الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 95، 1/1/1943
السياسة:
موقف إسبانية ــــ في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلن عزم وزير خارجية إسبانية، الجنرال فرنسيسكو قومس خردانه، على زيارة إلى البرتغال، رداً لزيارة رئيس حكومة البرتغال التي قام بها إلى إسبانية في فبراير/شباط الماضي. وفي السابع عشر من الشهر المذكور ردت الأنباء بسفره إلى البرتغال. وفي الحادي والعشرين نشرت في مدريد مذكرة رسمية تشير إلى الخطابين اللذين ألقاهما رئيس حكومة البرتغال، السيد أوليباره سالزار، ووزير خارجية إسبانية الجنرال خردانه، في اليوم السابق. وتقول المذكرة إنّ هذين الخطابين هما فاصلان «فإنه يوجد كتلة إيبريّة ثابتة ومصممة على البقاء خارج القتال الهائل الذي يجتاح العالم بأسره».
أدت المحادثات بين وزير خارجية إسبانية ورئيس وزارة البرتغال إلى تأويلين بارزين فالجبهة الأنكلو ــــ سكسكونية وجدت فيها وفي التصريحات الناتجة عنها إنحيازاً واضحاً إلى الحياد، أي الابتعاد عن مجاراة سياسة المحور. أما جبهة المحور فرأت فيها حادثاً هاماً يدل على عزم إسبانية والبرتغال الأكيد على تكميل «الاتحاد الأوروبي» الذي تقوده ألمانية وصدّ كل محاولة من خارج أوروبا.
فرنسة ــــ تجتاز فرنسة طور انحلال واسع، فقد كشف احتلال الأميركانيين والإنكليز شمال إفريقيا عن مخباءات النفسية الفرنسية بعد سقوط فرنسة، فإذا هي هي قبل سقوطها ــــ لا روحية جديدة ولا شعور جديد، المآرب الفردية تلعب دورا على مسرح السياسة، والثقة معدومة. ولم يظهر رجل يقدر أن يخطط لفرنسة اتجاهاً جديداً، وتعقد عليه الآمال، وتلتف حوله القلوب.
لم يكد درلان، المختار خليفة لبتان، يقفز من فرنسة إلى مستعمراتها في إفريقيا الشمالية ومن جانب المحور الألماني ــــ الإيطالي إلى جانب المحور الإنكليزي ــــ الأميركاني حتى ظهرت المنافسات بينه وبين ديغول وقام حزب ديغول بحملة شديدة عليه. وحاول درلان أن يكون سياسياً وأن يقوم بلعبة عميقة. فألّف مجلس الامبراطورية الفرنسية وصار رئيسه.
ثم أدلى في ديسمبر/كانون الأول الماضي بتصريحات ظاهرها الرغبة الخالصة في توحيد قيادة الفرنسيين المحاربين مع الجبهة الأنكلوسكسونية وباطنها الدعوة لنفسه بعد تثبيت «مجلس الامبراطورية» وجمع عدد من الشخصيات الفرنسية البارزة حوله.
لم يطل أمر درلان. في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي قتل في الجزائر وهو داخل إلى مكتب عمله. وقد أذيع أنّ الذي قتله شاب في مطلع العقد الثالث من عمره. وأحيل القاتل على المحكمة العسكرية فحكمت عليه بالإعدام رمياً بالرصاص. وقالت الأنباء عن هذه المحاكمة إنّ الشاب دخل المحكمة وهو شبه موقن أنه لم يتمكن من الإجهاز على درلان. فلما أعلنت له المحكمة أنه قاتل لأن درلان مات، أظهر الارتياح وقال «يمكنكم أن تقتلوني الآن» فقتل. ولكن لم ينشر شيء واضح عن شخص القاتل ولا عن أسباب الجريمة. وقد حاولت أخبار الجهة الأنكلو ــــ سكسونية أن تلقي ظلاً من الشبهة بالتلميح أنّ أمّ القاتل إيطالية الجنس. أما أخبار جبهة المحور فتحاول إلقاء التبع على الأنكلوسكسونيين وخصوصاً على بريطانية التي تعزو إليها الأخبار المذكورة الرغبة في إزالة درلان، الذي حاز تأييد الولايات المتحدة، من أمام سياستها المعتمدة على ديغول.
