خطاب الزعيم إلى القوميين

 

الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 32، 15/11/1941

(بمناسبة مرور تسعة أعوام على نشوء الحركة السورية القومية وجّه الزعيم الخطاب التالي إلى السوريين القوميين):
أيها السوريون القوميون،
في هذا اليوم يُطوى عام من أعوام جهادنا القومي لا ليذهب إلى النسيان والعدم، بل ليكون سطوراً وصفحات من التاريخ الذي نخطّ عباراته بجوارحنا وجراحنا!
في هذا اليوم يبتدىء عام جديد من أعوام جهادنا القومي فنستقبله بجوارحنا وجراحنا لا يخامر عقولنا شيء من التردد ولا يتطرق إلى نفوسنا شيء من الشك. نسير وعيوننا شاخصة إلى الهدف الذي جعلناه نصبها، رؤوسنا منتصبة وصدورنا مرتفعة، فخورين بجراحنا، فخورين بانكساراتنا، فخورين بانتصاراتنا!
أقول إننا فخورون بجراحنا لأنها جراح أعزاء لا جراح أذلاء. وإننا فخورون بانكساراتنا لأنها كانت انكسارات مغلوبين غير مقهورين. وإننا فخورون بانتصاراتنا لأنها انتصارات غالبين غير شامتين!
إننا فخورون لأن مناقبنا كانت أقوى من شؤم الانكسار، ولأن إرادتنا كانت أغلب من صروف الزمان!
تسعة أعوام قد أصبحت في ذمة التاريخ. تسعة أعوام مليئة بالشدائد ولا واحد منها خلا من الجهاد. وها نحن نستقبل العام العاشر وإيماننا أشد رسوخاً منه قبل ما مرَّ علينا من التجارب ويقيننا بالنصر الأخير أعظم منه في أي زمان ماضٍ. فنحن نعلم والعالم يعلم اليوم أنّ السوريين القوميين شعب حي مؤمن بحقه وعدل قضيته فلا الشدائد تميته ولا الأهوال تزعزع إيمانه ولا يوجد قوة على وجه البسيطة، روحية أو مادية، تقدر أن ترده عن غايته.
إن تسعة أعوام من الامتحانات في جميع أنواع الصعوبات والمحن كافية لإعطاء البرهان القاطع على صحة هذا القول.
كل سوري قومي آمن وعمل يمكنه أن يفتخر اليوم ويغتبط لهذه النتيجة الباهرة. فإن ما اجتازه الحزب السوري القومي في التسعة أعوامٍ الماضية لم يجتزه حزب آخر معروف في العالم!
أقول لكم ذلك لا لكي تثملوا وتأخذكم نشوة النصر، بل لتعلموا أنّ جهودكم لم تذهب عبثاً وتضحياتكم لم تكن في الباطل.
أيها السوريون القوميون،
إني أخاطبكم اليوم والوقت ليس وقت فرج والصعوبات لمّا تُزَلْ من طريقنا. وقد تكون الصعوبات المقبلة أكبر من الصعوبات التي جزناها. ولكن كل هذا كان منتظراً عندي قبل مجيئه. فإذا تذكرتم كلامي الذي خاطبتكم به في أيام الكورة سنة 1937 وجدتم أني حسبت كل الشدائد التي ستأتي ونبهتكم إليها.
في إحدى خطبي في الكورة قلت لكم: «إنّ العراك بيننا وبين القوات الرجعية والإرادات الأجنبية لمّا ينتهِ ولا بدّ من أن يستمر. فكلما ازددنا نمواً وتقدماً ازداد الضغط واشتد العراك. ولن تكون للقوميين راحة حتى يتم النصر».
