سورية الجديدة، سان باولو، العدد 107، 5/4/1941
نشرنا في العدد 104 من «سورية الجديدة» خبر انتزاع ملكية المستشفى السوري من الجالية السورية وتحويله إلى حكومة ولاية سان باولو، وعلقنا على ذلك الخبر المشتمل على القرار الرسمي الصادر من حضرة المبعوث الاتحادي تعليقاً مستعجلاً. ولكن خطورة هذا الحادث جعلتنا نعود إلى درسه لاستخراج عبرة نهائية منه:
مهما حاولنا تعزية أنفسنا بانتقال المشروع من وسطنا السوري إلى شخصية غير سورية يحسن استعماله واجتناء فوائده فالحقيقة هي أنّ أعظم مشروع عمراني تكاتفت جهود الجالية السورية في البرازيل على تحقيقه قد صار إلى الزوال، مهما كانت الصفة أو الطريقة التي زال بها.
ومهما حاولنا إقناع أنفسنا بأن المشروع بقيت له بالصفة التي زال فيها من متحدنا السوري، الفائدة العمرانية الخيرية فلا مهرب لنا من الاعتراف بأن الغرض الذي أنشىء له المستشفى ظل بدون تحقيق، بعد كل الجهود التي بذلت في سبيله وبعد كل النكايات والسعايات والخصومات والمنافسات والمحاكمات التي أقمنا الأرض وأقعدناها وأقلقنا راحة السماء بها.
ومع أننا نشرنا على صفحات الجريدة كيفية خسارتنا ملكية مستشفانا فإننا نشعر أنّ ضمير الجالية لا يزال غير مطمئن إلى السبب الرسمي، وأنه لا يزال يبحث عن السبب الحقيقي أو المبرر المقبول لانتزاع حكومة ولاية سان بولو ملكية المستشفى السوري من بين جميع المستشفيات الأجنبية في هذه الحاضرة.
لا ينكر أحد على أفراد الجالية السورية في البرازيل حق التساؤل والسؤال: «لماذا أجري انتزاع الملكية على المستشفى السوري ولم يجرِ على غيره من المستشفيات الأجنبية؟».
هذا السؤال يكشف عن الوجه الآخر للقضية. وقد عرفنا أنّ الوجه الأول هو حاجة الحكومة إلى مدرسة عسكرية في سان باولو وإلى مستشفى للشرطة. إذ لو كانت القضية ذات وجه واحد فقط هو وجه حاجة الحكومة إلى المستشفى للشرطة وإلى مدرسة حربية فبناء المستشفى السوري لا يسد غير قسم من هذه الحاجة المختص بالمدرسة الحربية ــــ وإن يكن مؤقتاً. والحاجة إلى القسم الثاني لا تزال موجودة فلماذا لا تلجأ حكومة الولاية إلى سدها بمستشفى أميركةني أو ألماني أو فرنسي أو إيطالي أو غيره؟
حاجة الحكومة إلى بنايات لمؤسساتها ليست سوى الناحية السلبية من الموضوع، والناحية السلبية لا تحقق وحدها شيئاً. والناحية السلبية لا تهمّنا في هذا البحث لأنها لا تخصنا، بل تخص حكومة الولاية. ولكن الناحية الإيجابية التي حققت قسماً من الحاجة هي التي تهمّنا لأنها تتعلق بنا. وهنا نصل إلى هذا السؤال: كيف صار مستشفانا، وليس مستشفى غيرنا, الضلع الإيجابي؟
هذه النقطة تهمّ متحدنا في هذه البلاد التي لم تظهر في وقت من الأوقات إلا أنها صديقة.
مسألة إنشاء مستشفى سوري لمرضى الجالية والعناية بصحة أفرادها تعود إلى أوائل العقد الثالث بعد مجيء المغفور له الدكتور خليل سعاده من الأرجنتين وإنشائه في هذه الحاضرة الجريدة التي وجّه بواسطتها نداء إلى الجالية يدعوها فيها وينادي أغنياءها إلى الاهتمام بإنشاء مستشفى يشعر فيه المريض السوري أنه في بيته وبين أهله.
وكان من وراء دعوة الدكتور خليل سعاده أنّ العناصر النابهة في الجالية وجدت في ضميرها تلبية لهذه الدعوة. فقام فريق من نصفنا الأكثر شعوراً، من نسائنا اللواتي كنَّ دائماً منقذاتنا في غربتنا من فنائنا في المادية، يهتم بتحقيق هذا المشروع النبيل.
