذا اتفق أن استبدّ الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل، فما ذلك إلا نتيجة انحطاط أخلاقي في المستبد.
أما أنّ الرجل ليس أقل استعباداً للفقيرة من الغنية، فيتوقف على مبلغ الانحطاط الأخلاقي الذي يتراوح بين الإثنتين. فتارة يكون في الغنية أكثر منه في الفقيرة، وطوراً يكون في الفقيرة أكثر، لأنه لا يمكن لامرأة تحمل في صدرها خلقاً كريماً وعاطفة نبيلة أن تأتي مثل هذا الأمر المنكر.
لا بأس بأن نجاري «مي» في تخيلاتها ونسلّم بأن في الزواج عبودية وأنّ الرجل لا يكون إلا عبداً للمرأة، غنية كانت أو فقيرة، الأولى تستعبده بمالها، والثانية تستعبده بما تسرقه من ماله، وأنّ المرأة عبدة للرجل على كل حال. وتعال يا أخي لنرى أيخلّص المال المرأة والرجل من ربقة تلك العبودية؟
لقد سبق لي أن قلت إنّ الرجل والمرأة ملكان متساويان، يتولى أحدهما الشؤون الخارجية والآخر الأمور الداخلية في مملكة العائلة. بيد أنّ هناك قوماً ضرب الله على بصيرتهم حجاباً كثيفاً يعتقدون أنّ واجبات المرأة العائلية، بما فيها الاعتناء بالأطفال وإدارة شؤون المنزل، وهي واجبات ترتبها عليها وظيفتها التي وضعتها فيها الطبيعة، قيودٌ ثقيلة وبيتها الذي هي ربّته سجنٌ مظلم. ومن هذا القبيل اعتقاد «مي».
لنفرض يا أخي أنّ الله قد ضرب على بصيرتي وبصيرتك حجاباً كالذي ضربه على أولئك النظريين.
أنطون سعاده