المجلة - ومشتركوها - إلى المطالع

المجلة،  
سان باولو، السنة 10،  
الجزء 1،  
1/2/1924

نحن الآن في القرن العشرين، ولا سبيل إلى إنكار ذلك كما أنه لا سبيل إلى إنكار النور حين وجوده. ولكن العبرة ليست في القرن العشرين نفسه، بل في ما ينطوي عليه القرن العشرون من المعاني التي يجب على كل فرد من الأفراد العائشين فيه أن يعرفها ويقدّرها حقَّ قدرها.

إنّ كل شيء تراه وأنت ذاهب إلى عملك أو قادم إلى بيتك أو سائر في نزهة يدلك على معنى من معاني القرن العشرين. حياتك نفسها معنى قائم بذاته من معاني هذا القرن العظيم. ولا تحتاج لإدراك ذلك إلى أكثر من نظرة إلى الوراء ــــ نظرة واحدة إلى الوراء تريك كم تختلف معاني الحياة في القرن العشرين عن معانيها في القرون الغابرة.

بيد أنّ الفضل في هذا الاختلاف العظيم بيننا والأجيال السالفة ليس عائداً إلى القرن العشرين وحده، بل إلى القرون السابقة التي تقلبت فيها البشرية على نيران الاختبار المسعَّرة، وقاست أهوالاً شديدة واحتملت عذابات أليمة وقامت بتضحيات كبيرة. لذلك أقول لك بقدر ما تحمد وجودك في القرن العشرين، الذي لم يكلفك أنت التمتع باختراعاته واكتشافاته وقوانينه وأنظمته شيئاً، احترم القرون الماضية والأجيال السالفة لأنها دفعت من دماء قلوب بنيها ما تسرُّ به أنت اليوم. فالمبادىء المسيحية التي تتمتع أنت اليوم بنتائجها في الهيئة الاجتماعية وُجدت في تلك القرون أولاً، ولم تبلغ ما هي عليه الآن إلا بعد تضحيات عظيمة جداً استغرقت وقتاً طويلاً. وما يقال عن المسيحية يقال عن المبادىء والمذاهب والعلوم الأخرى.

لقد ضحت البشرية كثيراً في سبيل ارتقاء الحرية، ودفعت أثماناً فاحشة للحصول على العلوم والفنون التي تنير أنفسنا وتلطّف حياتنا. ومع ذلك، فالحقيقة الراهنة التي يجب على كل فرد أن يفقهها هي أنه لا تزال أمام العالم تضحيات كثيرة وجهاد طويل قبل بلوغ ذلك العصر الذي يسود فيه السلام العام على وجه البسيطة، «فيرقد الخروف مع الذئب» ويطرح الناس الأحقاد جانباً وينصرفون إلى العمل المفيد والمباراة في الأمور النافعة، وتصبح الحياة كلها قائمة على أسس ثابتة راسخة.

ففي القرن العشرين الحياة أرقى كثيراً منها في القرون الماضية، ولكنها لم تبلغ بعد الدرجة التي تأمن عندها من العثار والتدهور إلى الوراء. ومع أنّ الحق قوي وجيشه عظيم، فكثيراً ما يُلبس الدجالون الباطل ثوباً من الحق قشيباً ويخدعون بذلك جيش الحق ويستعينون به على غلبته. فتش التاريخ ترَ كم من مرة استظهر الباطل على الحق بالخداع والغش، وكم من مرة قاد الدجالون جيش الحق لمحاربته.

ما مضى قد مضى، ولكنك سمعت أنّ التاريخ يعيد نفسه. ومعنى ذلك أنّ ما حدث في الماضي يمكن حدوثه في الحاضر والمستقبل، لذلك يجب الاحتراس، فأنصار الباطل منبثون في كل مكان والرجعيون يعيثون في الأرض فساداً.

ترى من هذا أننا لم نجتز كل العقبات بعد، بل إنّ العقبات التي تعترضنا الآن لا تقلّ خطورة عن العقبات التي قامت في وجه ارتقائنا في الماضي.

العالم الآن آخذ في الاختمار بآراء جديدة وفلسفات جديدة وعلوم جديدة وفنون جديدة. وفعل هذا الاختمار آخذ في التأثير في كل قسم من أقسام الدنيا، من القطب الشمالي حتى القطب الجنوبي على مدار الأرض كلها.