ومع أنّ الدكتور خليل سعاده لم يعيّن ويخصص في دعوته المشار إليها الاسم السوري لهذا المشروع، ومع أنه، حرصاً منه على إبقاء هذه المؤسسة بعيدة عن مشاحناتنا «السياسية»، أطلق الاسم السوري ــــ اللبناني على الجالية في صدد هذا المشروع، كما تشهد أولى كتاباته في هذا الباب في الأعداد الأولى من الجريدة سنة 1920، فإن لجنة السيدات التي تألفت لهذا الغرض سمّت نفسها «لجنة السيدات للمستشفى السوري». فقبلت الجالية هذه التسمية قبولاً عمومياً. ولم يخطر في بال سوري مخلص لخير الجالية في ذلك الوقت إقامة قضية من الاسم يكمن فيها خطر القضاء على المشروع بتحويله إلى نقطة تتمركز فيها الخصومات السياسية الداخلية.
بعد مدة ظهرت رغبة من فريق من الجالية له أهمية في المشروع وفي الجالية بصورة عامة بتحويل الاسم من المستشفى السوري إلى المستشفى السوري اللبناني، لأن هذا الفريق، ولم يكن قليلاً بين اللبنانيين، كان يعدّ شخصيته منفصلة عن الشخصية السورية ولذلك هو يريد إثبات اسمه محافظة على شخصيته. هذه الرغبة لم تكن صادرة عن سوء نيَّة نحو المشروع أو نحو أي فريق آخر. وإذا كان في ظهورها غلط فهو في أنه كان متأخراً، أي إنّ ظهور هذه الرغبة كان بعد القبول العمومي للاسم الأول والاعتراف به. ولو أنّ هذه الرغبة ظهرت منذ بداية المشروع لما وجدت أسباب من العرف والاستمرار كافية لإحداث الضجة التي حدثت بعد ظهورها المتأخر.
وإذا حسبنا تأخر ظهور هذه الرغبة غلطاً تكنيكياً لا يجرّد صاحب الحق من حقه، فمما لا شك فيه أنّ الشكل الجارح الذي اتخذته مقاومة هذه الرغبة من جانب الراغبين في إبقاء الاسم على وضعه الأول كان غلطاً لا يقتصر على الوجهة التكنيكية، بل يتناول الوجهة الحقوقية أيضاً. إنّ هذا الغلط تناول وجهة رفض الاعتراف للجماعات بحق تقرير ما هو من خصوصياتها، وفرض فريق رغبته على فريق آخر له ضلع رئيسي في الأمر.
هذه النقطة الحقوقية ــــ السياسية لم تفت عالماً وسيآسية كبيراً كالدكتور خليل سعاده، الذي مع أنه كان يرفض فكرة انفصال لبنان ويحارب هذا الانفصال، كان يعلم كذلك أنه يجب احترام حق الجماعة في تقرير مصيرها. فأول مقالة كتبها في صدد إنشاء مستشفى للجالية أطلق على الجالية اسم «الجالية السورية اللبنانية» معترفاً بحق الراغبين في اتخاذ شخصية لبنانية منفصلة لأنفسهم في الاحتفاظ بشخصيتهم ضمن المشروع الموحد.
هذه الخطة هي الخطة المثلى التي كان يجب أن تُتَّبع. ولو أنّ اجتماعاً عقد عند بدء ظهور الخلاف على أساس رغبة أكيدة في الوصول إلى تفاهم يعطي كل فئة حقها في تقرير شخصيتها ضمن المشروع لكانت المسألة انحلَّت على وفاق. ولكن وُجد نفر من المتطفلين على السياسة والاجتماع والأدب أرادوا أن يظهروا بمظهر الأبطال ويلفتوا الأنظار إليهم. هذا النفر وُجد في الجهتين: فأخذ بعضهم في نفخ نار الحقد في هذا الجانب، وأخذ البعض الآخر ينفخ هذه النار في الجانب الآخر، ويصبون عليها الزيت. هذا النفر لا يهمّه أن يقيم حرمة أو وزناً لأحد أو لشيء. فهو نفر أرعن، لا يرى إلا قضاء لباناته، ولا يعرف حكيماً ينزل عند رأيه، ولا زعيماً يأتمر بأمره، ولا عرفاً يتمشى عليه، ولا تقييداً يتقيد به. رغباته الهوجاء هي أساس كل شيء عنده، وجهله المطبق هو القاعدة التي يتمشى عليها. وقد كان من سوء طالع الجالية السورية في البرازيل أنّ عقلاءها لم يتنبهوا لخطر هذا الفريق المندسّ في المشاريع العمومية، وأنّ شبيبتها ومثقفيها انصرفوا عن جميع القضايا المتعلقة بالشعب ومصيره لحسبانهم هذه القضايا الخطيرة «سياسة خبيثة» يجب عليهم أن يترفعوا عنها. فبدلاً من أن يقفوا في وجه لقطاء السياسة الذين كل شيء عندهم صابون ويحولوا دون قبضهم على ناصية الأمور، أخلوا لهم المكان وأفسحوا لهم المجال فعظُم شأنهم واستفحل أمرهم وأخذوا ينظرون إلى أنفسهم نظرهم إلى سادة الموقف وأصحاب الحل والعقد في الجالية وشؤونها. وبعض المغرورين من هؤلاء اللقطاء لم يعد يرى شيئاً في العالم كله أهم من أن يثبت للناس أنه ذو شأن خطير، وأنه الآمر الناهي فلا يجري شيء في الجالية إلا بموافقته.