بعد قتل درلان اجتمع «مجلس الامبراطورية الفرنسية» وانتخب الجنرال جيرو خلفاً له. وهو القائد الفرنسي الذي كان أسيراً وفّر من الأسر في ألمانية ودخل منطقة فيشي غير المحتلة، ثم هرب من فرنسة إلى إفريقيا بالاتفاق السري مع المفوضين الأميركانيين الذي أرسلوا غواصة أقلّته من طولون إلى الجزائر، فبلغها عند وصول القوات الأميركانية وانضم هناك إلى درلان وصار مرجع التنظيم الفرنسي لقوات المستعمرات الفرنسية.
وللآن تجري مساع للتوفيق بين جيرو وديغول ولهذا السبب يشخص ديغول إلى الولايات المتحدة الأميركانية لمقابلة روزفلت والتفاهم معه.
أمّا حالة فرنسة عموماً فقد ضعفت كثيراً سياسياً، بعد حصول ما حصل في إفريقيا وبعد إغراق جميع مراكبها الحربية، إلا القليل منها في ميناء طولون، حين احتلت هذا الميناء القوات المحورية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والمراكب التي أغرقت هي معظم الأسطول الفرنسي الذي بقي في يد فيشي وفيها أقوى المدرعات والطرادات الفرنسية.
الحرب:
روسية ــــ لم يحدث أي تطور حربي فاصل في الأشهر الأخيرة. وبعد إنزال قوات أميركانية وإنكليزية في إفريقيا الشمالية لم تحدث أعمال حربية هامة. فالألمان لم يروا متابعة الضغط على ستالنغراد لإكمال الاستيلاء عليا، كما كنا قدّرنا. والظاهر أنّ الألمان أرادوا توفير المال والذخيرة والاتجاه بسرعة لمعالجة المسألة الفرنسية ومجابهة القوات الأنكلو ــــ سكسونية. فسحبوا جزءاً من قواتهم في الجبهة الروسية. وحالما شعر الروس بكف الألمان عن الهجوم وارتفاع الضغط عنهم، ابتدأوا بهجوم مقاوم على جانبي ستالنغراد، ثم في الوسط أمام موسكو، ثم في الجنوب في ناحية القوقاس. فتراجع الألمان عن بعض المواقع. ومع كل السرعة التي أجرى الروس هجومهم بها فإن المواقع الهامّة التي استعادوها قليلة والمواقع الرئيسية التي تحفظ الموقف لا تزال في يد الألمان وحلفائهم.
إفريقيا ــــ بعد خرق الجيش الثامن البريطاني خطوط المحور من جبهة العلمين منذ نحو شهرين، أخذ المارشال رومل في التراجع والانسحاب وكل همّه إنقاذ الفرق المدرعة من التعرض للهلاك في معركة غير متكافئة القوى. واستمر في انسحابه تاركاً وراءه بعض القوات الإيطالية التي أحاق بها الأعداء وحقولاً مزروعة بالقنابل والمتفجرات. وتخطى حدود القيروان ودخل منطقة طرابلس الغرب والجيش البريطاني الثامن في أثره. وفي الأيام الأخيرة أخذت تظهر بعض الدلائل على احتمال توقف الانسحاب الألماني والثبات في وجه القوات البريطانية.
