الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 22، 15/6/1941
الشاعر السوري الرقيق، إيليا أبو ماضي، هو أحد كبار الشعراء السوريين العصريين. وقد طار صيته في ومهاجرها، وفي مصر والعراق أيضاً، يجري له ذكر كشاعر سوري كبير.
إذاً ليس أبو ماضي شاعراً خاملاً يجوز أن لا يسمع به أو أن يجهل شعره ومنزلته شاعر سوري آخر كأبي العلاء المعرّي من المتقدمين وخليل مطران من المتأخرين. ولكن أبا العلاء المعرّي أجاز لنفسه ارتكاب هذه الزلة التي لا تغتفر. فتظاهر بأنه لا يعرف أنّ هنالك شاعراً إسمه إيليا أبو ماضي وأنه من الشعراء الذين لا يحسن إغفال شعرهم. وأخذ عنه معنى شعرياً بديعاً وانتحله لنفسه معتمداً على الخرافة الشائعة عند الغربيين عن الأدب الصحيح، القائلة إنّ توارد الخواطر أمر يحدث بين عصر وعصر. أما المعنى الشعري الذي ابتكره أبو ماضي فهو هذا:
والطلّ غيرُ الماس. إلا أنّهم خُدعوا برقرقة الندى عن ماسي
(الخمائل لم يبقَ غير الكاس):
فأخذ أبو العلاء المعرّي هذا المعنى الجميل ووضعه في بيت سقيم من النظم شوّه به جمال المعنى الأصلي، الخصوصي، الشخصي فجعله معنى عاماً لا يتعلق بشخصية الشاعر واعتزازه بأدبه. وهذا هو بيت المعرّي:
قد يفسد الفكر في حالة فيوهمك الدرّ قطرُ السرى
(لزوم ما لا يلزم):
ونحن لم نتعرض لإيضاح هذا العبث إلا حرصاً منا على منزلة شاعر سوري كبير وحقوقه. فلا يمكن للمعرّي أن يدّعي أنه جاء قبل أبي ماضي، لأنّ هذه الحجة يُعترض عليها بأن منزلة شاعر كأبي ماضي مقررة قبل مئات السنين فلا يجوز أن يكون شاعر سامي الإدراك كالمعرّي قد جهل هذه المنزلة، فاختطافه المعنى الشعري من أبي ماضي وهو بعد في عالم الغيب هو حيلة لا يمكن أن نعدّها له من باب «توارد الخواطر».