تدخّلَ هؤلاء العفاريت في قضية اسم المستشفى تدخلاً واسعاً وأخذوا يضرمون النار في كل مكان. وأسوأ هؤلاء العفاريت هم أولئك الذين أخذوا يظهرون بمظهر أبطال الاسم السوري، وهم الذين ظلّقوا مؤخراً هذا الاسم وحكموا عليه بالإعدام ووضعوا في محله الاسم العربي، خارجين على مبادىء جمعيتهم التي وضعها لهم سعاده سنة 1925 وتعاهدوا على خدمتها.
ظن هؤلاء العفاريت أنهم سيتمكنون من فرض إرادتهم فرضاً على الجالية ويخضعون الكبير والصغير فيها محتمين وراء سور المبادىء التي وضعها لهم الزعيم. ولكنهم اكتشفوا بعد جهود كبيرة أنهم لم يصلوا إلى شيء غير شق الجالية إلى قسمين ووضع العداوة والحقد بينهما حتى أصبح شبه المستحيل ردهما إلى التفاهم فيما بعد. أما إرادتهم فلم يتمكنوا من فرضها.
عزَّ ذلك كثيراً عليهم وتصوروا في رعونتهم أنه لا بدّ من فرض هذه الإرادة جاهلين كل الجهل أنّ توحيد الشعوب لا يكون إلا بتوحيد القلوب. فقرروا ارتكاب أكبر جريمة ضد الأمة السورية وكرامتها بخروجهم عن سياسة التفاهم في قضية المستشفى والالتجاء إلى تحكيم هيئة خارجة عن الشعب السوري القائم بالمستشفى لتحكم في القضية بناءً على وجهة القانون المتعلق بالعقود. وأغرب ما في هذه الجريمة أنّ الذين ارتكبوها يدّعون أنهم «طلاب استقلال لسورية»!
هذه الدعوى الغريبة القبيحة التي رُفعت، هل كانت غير طعنة في صميم كرامة الشعب السوري، وغير سحق بالأقدام لمبدأ احتكام الشعب السوري إلى نفسه في شؤونه العمومية؟!.
وإننا نعني بالمجرمين أولئك الذين سعوا وحرضوا ونادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور. أولئك الذين سعوا لشق الجالية وتوليد الأحقاد وتوهموا أنهم يقدرون أن يقيموا قضية وطنية بقرار من محكمة!
فلما صدر حكم المحكمة بإقرار الاسم السوري وحجز الأموال المجبية عدّوا ذلك انتصاراً باهراً. والحقيقة أنه كان انتصار الكيد على حرمة الشعب وكرامته، انتصار القيد على حرمة الشعب وكرامته، إنه انتصار يتهلل له وجه عديم العرض والإباء القومي، ويندى له وجه القومي الضنين بكرامة أصله حياءً وخجلاً.
ليس قصدنا من هذا المقال الرجوع إلى الماضي، ولكن قصدنا درسه واستخراج العبرة منه لكي يفيدنا في المستقبل. وليس قصدنا كذلك، وضع لوم على فريق دون فريق، فقد كان الغلط الأخير غلط الجميع. غلط الذين ادّعوا وغلط الذين قبلوا الادعاء. ففي الساعة التي جرى فيها التحدي في المحاكم وقبل التحدي في المحاكم نحرت القضية نحراً.