أما في الناحية الشمالية الأخرى حيث نزلت القوات الأميركانية والجيش البريطاني الأول فبعد الاحتلال الذي كان شبه سلمي تقدم الجيش البريطاني الأول نحو تونس وتخطى الحدود بين الجزائر وهذه المنطقة. ولمّا قارب المنطقة الجبلية أمام بيزرته وتونس، وجد مقاومة من القوات الألمانية والإيطالية التي كانت احتلت مواقع حصينة. ومنذ ذلك الحين، اقتصرت الأعمال الحربية في تونس على بعض مناوشات ومعارك صغيرة، كانت اليد العليا فيها للألمان وعلى الحملات الجوية على الحصون وخطوط المواصلات.
في الهادىء ــــ الحرب في جزيرة غوادلكنال لا تزال سجالاً وفي جزيرة غينيا الجديدة يشتد الحصار على منطقة بونه التي بيد اليابانيين، فإذا استولى الأستراليون والأميركان عليها ترتّب عليهم القيام بحملة جديدة على جبهة سلموا ولاي في الجزيرة عينها.
وفي المعارك البحرية التي حدثت في جزائر سليمان، ادّعى كل فريق أنه أنزل بعدوّه خسائر كبيرة وأنّ خسائره كانت قليلة.
سورية ــــ وردت أنباء في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي أنّ طيارات محورية رجمت طرابلس ومرفأ بيروت. ثم ورد خبر بعد ذلك بأيام بعودة الطيارات المذكورة إلى رجم المدينتين المذكورتين. ولم نقرأ بلاغاً في هذا الصدد صادراً عن الحكومة اللبنانية أو عن السلطة الديغولية يبيّن عدد الضحايا والأضرار. ولعلَّ السبب عدم موافقة نشر غير الأخبار السارة عن «انفراج أزمة المعاش» وورود كميات كبيرة من الدقيق. ولكننا نعلم أنّ أزمة العيش لم تنفرج وأنّ حالة الوطن تدمي القلوب وتفتت الأكباد.
في الجو ــــ بعد احتلال إفريقيا الشمالية أخذت القوات الأنكلو ــــ سكسونية الجوية تغير على المدن الإيطالية لإنزال الأضرار بها وللفتّ في عضد الطليان. فحصلت أضرار كبيرة في بعض هذه المدن.
والألمان والبريطانيون يتبادلون الغارات على إنكلترا وعلى فرنسة وغرب ألمانية.
وفي المحيط الهادىء تغير طيارات الأمم المتحدة على المراكز اليابانية القريبة من أستراليا. وتغير طيارات اليابان على كلكتا في الهند.
في الهند ــــ قامت القوات البريطانية في الشهر الماضي بهجوم جزئي على حدود بورما. فتقدمت قليلاً على الساحل ثم توقفت لا أخبار عن أعمال حربية واسعة في تلك الجبهة.
خطب أول السنة:
في مطلع هذه السنة وجّه الملوك ورؤساء الدول المتحاربة خطباً ورسائل إلى الجيوش وإلى شعوبهم وجميعها تؤكد الانتصار الأخير النهائي وتعد بعهد جديد.
كل ذلك دليل على عزم المتحاربين على متابعة الحرب حتى النهاية والجانبان يريان في الأفق إمكانيات عملية تبعث الأمل بالنصر في نفوسهم. ولكن يصعب كثيراً التسليم بحتمية انتصار أحد الفريقين انتصاراً ساحقاً على عدوّه في القريب العاجل.
نعتقد أنّ النقطة الفاصلة في أوروبا ستكون في روسية، ولكن حصول ساحة حربية كبيرة في إفريقيا، قد يؤخر انتصار الألمان النهائي في بلاد الشيوعية. فالذي نقدّره أنّ ألمانية ستهتم بإنزال ضربة قوية بأعدائها في إفريقيا في الربيع الشمالي القادم قبل أن تعود إلى توجيه جميع قواها لسحق القوات الروسية. فهل يتمكن المحور الإنكليزي ــــ الأميركاني من الثبات في إفريقيا أو من الاستيلاء على ما تبقى منها في يد المحور الألماني ــــ الإيطالي وتخييب خطة ألمانية؟