احتجاب الصحف السورية في البرازيل - سورية الجديدة


الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 29، 1/10/1941

أخيراً نفّذت الحكومة البرازيلية قرارها بمنع الصحف غير البرازيلية من الصدور بلغة أجنبية. وقد نُفّذ القرار اعتباراً من آخر أغسطس/آب الماضي فتوقفت جميع الصحف الأجنبية، إلا ما تحوّل إلى صحف تصدر باللغة البرازيلية ومن جملتها الصحف السورية، التي بلغنا أنّ واحدة منها ستتابع صدورها باللغة البرازيلية.
إنّ توقيف الصحف السورية في البرازيل سيكون ذا تأثير على العلاقات والروابط الفكرية بين جالية البرازيل والوطن والجوالي الأخرى، ولكن هذا التأثير لن يكون كله ضاراً، بل ستكون للمنع فوائد فكرية وروحية على الجالية. فإن الخبير الذي يدرس الصحافة السورية في البرازيل، أو في أي مهجر آخر، لا يمكنه التأكيد أنّ أكثر الصحف السورية مفيد للجالية أو للمهاجرين من الوجهة الثقافية ــــ الروحية. فقد ندر أن تنشأ صحيفة سورية في المهجر، جريدة أو مجلة، ولها أي غرض غير المتاجرة بالكلام، أو استغلال النعرات القديمة، أو خدمة بعض المآرب الخصوصية الهزيلة، أو التزلّف إلى المثرين من المهاجرين. وإذا استثنينا الجريدة وهي الصحيفة التي أنشأها في البرازيل العلاّمة الوطني الكبير الدكتور خليل سعاده، والمجلة التي كان أنشأها في الأرجنتين، وصحيفة أو اثنتين أخريين، فإننا لا نجد صحيفة سورية واحدة في أميركة الجنوبية يصح أن يقال إنّ المصالح الفكرية ــــ الروحية والاجتماعية في جالية من جواليها اقتضت وجودها، حتى كان ظهور «سورية الجديدة» في البرازيل التي حملت إلى المهاجرين العوامل الفكرية التي حركت الشعب السوري في الوطن، وأوجدت النهضة السورية القومية. ثم تلاها نشوء «الزوبعة» في الأرجنتين التي قصد منها التعبير عن وجهة النظر السورية القومية في أدق المسائل الاجتماعية ــــ المادية والسياسية التي لها علاقة وثيقة بالأمة السورية ومصيرها.
ما كادت «سورية الجديدة» تصدر في البرازيل حتى جرى في أوساط الجالية السورية تيار روحي أشبه شيء بالتيارات الكهربائية في الأسلاك. فإذا الجالية السورية في البرازيل تستيقظ لعوامل فكرية جديدة تبشّر بعهد روحي جديد، وتختلف كل الاختلاف بفاعليتها الروحية عن جميع المجاري الفكرية القديمة التي كانت لا تزال في سيرها بقوة الاستمرار فقط. ومهما يكن من أمر القبول أو الرفض لغاية الحزب السوري القومي السياسية أو السياسية ــــ الاجتماعية، فالذي لا شك فيه أنّ «سورية الجديدة»، حملت إل أوساط الجالية والجوالي الأخرى في أميركة الجنوبية والشمالية لهيب الحياة الفكرية ــــ الروحية التي ابتدأت في سورية، فسرى الاضطرام الفكري في الجالية السورية في البرازيل وفي كل بيئة وصلت إليها «سورية الجديدة». ولأول مرة وجد السوريون في المهجر أنهم ينتقلون من حالة خمول الاستمرار إلى حالة نشاط اليقظة وفاعلية تفكير جديد يجعل السوريين بين الأمم التي لها تفكير ونظرة خاصان في مسائل العالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية. وإنّ الذي يراقب لغة الصحف السورية في البرازيل