نحن الآن في هذه الحالة تماماً. فمنذ سنة 1937 حتى اليوم ازداد نمو الحركة السورية القومية وتقدمها وتناولت كل قطر من أقطار الدنيا يضم جماعة سورية. وكان اتساع الحركة في الوطن، منذ ذلك التاريخ، كبيراً، خصوصاً بعد أن قدّمت الشركات السياسية كــ«الكتلة الوطنية» إفلاسها. فإن الإقبال على الحزب السوري القومي في 1939 و1940 كان عظيماً، على ما وردت به أخبار وثيقة من المركز الإداري في الوطن. فدعا ذلك إلى اشتداد العراك وازدياد الضغط الأجنبي. وإلى هذا النمو يعزى تشديد الطلب العسكري على أركان إدارة الحزب في الوطن وقساوة الأحكام التي أصدرها المجلس العسكري الفرنسي بحقي وحق معاونيَّ الذين أظهروا في هذا الموقف كل ما يمكن أن تتصوره مخيّلة الإنسان من رباطة الجأش ونبل المناقب ومتانة الأخلاق. وفي المهجر قامت قيامة الرجعيين والعائشين على بلبلة الرأي العام السوري، في وجه التقدم الذي أخذت تحرزه المبادىء السورية القومية في كل جالية من جوالينا، وقامت حرب الإشاعات الفاسدة ضدنا. فنحن في حرب دائمة وعراك شديد في كل مكان. وستستمر هذه الحرب حتى يكون النصر الأخير.
وقد قلت لكم، في خطابي المذكور آنفاً: «إنّ طريقنا طويلة لأنها طريق الحياة. إنها الطريق التي لا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة. أما الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جوانبها! ».
وفي هذه المراحل الطويلة التي اجتزناها أسفنا ونأسف لسقوط عدد من الذين انضموا إلى صفوفنا الحية على جوانب الطريق، فقد أحطناهم بقلوبنا وأفكارنا وهم معنا وساعدناهم في كل موقف ضعف ظهر منهم ولكنهم لم يتمكنوا، مع كل ذلك، من التغلب على التجارب، والثبات على طريقنا فسقطوا وأكثرهم تدهور إلى حضيض البلبلة اللاقومية. فأسفت وأعتقد أنكم جميعكم تشاركونني الأسف لسقوطهم وفقدهم.
ولكن القضية القومية المقدسة تنمو وتتقدم متغلبة على جميع هذه الصعوبات. فلا استمرار الحرب، ولا توالي المحن، ولا سقوط الفاشلين، يزعزع مقدار ذرّة من إيماننا بالنصر.
وفي هذا الزمن العصيب لنا وللعالم أهنئكم باجتياز المراحل الصعبة الماضية وحفظ وحدة صفوفنا والتغلب على جميع العراقيل التي وُضعت في طريقنا. إني مغتبط بهذه النتيجة التي تمكّني من القول للعالم: إنّ قيمة المبادىء وقوة المناقب ليستا أكثر رسوخاً في أية أمة من أمم العالم منهما في الحركة السورية القومية.
إننا قد اجتزنا مصاعب جمة ولكننا لا نزال في حومة الجهاد لننال غايتنا الأخيرة التي هي إنشاء دولتنا المستقلة وتأسيس حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والروحية على قواعد مبادئنا القومية. ولنصل إلى هذه الغاية يجب علينا أن نحقق غرضين أوليين أعلنتهما لكم منذ بدء العمل القومي وهما: استئصال الفوضى الداخلية ودفع المطامع الخارجية.
إننا قد قضينا على قسم غير يسير من الفوضى الداخلية، وعرقلنا بعض حركات المطامع الأجنبية، وكشفنا عن المحالفات السرية بين إرادات أجنبية ذات مطامع في وطننا وطائفة من الرجعيين وأصحاب الشركات السياسية الاستغلاليين. وهذه نتائج محسوسة لا يمكن إنكارها.
فثقوا بقضيتكم وحزبكم وبأنفسكم ولا تأبهوا لثرثرة المستهزئين فهؤلاء يُقهرون ولا يُغلبون، ويُذلّون ولا يُجرحون! يودّون أن تكونوا مثلهم لكي لا يكون لكم رفعة عليهم فذروهم في سخريتهم ولا تجعلوا مجالسكم معهم، لأنكم لستم منهم وليسوا منكم.
آمنوا واعملوا وجاهدوا يكن النصر لكم.
فإلى الأمام أيها القوميون!
ولتحيَ سورية!

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.