الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 50، 15/8/1942
نشأت حركة غاندي الاستقلالية في الهند قبل حركة سعاده القومية الاجتماعية في سورية بما يزيد على عقد من السنين. واستفحل أمر الحركة الهندية استفحالاً شديدً بعد سنة العشرين، وكان أهم أخطارها في التحية الاقتصادية التي اتخذ منها غاندي سلاحه وأنزلت أضراراً كبيرة بالصناعة القطنية البريطانية. ولكن اقتصار تلك الحركة على الناحية السلمية لم يمكّنها من التقدم إلى أكثر مما وصلت إليه. مع ذلك فكثير من السوريين وغيرهم بالغوا في تقدير الحركة المذكورة، حتى أنّ عدداً من الأشخاص السوريين صاروا يجعلون غاندي مثالاً للأعمال الوطنية والقيادة الشعبية، وواحد كتب يقول، وهو لا يدري ما يقول: «حاربوا بالغاندية».
لا شك في أنّ غاندي رسم خطة موافقة للنفسية الهندية المغرقة في المسائل الخفية والشؤون الغيبية. ولكن هذه الخطة إذا كانت جيدة بالنسبة إلى نفسية الهنود فهي مشكوك فيها بالنسبة إلى مقتضيات تنازع البقاء والحالة الإنترناسيونية.
وسواء أكانت خطة غاندي هي الوحيدة المناسبة لنفسية الشعب الهندي أم لم تكن، فمما لا شك فيه أنّ الحركة الهندية قد قصّرت في فاعليتها من الوجهة الروحية، لا أقل من سبع سنوات عن الحركة السورية القومية التي نشأت بعدها بما يزيد على عقد من السنين فما قطعته الحركة السورية القومية في نحو سنتين ونصف لم تصل إليه الحركة الهندية إلا في نحو عقدين ونصف من السنين. ولبيان ذلك نضع أمام القارىء بعض فقرات من خطاب سعاده الرسمي الأول الذي ألقاه في أول يونيو/حزيران سن 1935 وبعض فقرات من خطاب غاندي الأخير الذي ألقاه في الثامن من أغسطس/آب الحاضر.
سعاده قال سنة 1935 (أنظر ج 2 ص 5):
«إننا قد حررنا أنفسنا، ضمن الحزب السوري القومي من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية ولكن بقي علينا أن ننقذ أمتنا بأسرها وأن نحرر وطنينا بكامله».
غاندي قال سنة 1942:
«يجب على الهنود أن يبتدؤوا يشعرون أنهم أحرار».
سعاده قال سنة 1935 (انظر ج 2 ص 3):
«منذ الساعة التي عقدنا فيها القلوب والقبضات على الوقوف معاً والسقوط معاً في سبيل تحقيق المطلب الأعلى المعلن في مبادىء الحزب السوري القومي وفي غايته، وضعنا أيدينا على المحراث ووجّهنا نظرنا إلى الأمام ــــ إلى المثال الأعلى، وصرنا جماعة واحدة وأمة حية تريد الحياة الحرة الجميلة ــــ أمة تحب الحياة لأنها تحب الحرية وتحب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة».
غاندي قال سنة 1942:
«إني وقفت نفسي على «المجمع» و«المجمع» مطالب بنيل الاعتاق المناقبي أو الموت».
من هذه المقابلة التاريخية تدرك أيها القارىء السوري أنّ ما وجّه سعاده أنظار السوريين إليه في سنة 1935 لم يبتدىء غاندي إلا الآن في توجيه أنظار الهنود إليه. والفرق التاريخي نحو سبع سنوات ونيف فقط.
مع ذلك لا يزال يوجد أفراد سوريون، من رجال ونساء، يظنون لجهلهم، أنهم أذكياء جداً ويقولون: نريد لسورية رجلاً كغاندي، وبعضهم يقولون: نريد رجلاً كهتلر، وآخرون نريد رجلاً كموسوليني، وغيرهم نريد رجلاً كأتاتورك، وغيرهم نريد غير هؤلاء ولولا جهلهم ورعونتهم لعرفوا أنهم قد أُعطوا من لم يعطَ غيرهم ولكنهم قليلاً ما يعرفون.