بعد نشوء «سورية الجديدة»، وفي غير البرازيل حيث وصل قبس من نور التفكير القومي يجد أنّ تغيّراً محسوساً قد طرأ على تعابيرها والمواضيع التي تعرض لها. وهذا التغيير هو ما لاحظه الخبراء في صحف سورية بعد انتشار التفكير القومي بين الشعب بواسطة الخطب والمحاضرات والمحاكمات وبواسطة جريدة «النهضة» التي صدرت في بيروت سنة 1937. وقد شمل هذا التغيّر جميع الصحف على السواء، المحبّذة منها والمعادية والمحايدة. ذلك أنّ التفكير الجديد وضع مسائل على بساط البحث جعلت النظر فيها ضرورياً لجميع الصحف بدون استثناء.
ومع كل الصعوبات التي وجدتها «سورية الجديدة»، واختلال إدارة الإنشاء والتحرير فيها مدة من الزمن، فإن صدورها مدة سنتين ونيف جعل لها أعظم الأثر في حياة الجالية السورية في البرازيل من الوجهة الفكرية ــــ الروحية. وإنه لمؤسف كثيراً أن تحتجب «سورية الجديدة» وهي في إبّان عملها الثقافي ــــ القومي الذي أكسب الجنس السوري عناصر كثيرة كانت آخذة في التلاشي والفناء.
إذا كانت الجالية السورية في البرازيل قد فقدت هذا المحرك الفكري فهي قد فقدت، من الوجهة الأخرى، طائفة من الصحف التي لا رسالة لها تؤديها ولا غرض لأصحابها غير التجارة، فكانت عوامل بلبلة للفكر وتفسيخ للروحية الاجتماعية وإهلاك للعصبية القومية. ولقد وقفنا على مقالة كتبها بمناسبة قرب منع الصحف الأجنبية في البرازيل السيد نجيب حنكش، أحد الشبان المهاجرين الذي اشتهر بفن المجون والغناء، يشير فيها إلى بعض فوائد احتجاب الصحف السورية في البرازيل، إذ لا تعود الجالية تقرأ أخبار الزلفى ونعوت «الألمعي والعصامي وسليل بيت النبل والزعيم، الخ». التي كانت تلجأ الصحف اللاقومية إلى استعمالها حسب أغراضها في غير موضعها، كأن تلقّب أي مثرٍ كبير تتزلف إليه لمأرب نفعي خصوصي «بالزعيم» لغير سبب موجب لهذا التلقيب غير دغدغة حب الظهور أو الزهو الذي تستشعره تلك الصحف في عدد من الأغنياء. وكان لقب «الزعيم» آخر موضعة استعملتها صحف التعيّش، بعد ظهور زعامة الحزب السوري القومي، وبعد أن صارت ألقاب «الفيلسوف والنابغة وأمير المنابر والأقلام» موضة قديمة غير صالحة للتشويق. ومع أنّ مقالة السيد حنكش مقصود منها النكتة فإن روح الجد ظاهرة فيها، ومنها، يمكن طالب الحقائق إدراك مبلغ ملل الجالية السورية في البرازيل من أنغام الصحف المتعيشة ومبلغ الفوضى الفكرية والاجتماعية التي بثّتها تلك الصحف في الأوساط العائشة ضمنها.
إنّ من أشد الأسف أنّ تواري الصحف السورية المتعيشة في البرازيل لم يمكن أن يتم بدون حجب الصحيفة التي حملت إلى الجالية السورية هناك التجدد الفكري الروحي بمبادىء البعث القومي. ونتمنى أن تجد الجالية السورية في البرازيل التعويض عن احتجاب صحافة الفكر والتقدم في وسطها باختيارها من الصحف السورية خارج البرازيل ما يكون الدافع إليه محبة التقدم الفكري ــــ الروحي وليس مساعدة هذا المهاجر المسكين الذي لم يجد عملاً آخر يعيش منه. وبهذه الطريقة تكون الجالية السورية في البرازيل عوّضت أحسن تعويض.

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.