الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 48، 15/7/1942
الحرب:
في مصر ــــ نقلت انتصارات قوات المحور في إفريقيا ساحة الحرب من ليبيا إلى مصر. فقد أخبرنا في العدد الماضي (ص 119 أعلاه) عن وصول القوات الألمانية والإيطالية إلى قرب مرسى مطروح ولم يكد يصدر العدد المذكور حتى كان هذا المركز، الذي هو منتهى الخط الحديدي نحو الغرب، قد سقط في يد المارشال رومل. ثم تقدمت القوات الألمانية والإيطالية حتى العلمين، وسارت مفرزة منها نحو الجنوب للالتفاف حول هذا المركز الحصين. وكان البريطانيون قد جلبوا قوات جديدة إلى هذه الجبهة وعزل الجنرال رتشي، الذي كان يدير الأعمال الحربية تحت إمرة الجنرال أوكنلك، وتولى هذا الأخير القيادة الفعلية بنفسه. وكان هذا التغيير في القيادة من جملة أسباب تخفيف الحملة في مجلس العموم البريطاني عن رئيس الوزارة، السيد تشرشل، الذي لم يرافقه الحظ الحربي في رحلته إلى أميركا الشمالية للاجتماع بروزفلت فعاد إلى إنكلترا ليواجه مجلساً عبوساً وشعباً ساخطاً.
ثبت البريطانيون في العملين بعد وصول نجداتهم وإمدادهم بعدد وافر من الطيارات. وبعد معركة قصيرة شديدة في هذه النقطة توقف الهجوم المحوري. ولجأ الفريقان إلى المطاولة. فالظاهر أنّ القيادة البريطانية لا تجد قوّتها كافية للقيام بهجوم معاكس متواصل وتفضل البقاء في الدفاع. ويلوح أنّ قيادة القوات المحورية ترى أنها تحتاج وقت راحة وانتظار لإمداد وترميم الصالح للاستعمال قبل استئناف الهجوم.
حتى الآن لم تأتِ في الأيام الأخيرة غير أخبار مناوشات وتحسينات موضعية، ولكن ينتظر استئناف القتال بين لحظة وأخرى.
في روسية ــــ قلنا في ختام تعليقنا في العدد الماضي على زيارة تشرشل لروزفلت التي حدثت في الشهر الماضي: «إنّ الصورة التي مرَّ بها ربيع هذه السنة الشمالي ودخل صيفها قد جعلت وجه الحالة السياسية ــــ الحربية أشد عبوساً مما لو كان حدث هجوم ألماني عظيم على طول الخطوط الروسية الدفاعية) (ص 118 أعلاه). وقد تحقق قولنا بأسرع مما كان يحتمل انتظار حدوثه. فقد كان الهدوء الحربي في الأشهر الماضية أشبه شيء بسكون الطبيعة قبل هبوب العاصفة.
لم يطل الأمر بعد سقوط سوستفول حتى تحركت القوات الألمانية والحليفة في جبهة ممتدة بين خركوف في الجنوب وكرسك في الشمال في اتجاه نهر الدون. وشيئاً فشيئاً أخذ يبدو أنّ هذا الزحف هو بداءة هجوم عظيم جعل هدفه مدينة ورونج الهامّة وراء نهر الدون. فبلغها ثم كشفت الحركات الحربية التالية عن امتداد الزحف نحو الجنوب فسقطت رصش التي هي مركز مواصلات وليسيشنسك وكنتميروكه وأخذت القوات الروسية تنسحب بسرعة نحو الجنوب الشرقي تابعة انعطاف الدون الكبير. وبعد سقوط أهم المراكز الاستراتيجية الواقعة في الجهة الغربية من الدون في قبضة الألمان انعزل الجيش الروسي الجنوبي عن جيش الوسط انعزالاً يرجّح أن يصير تاماً.
تبيّن من سياق الهجوم الألماني الجديد أنّ الغرض المقصود هو القوقاس، وهو ما رجّحنا حدوثه في عدد سابق من الزوبعة، حين الكلام على عامل الوقت بين المتحاربين. فقد قلنا حينئذٍ إنه إذا حدث هجوم ألماني يمكّن من الاستيلاء على القوقاس وآباره النفطية أصبح مركز جهة المحور منيعاً. والظاهر أنّ القيادة الألمانية العليا فضّلت هذه النظرية على غيرها، وجعلت همّها الوصول إلى غرضين في آنٍ واحد: أولاً الفصل بين القوات الروسية في الجنوب وقوات الوسط وقطع طرق المدد من خليج العجم. ثانياً الاستيلاء على آبار النفط، وهذان الغرضان من الأهمية بمكان عظيم، وللغرض الثاني أهمية ممتازة، لأنه يقطع عن جهة الأمم المتحدة مواد الوقود الضرورية لتحريك المراكب والطيارات والدبابات والزحافات وضروب الآلات المختلفة، ويحوّلها إلى الآلات الألمانية وآلات حليفات ألمانية.
