الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 57، 1/12/1942
تثير أكثر الصحف السورية، التي تصدر في عاصمة هذه الجمهورية الكريمة، ضجة كبيرة في مجموعنا ظاهرها الغيرة على «مشاريع الجالية» وباطنها حزازات شخصية ومآرب فردية، يريد أصحابها تسخير عقول المواطنين للانصراف إليها غير عابئين بالواجبات الصحافية ولا راحمين القرّاء الذين يريدون شيئاً يفيد مجموعهم وأمتهم.
يوجد في هذه النزالة جمعيات ومؤسسات كثيرة قديمة وحديثة لا تنجو من مؤاخذة النقد الدراسي والتوجيهي النزيه الذي أعطت الزوبعة بعض الأمثلة منه. وكان زعيم النهضة القومية الاجتماعية أول من وقف بصراحة وأشار إلى مواطن الضعف في بعض المؤسسات الاجتماعية والمالية بقصد الإصلاح وخدمة المجموع، وليس بقصد التهجم على أحد من الناس، ولا بقصد التشفي الشخصي. كان ذلك حين ألقى الزعيم محاضرته الثانية في هذه البلاد الحافظة الذمام والأولى في بيونس آيرس، في نادي «شرف ووطن» ديسمبر/كانون الأول 1939 بدعوة من رئيس النادي المذكور. فقد أبدى الزعيم تعجبه من خلو جدران ذلك النادي من صور فنية لفنانين سوريين، ومن صور بعض مناظر سورية الجميلة، لتذكّر المغتربين بوطنهم. وفي سياق المحاضرة، التي كان موضوعها «تأثير السوريين في أميركا»، انتقد الزعيم المؤسسات السورية المالية كالمصارف وغيرها وقال إنها مشاريع شخصية، وإن كانت تحمل إسم المجموع السوري، وإنّ المنفعة المقصودة منها هي منفعة فردية تجارية لا منفعة عمومية. وكان رئيس نادي «شرف ووطن» حاضراً وهو نفسه رئيس «المصرف السوري اللبناني في نهر الفضة». فعل الزعيم ذلك من غير أي داعي عداوة. وفعله جهاراً وصراحة وفي وقته. وقد نشرت بعض تفاصيل ذلك الانتقاد في سورية الجديدة في البرازيل التي كانت توزع بكثرة في هذه الجمهورية ووصل الانتقاد إلى الصحف السورية في بيونس آيرس فلم تعلق عليه لا بكثير ولا بقليل. أما الآن فإن نزاعاً شديداً، عنيفاً قائماً بين بعض الصحافيين من جهة، والسيد موسى يوسف عزيزه صاحب المشاريع الفردية الكثيرة في الجالية والجريدة السورية اللبنانية من جهة أخرى. وكل فريق يرمي الآخر بالمعائب والقبائح.
ابتدأت الحملة الصحافية على السيد عزيزه وبعض مشاريعه، بنشر السيدة أستيلا شكر، ناموسة جمعية «المستشفى السوري اللبناني»، تنبيهاً عاماً تعلن فيه أنه لا علاقة بين عمل «المستشفى السوري اللبناني» ومشاريع السيد عزيزه الخيرية. وليس خافياً على أحد المزاحمة بين هذين الفريقين في شؤون النزالة السورية. وهنالك إشاعات تدور حول تصرّف السيدة شكر في شؤون المستشفى المشار إليه تصفها بهذا التعريف «عزيزه عدد 2». ثم كان أنّ صحيفة جديدة بذيئة سفيهة أخذت تتناول السيد عزيزه بالمطاعن العدائية، الأمر الذي أدى إلى إقامة هذا الأخير الدعوى على صاحبي الجريدة السفيهة المذكورة، التي لأحد صاحبيها سوابق وسخة جداً في حياته يأباها كل من لم ينزل إلى آخر درك من الخساسة ولؤم الطبع.