كم هو مبلغ معرفتك عن هذه المسميات. وماذا تعلم عن سيرها؟
العالم الآن على أبواب معارك هائلة تلتحم فيها جنود العلوم والمعارف والآداب والعدل والحرية والسلام مع جنود المبادىء الرجعية والظلم والعبودية والحروب، فمن أي الجنود أنت؟
ما هو شأن المسيحية اليوم؟ ما هو شأن ا لإسلام؟ ما هي الاشتراكية؟ ما هي الحرية؟ ما هي الديموقراطية؟ ما هو مصير العالم وكيف مسيره؟
من هو ماركس؟ ومن هو لينين؟ ومن هو ولسن؟ ومن هو مكدونالد؟ وماذا صنع هؤلاء الرجال في سبيل الإنسانية؟
من هو مصطفى باشا كمال؟ ومن هو سعد باشا زغلول؟ ومن هو غاندي؟ وماذا يحدث الآن في الشرق كله؟ وما هي هذه التشنجات الغربية التي يشعر بها العالم كله ويتوقع نتائجها بفارغ الصبر؟

إذا كنت تعرف هذه الأمور كلها، فلا بدّ لك من تتبّعها وملاحقتها عن كثب. وإذا كنت لا تعرف عنها شيئاً أو تعرف شيئاً قليلاً، فيجب عليك الإسراع إلى الوقوف عليها من أقرب الطرق لأن لها علاقة كبيرة بحياتك من سائر وجوهها.

الحياة اليوم تختلف كثيراً عما كانت عليه منذ نحو مئة سنة. فمنذ مئة سنة إلى اليوم قد حدث في العالم تغيّرات وتطورات شتى. ومنذ الآن إلى مئة سنة أخرى سندخل في تغيّرات وتطورات لم يكن يحلم بها عقل بشري من قبل. ولكنها قد ابتدأت تتحقق أمام أعيننا، فنحن نشعر بتأثيرها الآخذ في الازدياد يوماً فيوماً.

«المجلة» تفيدك عن كل الأمور المتقدمة بطريقة سهلة المنال، وهي تشرح لك العقائد والمذاهب والمبادىء القديمة والجديدة بكل أمانة وإخلاص. فيمكنك أن تركن إليها كل الركون لأن ليس لها من وراء ذلك غرضاً خاصاً أو مصلحة ذاتية، وهي أنشئت خصيصاً لخدمة الحقيقة.

إذا كنت مشتركاً في «المجلة»، فاذكر أنّ سنتها الجديدة قد ابتدأت من هذا العدد وأنّ تجديد اشتراكك فيها أمر لا غنى لك عنه. دع غيرك يكون جاهلاً أما أنت فكن حكيماً!

إذا كنت من المشتركين الذين سددوا بدل اشتراكهم القديم، فيمكنك أن ترسل اشتراكك الجديد في أقرب فرصة. أما إذا كنت من المشتركين الذين قد تأخروا عن تسديد كل ما عليهم حتى الآن، فارفق القيمة الجديدة بالقيمة القديمة، أو فابعث القديمة أولاً ثم أتبع الجديدة بها. قُمْ بواجبك نحو الصحيفة التي تقوم بواجبها نحوك!

إذا كنت غير مشترك في «المجلة»، فلا تتردد في الاشتراك لأن من لا يعرف ماذا يجري حوله في العالم ولا يشارك العالم في تطوراته الروحية والمادية يرتكب جريمة لا تغتفر. ولا تنسَ أننا في القرن العشرين الذي هو أعظم القرون التي مرت تأثيراً في تطور العالم.

أطلع أصدقاءك ومعارفك على «المجلة»، واجعلهم يطالعون أبحاثها ومواضيعها. وإذا كان لك قريب أو صديق عزيز تريد أن تقدم له هدية مفيدة تدلّه على مبلغ محبتك واحترامك له، فلا تتأخر عن إهدائه «المجلة»، فإنك بذلك تكون قد قمت بعمل إنساني شريف.

لا تقل أنا تاجر وأقربائي وأصدقائي تجار ولا يهمّنا كل ما هو مذكور لئلا تخطىء، وإذا أردت برهاناً على ذلك فاعلم أنّ النظام التجاري الذي تتعامل به الآن آخذ في التغيّر كما تغيّر في الماضي. فإذا لم تكن على بينة من ذلك فقد تستيقظ في صباح ذات يوم لتجد أنّ النظام التجاري الذي تسير بموجبه الآن قد زال بالمرة وحلّ محلة نظام آخر لا تعلم عنه شيئاً. وعندك في التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك.

لا تقل أنا وأنا، بل كن مشتركاً في «المجلة»، وكن عاملاً على نشرها بين كل الذين لك علاقة بهم تخدم نفسك وعائلتك ومعارفك ووطنك والإنسانية.

أنطون سعاده

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.