حدث الهجوم الجديد في الجبهة الروسية بتلاؤم مع الهجوم المحوري في إفريقيا. وحدوث هذين الهجومين في آنٍ واحد هو خطة في غاية الإتقان لنجاحهما كليهما، أو لنجاح أحدهما نجاحاً تاماً على الأقل.
في جو أوروبا ــــ لا تزال القوات الجوية البريطانية تحمل على فرنسة وبعض أقسام ألمانية وترجمها بالقنابل وأحياناً تكون الحملات قوية، وأحياناً ضعيفة. أما قوات الجو الألمانية فلا تظهر فوق بريطانية إلا بين الفينة والفينة وتأتي بعدد قليل للإزعاج أكثر مما للتدمير.
في الماء ــــ لا تزال الغواصات الألمانية تفتك بمراكب الشحن فتكاً ذريعاً. ولكن سلك البحر لا يزال يجري من قبل مراكب الأمم المتحدة في مغامرات كثيرة.
في الشرق الأقصى ــــ استولت القوات اليابانية على مواقع جديدة في الصين. والمعارك هناك محصورة في هذه الجبهة ويُظهر الصينيون من الاستبسال في الذود عن وطنهم ما يدعو إلى الإعجاب.
السياسة:
في الهند ــــ يتابع الهنود القوميون حركاتهم السياسية الرامية إلى تحقيق استقلال الهند. وعاد حزب «المجمع الهندي» إلى سماع صوت غاندي والعمل بإشارته. وقد ورد بتاريخ اليوم نبأ عن وردها، الهند، إنّ حزب «المجمع الهندي» قد أذاع، بواسطة لجنته الدائمة، قراراً يقترح فيه على الحكومة البريطانية.
الانسحاب من الهند.
تقول وثيقة «المجمع» إنّ اللجنة الدائمة لا ترغب في إقامة العراقيل لبريطانية العظيمة أو للدول الحليفة فيما يختص بمتابعة الحرب، ولا في تسهيل الاعتداء على الهند أو الضغط على الصين من قِبل اليابان، أو من قِبل أية دولة من دول المحور.
يشتمل قرار «المجمع الهندي» على نقاط غاية في التساهل كالسماح بوقوف القوات الجندية التابعة للأمم المتحدة في أراضٍ هندية، إذا كانت هذه رغبة الدول المذكورة «من أجل مقاومة اليابانيين أو معتدين غيرهم وردّهم، ومن أجل حماية الصين ومساعدتها».
ويعترف القرار بالأخطار التي تعقب انسحاب السلطة البريطانية ولكنه يقول إنّ كل قطر يتعرض لها من أجل حريته. وينبه القرار البريطانيين إلى أنّ حزب «المجمع الهندي» يجد نفسه مضطراً، إذا رفض اقتراحه، لبذل كل جهده لتأييد مطاليب حقوق الهند السياسية وحريتها بالطرق اللاعنفية وتحت إدارة غاندي.
وقد علّق غاندي على القرار المذكور بقوله:
«لم يبقَ مجال للمفاوضة: فإما أن يعترفوا باستقلال الهند، وإما أن لا يعترفوا. المسألة ليست مسألة فرصة جديدة، بل مسألة ثورة معلنة. فقد وضعت منهاجاً لحركة واسعة جداً تشمل جماعات عظيمة ولكن صفتها مغايرة للعنف. وفي نيتي القيام بهذه الحركة، بأسرع وأقصر ما يمكن».
رائحة صلح ــــ كانت الزوبعة أول صحيفة، ليس فقط بين الصحف السورية أو الأميركية، بل بين جميع صحف العالم استنتجت من زيارة ونستن تشرشل لفرنكلن روزفلت ومن أحداث أخرى أنه من المحتمل أو المرجح وجود محادثات واستعدادات لمواجهة الصلح في بعض أشكاله. وقد أثبتنا هذا الاستنتاج الذي هو بمثابة نبوءة في خلاصة التعليق في العدد الماضي على الزيارة المذكورة (ص 117، 118 أعلاه).
بعد أيام قليلة على صدور العدد الماضي من الزوبعة ابتدأت تتسرب أنباء متعددة ومختلفة تشير إلى احتمال حصول صلح أو عرض شروط صلح. وبين هذه الأنباء برقية لشركة «يونايتد برس» عن استوكهولم بتاريخ 7 يوليو/تموز الحاضر هذا نصها:
«أرسل مراسل جريدة سوسيال ديمكراتن في برلين يخبر جريدته أنه تجري في بعض الأوساط الألمانية مناقشات عن احتمال استعداد بريطانية العظيمة للدخول، في المستقبل غير البعيد، في محادثات السلم من أجل إنقاذ أكبر قسم ممكن من امبراطوريتها، ويزيد المراسل أنه يقال في هذه الأوساط إنه وإن لم يكن محتملاً ابتداء الجهة الألمانية بعرض الصلح، فإن الاحتكاكات البريطانية في هذا الصدد تجد آذاناً صاغية في ألمانية، لأن ألمانية أوضحت تكراراً أنها ليست مهتمة اهتماماً أساسياً في هدم الامبراطورية البريطانية، بل اهتمامها الأكثر في العكس من ذلك».