تأوّل الناس كثيراً حول هذه المنازعة والباعث عليها الآن. وكانت الأكثرية في جانب الرأي أنّ الصحيفة القذرة المشار إليها عملت مدفوعة من جهة إدارة «المستشفى السوري اللبناني» وغيرها من الشخصيات. وكان كل الظن أنّ المسألة سوف لا تتعدى هذا المجال وتنحصر ناحيتها الصحافية بين الجريدة الجديدة السفيهة والجريدة السورية اللبنانية. ولكن حدثت في هذه الأثناء أمور أخرى أدت إلى توسيع دائرة المهاترات والمثالب الشخصية. فاندفع لهيبها إلى صحف أخرى مثل العلم العربي وغيرها. وآخر صحيفة رمت بنفسها في هذا اللهيب كانت جريدة الاستقلال لصاحبها السيد أمين أرسلان. وقد تعجب الناس كثيراً لانقلاب هذه الصحيفة على السيد عزيزه بعد أن قبض السيد أرسلان نحو عشرين ألف فاس أرجنتيني بواسطة السيد عزيزه، على سبيل «التكريم». ففي أيام «التكريم» المذكور كان السيد عزيزه، عند السيد أرسلان «رجل الجالية الفذ» وكان السيد أرسلان عند السيد عزيزه «أميرنا». فماذا قضى بهذا التغيير الكلي؟
أهي المصالح القومية الرئيسية؟ أم الغضبة لكرامة النزالة المهانة؟ أم ماذا؟
السيد أرسلان يريد أن يوهم الناس أنّ انقلابه على السيد عزيزه، هو لأنه اكتشف بواسطة جريدة السفاهة الناهشة الأعراض أنّ «جمعية حماية المهاجرين» التي يرأسها السيد عزيزه قد حرّفت لمصلحتها بلاغاً صادراً من وزارة الزراعة في صدد المهاجرة السورية إلى الأرجنتين. وتقول جريدة السيد أرسلان إنها الآن فقط شعرت بواجب الحملة على الجمعية المذكورة، مع أنّ تلك الجريدة تعترف في مقالتها المنشورة في عدد 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنه كانت ترد إدارتها احتجاجات كثيرة على إهمال «جمعية حماية المهاجرين» واجباتها تجاه المحتاجين إلى مساعدتها. فما هو السبب الداعي لهذه الغيرة الفجائية من قِبل مدير جريدة الاستقلال على مصالح المهاجرين والحملة على «جمعية الحماة»؟
السبب شخصي بحت. وهو يفضح زيف هذه الغيرة الكاذبة وإليكه:
اكتسب السيد أمين أرسلان مناصرة مادية كبيرة لقاء خيانته، في أثناء الحرب الماضية، الدولة التي كان يحمل وظيفة قنصل لها في الأرجنتين ويقبض منها معاش الوظيفة ويحصل على امتيازاتها. ومن وسائل هذه المناصرة المادية قبول بعض الصحف الموالية لبريطانية وفرنسة مقالات بقلمه تدفع له تعويضاً لا بأس به عليها. وقد أخذت جريدة المندو الأرجنتينية تعطف للأسباب عينها، على السيد أرسلان وتدفع له أجرة مقالات يكتبها لها حتى مدة قريبة جداً، إذ أرسلت الجريدة المذكورة تبلّغ السيد أرسلان أنه لم تبقَ لها حاجة لمقالاته. شاع على الأثر أنّ السيد أرسلان يعزو هذه الضربة إلى السيد عزيزه ويتّهمه بأنه هو المسبّب لقطع جريدة المندو صلاتها به. والظاهر أنّ السيد أرسلان اعتقد أو استنتج أو بلغه أنّ السيد عزيزه سعى لترجمة مقالات جريدة الاستقلال المحبذة لملحور واطلاع من يعنيهم الأمر على فحواها المعاكس لسياسة جريدة المندو فأدى ذلك إلى قطع مرتب جريدة المندو عنه.
هذه النكبة التي حلّت بالسيد أمين أرسلان هي التي يجب أن ترقص النزالة السورية على أنغامها المحزنة الصادرة عن جريدة الاستقلال التي قامت تدّعي أنّ الوحي قد هبط عليها بواسطة جريدة القذارة لتدرك معائب «جمعية حماية المهاجرية». هذه هي الغيرة على سمعة الجالية وعلى شرف القومية! والجريدة السفيهة التي قامت تنهش الأعراض الكريمة، لأن الذين أصدروها لا عرض لهم على ما يظهر، اكتسبت عند السيد أمين أرسلان منزلة «الجريدة الراقية». وعسى أن تتغير الأيام التي جمعت بين السيد أرسلان وصاحبي الجريدة السفيهة فيذوق من «رقيّهما» ومن «جرأتهما في الدفاع عن حقوق الجالية ومركزها» ما يكون لائقاً به، خصوصاً وهو يرحب باللغة الوسخة التي ينشر ذانك الصحافيان قبائحهما بها ترحيب المشتاق إلى القبائح والسفاهات.
هذه هي الضجة الأخيرة العظيمة في الصحف السورية في بيونس آيرس وهذه بعض أسبابها الحقيرة التي يريد أصحابها أن يقلقوا راحة النزالة السورية بسببها.
وهذه هي حقيقة الصحافة السورية اللاقومية والمؤسسة السورية الخيرية وغيرها في الأرجنتين. وبمثل هذه الفضائح المعيبة يريد أصحابها أن «يرفعوا شأن مجموعنا في نظر الأرجنتين والنزالات الأجنبية فيها».
إنّ شرف النزالة السورية ينقذ بترك هذه الغايات والأعمال والقبائح والسفاهات، وبالإقلاع عن نهش الأعراض والمطاعن الشخصية، وعن اعتبار ذلك «رقياً وأدباً ودفاعاً عن الحق». ويا ويل شعب تلك صحافته وأولئك هم رجال ونساء مشاريعه العمومية.