الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 12، 15/1/1941
خطاب موسوليني:
بينما الحرب المعلنة من قبل إيطالية على إغريقية دائرة سجالاً بين هاتين الدولتين على الحدود بين ألبانيا وإغريقية، وقبل أن ترجح كفة الإغريق في المعركة الدائرة ويبتدىء الجيش الإغريقي توغّله في ألبانيا داحراً الجيش الإيطالي، وقف رئيس الحكومة الإيطالية السيد موسوليني خطيباً ليعلن أنه لا بدّ من سحق إغريقية، سواء أكان ذلك في مدة شهرين أو في مدة اثني عشر شهراً، وشبّه الحرب الحاضرة بالحرب الفينيقية الثالثة، وتنبأ بأن هذه ستنتهي كما انتهت تلك الحروب القديمة بتدمير ما سماه قرطاضة العصرية، أي بريطانية العظمى.
ألقى السيد موسوليني خطابه المذكور في الثامن عشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الساعة الثانية عشرة والدقيقة الثلاثين، بمناسبة تذكار الحول الخامس لإعلان العقوبات على إيطالية في حربها مع الحبشة.
قد تتم نبوءة زعيم إيطالية فيما يختص بسحق إغريقية، سواء أجاء هذا السحق على يد الجيش الإيطالي أم على يد القوة الألمانية. وقد تتم نبوءته فيما يتعلق بانتصار ألمانية على بريطانية العظمى. ولكن ما هي النتيجة التي يبشر العالم بها؟ أهي النتيجة عينها لتدمير قرطاضة الذي كان أروع حادث بربري عُرِف في التاريخ التمدني؟
عندما غدر الجيش الرومةني بقرطاضة خارقاً حرمة المعاهدة بينها وبين رومة وهي عزلاء من السلاح، وكانت النتيجة تدمير عاصمة الامبراطورية السورية الغربية، ماذا فعلت رومة غير الاستيلاء على تركة تلك الامبراطورية الفخمة، التي وضعت قواعد التمدن الرومةني نفسه؟
هل فعلت رومة شيئاً غير سلوك المسلك الاستعماري الذي سلكته قرطاضة مع الفرق بين تساهل المستعمرين السوريين وغطرسة المستعمرين الإيطاليين؟
فإذا كانت هذه هي النتيجة التي يبشر بها زعيم إيطالية العالم فقد تجد هذه البشارة هوى في نفوس الإيطاليين الطامعين في التوسع على حساب تفكك الامبراطورية البريطانية والاستيلاء على أقطار البحر المتوسط بما في ذلك سورية نفسها. ولكن ما هو الخير الذي يرجوه العالم من ذلك، وخصوصاً الأمم التي رزحت تحت عبء الاستعمار البريطاني ــــ الفرنسي؟ وهل على هذه الشعوب أن تقبل البشارة بفرح، لأن رومة تعدّ لهذه الشعوب نيراً جديداً مصنوعاً في إيطالية يحل محل النير البريطاني ــــ الفرنسي؟
خطاب روزفلت:
بعد المعاهدة الثلاثية التي عقدت في برلين بين برلين ورومة وطوكيو، أصبح من الضروري أن تحدد الولايات المتحدة موقفها من الحرب الحاضرة تحديداً صريحاً تترتب عليه مواجهة المسؤوليات. وهذه الحالة هي عينها التي وجدت نفسها فيها اليابان، وكان من ورائها تحديد موقفها بواسطة المعاهدة المشار إليها. ولم يبقَ أمام حكومة الولايات المتحدة، بعد انتهاء الانتخابات لرئاسة الجمهورية وفوز الرئيس روزفلت بانتخابه الثالث، مانع يمنعها أو يوقفها عن الإقدام على إعلان سياستها. وقد جاء هذا الإعلان في خطاب الرئيس روزفلت الذي ألقاه يوم الأحد الماضي في 29 ديسمبر/كانون الأول المنصرم.
ومن الأسباب المباشرة التي أوجبت إلقاء هذا الخطاب مسألة طلب بريطانية العظمى تسليم المراكب التجارية المعادية والمحايدة الراسية في الموانىء الأميركةنية، وحصول تحبيذ لهذا الطلب من قبل بعض سياسيــي الولايات المتحدة، الأمر الذي دعا وزير خارجية ألمانية إلى الإدلاء بتصريح، عدّ إنذاراً للولايات المتحدة، بأن ألمانية الكبرى تُعِدّ ذلك عملاً عدائياً حربياً ضدها يعادل شهر الحرب على ألمانية.
خلاصة خطاب رئيس الحكومة الأميركةنية هي أنه يُعِدّ سلامة الولايات المتحدة غير محفوظة إلا في حفظ سلامة بريطانية العظمى، ولذلك يريد إمداد هذه بكل المساعدة الممكنة بالمعدات والذخائر والأعتدة الحربية والمراكب البحرية اللازمة لإيصال المدد إلى بريطانية العظمى.
حمل السيد روزفلت على سياسة الدول الكلية ومطامع دولتي «المحور»، وأهم طعنة وجّهها إلى سياسة هاتين الدولتين هي إعلانه «أكاذيب النازيين» فقال:
«واحدة من هذه الأكاذيب هي تأكيد النازيين أنهم يقتحمون أمة من الأمم ويحتلون أرضها بقصد «إعادة الأمن إلى نصابه.» واحدة أخرى هي الاحتلال أو التسلط على أمة من الأمم «لحمايتها» من اعتداء دولة أخرى عليها».
ونحن نقول للرئيس روزفلت: هل، إذا كان ذلك صحيحاً كل الصحة، يتوجب علينا أن نظل تحت «الحماية» البريطانية أو البريطانية ــــ الفرنسية التي أعلنها الإنكليز والفرنسيون قبل الألمان بزمان، واتخذوها ذريعة لاقتحام سورية واحتلال الأرض السورية بقصد «حمايتها» من اعتداء دولة أخرى، ثم سلبوا السوريين كل حرية بقصد «المحافظة على الأمن»، وحاكموا أحرار البلاد، رجال الحزب السوري القومي، كأنهم مجرمون وهم لا حق لهم في هذه المحاكمات ولا في الأحكام التي حكموها؟
إنّ السلام الحقيقي الثابت في العالم، لا يمكن أن يتم على أساس الحجج التي يستعملها هذا الفريق الاستعماري أو ذاك الفريق الاستعماري. السلام الحقيقي الثابت لا يتم إلا على أساس اعتراف كل من الفريقين المتحاربين لشعوب العالم الحرة بحق الحياة كشعوب حرة وليس كشعوب مستعبدة، سواء أكانت العبودية من قبل الألمان والطليان أم من قبل الإنكليز والأميركةن. ويدخل في ذلك عدم الاستعباد الاقتصادي.
وقد قال سعاده: «إنّ هذه الحرب هي حرب مصالح، لا حرب مبادىء»، وهذه هي الحقيقة التي لا جدال فيها. وجميع الخطب البليغة التي تقال في معرض تأييد المصالح لا تغيّر شيئاً منها، مهما كان من أمر المبادىء التي تتذرع بها.