يجب أن نكون جريئين فنعترف بأغلاطنا وندرس أسبابها جيداً، إذا كنا نريد أن نحافظ على كرامتنا القومية، وأن نتقدم مع الأمم الحية. أما نسيان الأغلاط وتجاهلها فلا نتيجة له غير البقاء حيث نحن.
طالت المحاكمات ووقف المشروع حيث كان مدة سنين. ووقفت أيضاً الغاية منه حيث كان منذ عقود. ولم يتقدم إلى الأمام غير نور مشاريعنا الوطنية. وتأخر الاسم السوري كثيراً.
أخيراً جاء سان باولو إكليريكي أرثوذكسي عالٍ فوجدت العناصر التي لها غيرة على إحياء المشروع في وجود هذا الإكليريكي العالي مناسبة لبعث القضية ومحاولة حل العقدة، وقيل إنّ العقدة انحلت ورضي عقلاء الفريقين بحلها على أن يسمى المستشفى «مستشفى الرحمة للجالية السورية اللبنانية».
وقيل إنّ الذي كانت له اليد الطولى في إضرام النار لم يرضَ. ومع كل ما قيل من أمر انحلال العقدة بإثبات شخصية المطران في اسم «الرحمة» فإن الخلاف الطويل أحدث فتوراً في الهمم.
في هذه الأثناء نهضت البرازيل نهضتها الجديدة المباركة واتسعت حاجاتها ومشاريعها. واحتاجت حكومة الولاية بكل سرعة إلى مستشفى للشرطة وإلى مدرسة عسكرية، فاستعرضت أبنية الحاضرة ووجدت بناءً كبيراً جميلاً فارغاً لم يورث الذين بنوه غير المشاحنات التي أقلقوا بها حتى القضاء البرازيلي. فرأت أن تصنع معنا جميلاً بإلقاء درس مفيد علينا.
إنّ قرار مبعوث الاتحاد قد جرّدنا من مشروع عمومي لنا. ولكننا نحن الذين قدَّمنا الشرط الإيجابي لهذا القرار. فنحن هتكنا سترنا وخرقنا عرضنا بأيدينا.
إنّ هذه الخاتمة لقضية المستشفى يجب أن تكون خاتمة عهد ماضٍ لا ردّه الله.
في ذلك العهد وقف أصحاب الأهلية والكفاءة منا بعيداً يشاهدون مجرى الحوادث كأنهم ليسوا من الشعب، وقام بعض الدخلاء على القضية بالقبض على زمام الأمور. فقالوا إنّ الغلط يصلح بغلط أكبر منه. وقالوا إنّ الاحتكام في قضية المستشفى إلى محكّمين غير سوريين هو طريق الاستقلال. وقالوا إنّ الرغبات الجامحة يجب أن تفرض إرادتها على الشعب، مدّعين باطلاً أنّ هذه الشروط تكوّن القضية السورية.
لا نحزن لمضي ذلك العهد، مهما كلَّفنا. ولننظر إلى عهد جديد لا تعيش فيه الشعوذات. إلى عهد جديد تسير أموره على قاعدة قومية صحيحة هي قاعدة وجوب تفاهمنا على مصيرنا، ووجوب إبقاء مسائلنا العمرانية في وسطنا. فإن من أقبح مثالبنا أننا شعب لا تحجم أية فئة من فئاته عن استنصار أية سلطة على فئة أخرى منه. كل فئة من فئاتنا، مهما كانت قليلة ومجرّدة من مبادىء سامية، تعد خصوصياتها بمقام خصوصيات الشعب كله. وتتذرع بما هو جائز وغير جائز مناقبياً لمحاولة فرض إرادتها وغاياتها على الفئات الأخرى. هكذا جرى في أمر المستشفى. والذين سعوا لدى حكومة الولاية لتوقيف الزعيم هنا هم من هذه الطغمة الشريرة.
في ذلك العهد كان كل نفر قليل تجمع شمله الظروف في جمعية أو في حزب يرى، بناءً على جهله وعدم تربيته السياسية والاجتماعية، أنه جدير بالقبض على أزمة الأمور وتعريفها حسب مشيئته. وقد بليت الجالية بنفرٍ جاوز في غروره كل حد حتى أنه لم يعد يعترف بأهلية أعظم وأحكم شخصية سياسية ــــ اجتماعية وجدت في الجالية في ذلك الوقت.
