الجريدة،
سان باولو،
هذه هي آرائي بخصوص العبودية الزوجية التي تكلمت عنها «مي» كأنها عبودية حقيقية. وإنني أشعر أنني قد أطلت الإمعان في الزواج وحقيقته إلى درجة كاد يشط عندها القلم، أو هو قد شط. ولكن أهمية البحث تشفع بي عند جمهور القرّاء الذين قد يكون بينهم من يظن أنني انتقلت من البحث في كتاب «المساواة»، إلى البحث في الزواج وأسبابه ونتائجه.
على أنه لو لم تكن نقطة هذا البحث من الأهمية العائلية على جانب عظيم، إذ إنّ عليها تتوقف سعادة العائلة وتعاستها، لما كان لي عذر مقبول عن إفراد مكان خاص بها في صدر الجريدة . ولكن لمّا كان الأمر جديراً بمثل هذا الاهتمام، فإنني أشعر الآن بارتياح من قد قام بواجب عُدَّ عدم القيام به تقصيراً بيناً منه، لا سيما وأنّ عائلاتنا في حاجة إلى ما يوثق عراها ويثبت قدمها تجاه زعازع الثورات الجنونية التي يقوم بها الآن مدّعو تحرير المرأة من «عبوديتها» وتكسير «غلالها» [أغلالها]، وهم قوم يسيرون الآن بفكرتهم إلى الأمام غير مبالين بما سيكون من وراء ذلك من العواقب الوخيمة على الهيئة الاجتماعية، وما ستجره تعاليمهم هذه من الشقاء على الجبلة البشرية.
أنا لا أظن أنّ مثل هذه الأوهام تجد إلى نفس «مي» سبيلاً. وإننا إذا جعلنا مثل هذا الاعتقاد الباطل مثالاً لروح «مي» لظلمناها. فإن في ما جاء في الأبحاث التي تلت بحث «العبودية والرق» كثيراً من الشواهد الدالة على سمو التصورات ونبالة القصد. وإنني أعتقد أنّ ما أتت عليه «مي» بخصوص الزواج لم يكن سوى إحدى عثرات الأقلام، ولكنها عثرة تجر العائلة إلى هاوية عميقة من التعاسة والشقاء. فهي تقضي على العلاقات الزوجية والروابط الحبية، وتفتح باب الخصومات بين الرجل والمرأة على غير طائل. لذلك كان الأجدر بالكاتبة أن تمعن النظر في هذه النقطة الهامة، فلا تضع أمام عائلاتنا مثل هذه الأمثلة السيئة للسير عليها في زمن ترى فيه العائلة نفسها في أشد الحاجة إلى أمثلة جيدة في الحب والتوافق.
إنّ «مي» أرادت أن تعطي مثالاً جديداً في المساواة، فأعطت مثالاً قديماً في العبودية. ورأت أن تبتدع فكرة جديدة فعادت إلى سرد حكاية قديمة من حكايات الأعصر الماضية والأزمنة الغابرة في تاريخ البشر.
بيد أنّ هذه الأمثلة السيئة لا تمحو ما للمؤلفة من الحسنات التي في الكتاب، ولكنها تشوهها تشويهاً قبيحاً. فلقد عقب بحث «العبودية والرق» بحث الديموقراطية، وهو من الأبحاث التي أجادت فيها الكاتبة وصف ما يجول في خاطرها من هذا القبيل. ثم بحثت في الاشتراكية السلمية والاشتراكية الثوروية، وشرحت عقيدة الاشتراكيين وذكرت ما قاله ماركس زعيم الاشتراكيين الثوريين من أنّ الرقي في العالم راجع إلى الحاجة المادية، وما جاء لغيره بهذا الصدد.
وكذلك وفت «مي» البحث في الفوضوية والعدمية حقه من الشروح ووصف الأوجه العديدة والطرق ا لمتشعبة التي يسير عليها الاشتراكيون وطلاب المساواة في العالم. وختمت الكتاب برسالة «عارف» التي جاء فيها من الحكمة ما هو جدير بالاعتبار.
إنّ كتاب «المساواة» بديع، ولو لم يتخلل فصوله الأغلاط التي ذكرتها وبعض أغلاط أخرى طفيفة مشتّتة هنا وهناك، لجاء آية في الإتقان وحسن النظر، فضلاً عن فصاحة لغته وحسن سبكه وسلاسة تعابيره.
وهو رغماً عن الأغلاط التي ذكرتها، جدير باطلاع الأدباء عليه، إذ في فصوله فوائد جمّة ومحاسن لا تنكر. فهو بالحقيقة نتيجة خيال مبدع رأى في الحياة من المشاهد الغريبة ما استحسن مشاطرة قومه بها.
وإنني في هذا المقام أثني على «مي» ثناءً جمّاً يستحقه إقدامها واهتمامها بمثل هذه الأبحاث الحرية بكل اهتمام. وأرجو أن لا تحرمنا في المستقبل من الخواطر البديعة، والأمثلة اللائقة بحياة جديدة وعصر جديد، والآراء التي تنير لنا السبيل الذي نسلكه في الحياة.
أنطون سعاده