تفنيد دعوى يهودية


الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 50، 15/8/1942

أرسل إلينا أحد المواطنين الغيورين النازلين في سان رفايل، مندوسة، نسخة من عدد جريدة لاكفيتال الصادر في 8 يوليو/تموز الماضي، فاطَّلعنا فيه على رسالة وجّهتها إلى الجريدة المذكورة «الجمعية السورية العربية» في المدينة المذكورة تحتج فيها على بعض ادعاءات اليهود وتفندها، فرأينا أن ننقل أهم ما ورد في رسالة هذه الجمعية إثباتاً لمسعاها الحميد وتقديراً لاهتمامها.
قالت «الجمعية السورية العربية» في سان رفايل، مندوسة، بعد كلمتها الموجّهة إلى محرر الجريدة المذكورة:
«في الصحف المحلية الصادرة في 20 و21 الجاري ورد خبر مؤداه أنه قد جرى اجتماع من قبل فلسطينيين مقيمين في مندوسة وجوارها في «الفندق الإسباني» دفعهم إليه طلب جمع مال لإعادة تعمير فلسطين.
«إنّ السوريين العرب النازلين هنا الذين هم أبناء الأمة السورية التي تضم داخل حدودها أرض فلسطين الصغيرة، قد استغربوا كثيراً أنّ بعض الأشخاص الذين ليسوا مواطنين لنا أقاموا أنفسهم كمحسنين وعاملين على إعادة تعمير بلاد لا تحتاج إلى عناصر خارجة عن وسطها لتتابع عمل التقدم والتمدن الذي أقامت عليه الدليل بمجهود أبنائها في سياق آلاف السنين».
ثم تقول الجمعية المشار إليها إنّ ما دعاها إلى إذاعة هذه الحقيقة هو إمكان انخداع غير المطلعين بعمل أولئك الأغراب ودفاعاً عن القومية التي ينتمي إليها أعضاؤها. وتضيف الجمعية «أنّ التجمهر اليهودي الموجود الآن في فلسطين سببه المهاجرة اليهودية التي يشجعها المنتدبون، ضد إرادة العرب، لإنشاء «الوطن» اليهودي وأنّ فلسطين مهد المدنية المسيحية، والمكرّمة من الشعوب العربية لا يمكن أن تصير الوطن القومي لليهود».
نثني على الجمعية السورية في سان رفايل، مندوسة، التي تسمي نفسها «الجمعية السورية العربية» لاهتمامها بإثبات حق السوريين في وطنهم في البيئة الموجودة فيها. فهي قد أظهرت اهتماماً بغير مسائل المشاحنات الداخلية أو غير ذلك من المسائل التي تشغل معظم جمعياتنا في المغترب، فجاء اهتمامها مفيداً بقدر ما يسمح الغموض الذي اكتنف بعض تصريحاتها وتوكيداتها، ونعني به الغموض المحيط بجميع الأعمال السورية العمومية التي لما يتناولها التنظيم القومي الاجتماعي، ونحن نشير إلى أهم ما ورد في بيان الجمعية من الاضطراب الذي ينظر إليه أهل التدقيق، خصوصاً الأجانب، بكثير من الاستغراب ونقصد بهذه الملاحظة الانتقاد التعميري المرشد إلى الصلاح والفلاح:
إنّ أول ما يدعو إلى تشويش ذهن قارىء بيان الجمعية غير المطّلع على المسائل السورية الداخلية هو إسم الجمعية نفسه فــ«السوري العربي» قد يبدو شيئاً كقولك النمساوي المجري أي مجموع عنصرين السوري والعربي. وهو يدل، للسوريين أنفسهم، إما على هذا الإدغام أو على الاعتراف بوجود عدة سوريةت، فواحدة عربية وأخرى غير عربية، كأن تكون كنعانية أو آرامية أو حثية، أو على تمييز السوريين العرب على غيرهم. وهذه التسمية هي كقولك «الجمعية الأرجنتينية الإسبانية» لجمعية مؤلفة من أرجنتينيين فقط. وهذا القول إذا كان لا يستغربه غير المطّلعين في المسائل القومية الحقوقية وغيرها، فالمطّلعون يستغربونه، فمع أنّ كيان الأرجنتين يختلف عن كيان سورية، وأصله الإسباني واضح وقريب العهد، فلا يوجد أرجنتينيون واعون يقبلون أن يسمّوا أنفسهم «الأرجنتينيون الإسبان» فشخصيتهم القومية هي الشخصية الأرجنتينية وهي كافية لتعريفهم. وهم لا يميزون بين الأرجنتيني الإسباني الأصل والأرجنتيني الفرنسي أو الإيطالي الأصل. أما أصول الأمة فهي من المسائل التاريخية فقط. فسواء أكان السوريون من أصل عربي، أو من أصول مشتركة، أو من أصل غير عربي، فلا يصح أن يقال السوريون العرب، أو السوريون الآراميون، أو السوريون الكنعانيون، أو غير ذلك، مع أننا نعلم أنّ هذه الأصول موجودة جميعها في سورية. وقد ظهر تأثير تشويش التسمية في الحال حتى أنّ الجريدة وضعت إمضاء الجمعية هكذا: «الجمعية السورية اللبنانية». وهذه تسمية أخرى تبلبل شخصيتنا الاجتماعية وتجعل أمرنا فوضى تجاه الخارج والنتيجة، أنّ كل بيان نذيعه بهذه الأسماء غير الصحيحة لا يكون له التأثير المطلوب عند الشعوب الحية الراقية.
وكم كان يجدر بالجمعية المذكورة أن لا تذكر مثل هذه التعابير الغامضة «المكرمة من الشعوب العربية» فهذا التعبير لا قيمة له في المسائل الحقوقية ــــ السياسية. وإذا كان المقصود منه أنّ جميع الأمم العربية تشترك في الدفاع عن فلسطين فهو وهمٌ يجب نزعه من النفوس. فمصر لم تحتجّ على ما يجري في فلسطين وأرسلت ممثلاً لحضور تدشين «الجامعة العبرية». والعراق قبلت مشروع الوطن القومي اليهودي كما قبلت إلحاق الإسكندرونة بتركية. ولو أنّ الجمعية السورية في سان رفايل استشارت عالِماً اجتماعياً ــــ سياسياً أو حقوقياً سورية خبيراً في هذه المسائل لكان عملها جاء أكمل وأجدى.
ونلفت نظر أعضاء الجمعية إلى التضارب بين استعمال «أبناء الأمة السورية» واستعمال «السوريين العرب»، أو «العرب السوريين». وهذا التضارب لا يتفق مع أصول الحقوق والشخصية القومية التي هي واحدة ولا يمكن أن تكون متعددة.
أما الاستعمال «إسبانو أميركا» فهو غير قومي ويمكن أن يقابله «الشرق العربي»، أو «آسيا العربية»، تمييزاً لها جغرافياً أو لغوياً عن غيرها.
إننا أثبتنا هذه الملاحظة لما توسمناه وعرفناه عن غيرة أعضاء الجمعية السورية في سان رفايل على نهضة أمتهم وازدهار وطنهم وعن محبتهم الحقيقة التي لم نقصد إلا تبيانها من أجل خلاصنا القومي.

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.