هذا النفر الجاهل كل مبدأ من مبادىء النهضات القومية وحياة الأمم، ظن أنه يفهم الوحدة السورية أكثر من أعظم سياسي قال بها. وتوهم أنه يتمكن من إخضاع كل فئة أخرى لقوله بمجرّد الصخب والتحريض وإثارة الحقد وإلقاء الفتنة، وباحتقار أي فريق آخر والتهكم عليه. فاندفع في النعي على القائلين بالانفصال اللبناني من اللبنانيين والتهكم عليهم وتحريض الناس على احتقارهم. وبلغ به الغرور أن عدّهم مارقين من الوطنية وخائنين.
هذا النفر الجاهل قد أخّر بنفسية الجالية كما أخّر أمثاله بالقضية السورية التي وضع قواعدها القومية الصحيحة الحزب السوري القومي. فإن هؤلاء الجهَّال قد جعلوا أبناء لبنان يكرهون اسم سورية وينفرون من أي مبدأ أو حزب يحمل هذا الاسم.
وبناءً على هذا النفور الذي ولّده جهال المسائل الوطنية والقومية، كان كثير من اللبنانيين إذا سمعوا اسم الحزب السوري القومي ينفرون منه ويأبون درس مبادئه لأنهم كانوا يحسبونها شيئاً جديداً لما اختبروه في الماضي وجرحوا به في صميم نفوسهم.
إنّ مبادىء العهد الجديد الذي افتتحه الحزب السوري القومي لا تقول إنّ الذين قالوا باستقلال لبنان هم خونة مارقون من الوطنية وعبيد لفرنسة أو لغيرها.
الحزب السوري القومي يقول إنّ المسألة اللبنانية نشأت في سورية بمبررات مقبولة. وإنّ هذه المبررات ليست عبادة الأجنبي، وإنْ كان عبدة الأجانب يستغلونها لمآربهم. إنّ هذه المبررات هي مبررات لا يرفضها رجل حر على الإطلاق، هي مبررات رفع العبودية عن قسم من الشعب لا يعترف له القسم الآخر من الشعب بحقوقه المدنية.
الحزب السوري القومي لا يدعو اللبنانيين إلى التنازل عن حقوقهم، بل يدعوهم إلى الاشتراك في تأمين الحقوق المدنية لجميع السوريين بصرف النظر عن أديانهم.
الحزب السوري القومي هو دعوة عامة إلى جميع السوريين من لبنانيين وشاميين وفلسطينيين وأردنيين للاعتراف بحقوق واحدة مدنية لجميع السوريين، وللعمل على صيانة هذه الحقوق والمصالح ضد غزوات المصالح الأجنبية.
الحركة السورية القومية هي لتأمين كل فرد من أفراد الأمة السورية على حقوقه أولاً، ولتأمين الأمة السورية على حقوقها ثانياً.
الدعوة القومية لا تلغي حقوق اللبنانيين أو غيرهم، بل تثبت هذه الحقوق للجميع. وهي، لذلك، دعوة موجهة إلى جميع السوريين للاعتراف بحقوق عامة للجميع والقيام بحركة بعث قومي ترفع أمتنا إلى المستوى اللائق بها.
وبما أنّ الحزب السوري القومي قد أوجد القاعدة الأساسية للنهضة القومية الصحيحة، فهو يعلن أنّ هذه القاعدة قد أزالت المبررات لإنشاء مسألة لبنانية مستقلة. تبقى هنالك مسألة الضمانات السياسية، فهذه الضمانات موجودة في الحركة القومية نفسها من حيث هي حركة روحية، ومن حيث هي منظمة ذات دعائم دستورية ونظام إداري.
إنّ نظرة عميقة في حادث المستشفى السوري توصلنا إلى حقيقة أمرنا. وهذه الحقيقة مؤلمة وهي: نحن لسنا شعبين، شعباً سورية وشعباً لبنانياً. بل نحن شعب واحد منقسم على نفسه بسبب التحزب الديني. فلو كنا شعبين منفصلين الواحد عن الآخر لما كان نشأ المستشفى بهذه الصفة، بل كان كل شعب انتخب لجنة تمثله لتقرير المشروع وكيفيته ولضمان حقوقه فيه. ولو كنَّا شعبين يطلبان توحيد مشاريعهما لكانت روحية التقارب والتفاهم هي المسيطرة. إننا شعب منقسم على ذاته، ساعٍ لخرابه وإذا بقينا في عنعناتنا وتهاوننا تاركين نفراً من الجهلة يتلاعب في مقدراتنا فخرابنا محتم.
إننا ننبه المثقفين منا إلى صوت الواجب.
إننا ننادي النفوس النبيلة الشريفة لتتقدم إلى الأمام ليرى العالم وجه سورية الحقيقي النبيل.