نظرات في «المساواة» - 6

الجريدة،  
سان باولو،   

لنفرض أنّ المجال ممكن، ونقول مع القائلين إنّ واجبات المرأة وبيتها ليست إلا قيوداً ثقيلة وسجناً مظلماً. ولكن مهما كان الحجاب الذي ضربه الله على أعيننا كثيفاً غامضاً، ومهما تعامينا عن الحقيقة الراهنة، فإنه لا يمكننا الإعراض عن تلك الحقيقة التي نكاد أن نلمسها بأيدينا وهي أنّ عبودية المرأة، هذا إذا كان هنالك عبودية، ليست ناجمة عن استبداد الرجل ولا عن «تعوده» استعبادها بل عن الطبيعة التي رتبت على المرأة وظيفتها وواجباتها التي يسميها بعض النظريين عبودية.

أنا لا أنكر أنه لا يزال في بلدان معينة في العالم عبودية حقيقية للمرأة، إذ فيها تباع المرأة بيع السلع وتشترى شراء النعاج. ولكن في تلك البلدان فقط حيث لا نور للحرية ولا ارتقاء في الأخلاق يوجد عبودية للمرأة ــــ هناك فقط حيث لا حب ولا شعور ولا عاطفة يتزوج الرجل لأجل أنثوية المرأة ضارباً صفحاً عن جمالها ومحاسنها ونفسها وعواطفها وواجباتها وحقوقها ــــ هناك يتزوج الرجل لأجل الأنثوية ورأس المال، لا لأجل الحب والاحتفاظ بالزوجة المحبوبة.

والآن نأتي على وجه عبودية الرجل للمرأة، ولا تنسَ يا أخي أننا نظريون ضرب الله على بصيرتهم حجاباً كثيفاً حتى باتوا يعدّون الزواج عبودية. وقد شاءت مؤلفة المساواة أن تحدد لنا وجهة عبودية الرجل في الزواج، فقالت إنه يكون أسير إحدى عبوديتين: عبودية المرأة الفقيرة وعبودية المرأة الغنية. وقالت إنّ هذه وعبودية المرأة تزولان بالمال والكفاءة الشخصية.

ولما كانت عبودية الرجل ناجمة عن انحطاط أخلاق المرأة المستعبدة كما بيّنته سابقاً، فإنني وأنا لا أزال واحداً من أولئك النظريين الذين يعتقدون أنّ في الزواج عبودية، أخالف «مي» في أنّ السبيل إلى التحرير من ربقة هذه العبودية هو المال والكفاءة الشخصية، لأن العبودية كما سبق لي القول تكون نتيجة انحطاط أخلاقي، والمال لا يمكن أن يسوي بين الراقي والمنحط وبين النابغ والخامل.

العبودية التي تتكلم عنها «مي» لا يحررها المال، وعندي أنّ الرجل يجب أن يختار لنفسه أهون العبوديتين وهي عبودية المرأة الفقيرة، لأن العبودية بلا محاسبة أفضل ألف مرة من العبودية بمحاسبة.

لا أنكر أنّ واجبات المرأة تختلف عن واجبات الرجل. ولكن الاختلاف في واجبات المرأة والرجل اختلاف طبيعي لا وجه للعبودية فيه. فإذا كانت المرأة غير مساوية للرجل في شؤونه الخارجية فلأن وظيفتها وواجباتها الطبيعية لا تخولانها ذلك، ليس لأنها مستعبدة كما يظن.

وكما أنّ الرجل لا يمكن أن يساوي المرأة في واجباتها ووظيفتها، كذلك لا يمكن للمرأة أن تساوي الرجل في واجباته ووظيفته.

وعلى كل فإنني أرى أنّ البحث في كيفية «تحرير» المرأة والرجل من «عبوديتهما» الزوجية بطريقة جدية تحقير لمدارك العقل البشري، فضلاً عن أنه لا يأتي بنتيجة غير وجوب الإقلاع عن الزواج والرجوع إلى العصر الحيواني الذي كان عليه الإنسان في بدء عهده، لذلك أقتصر على ما ذكرته آنفاً بهذا الصدد.

وإنني لا يسعني إلا أن أعجب كيف أنّ مثل هذه الحقيقة تغيب عن نظر «مي»، فتعدّ الزواج في جملة خيوط العبودية المتعددة، وتقول إنّ المرأة عبدة للرجل، وإنّ الرجل اعتاد استعبادها ليس بالجور والضغط فقط بل بالتحبب واللطف والتدليل.

إنّ العبودية الزوجية التي أتت على ذكرها «مي» عبودية وهمية لا أثر لها إلا في أدمغة قوم انصرفوا إلى الأوهام ولم يذوقوا حلاوة الارتباط الزواجي. والمرأة التي كثيراً ما تتغلب عواطفها على عقلها، تندفع في تيار هذه الأوهام دون أن تحاول الوقوف لحظة واحدة للنظر فيما هي مندفعة نحوه. وإنّ من ذهب إلى الولايات المتحدة حيث كثر محررو المرأة وتفحص ماهية السيدات القائمات بحركة التحرير، لرأى أنّ أكثرهن من العانسات اللواتي لم يسعدهن الحظ بأن يصرن من ربات العائلات.

لذلك قلت إنّ البحث في وجوب تحرير المرأة ضرب من التحقير لمدارك العقل البشري، إذ إنّ العبودية الزوجية عبودية وهمية بحتة.


أنطون سعاده

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.