الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 64، 1/8/1943
تدخل الزوبعة عامها الرابع، الذي تبتدئه بهذا العدد، مجتازة ثلاث مراحل توفرت فيها المعارك الفكرية، ومتغلّبة على صعوبات جمة ناشئة من عقلية الجيل السوري الحاضر وحالة النزالة السورية في الأرجنتين الاجتماعية والروحية والنفسية الخاصة بالسوريين المغتربين والعادات التي اكتسبوها.
إذا استعرضنا أعداد الزوبعة، منذ بدء صدورها إلى اليوم، وجدنا أنّ العراك الفكري الداخلي بين عقيدة الحركة السورية القومية الاجتماعية وغايتها ومراميها من جهة، وعقائد الرجعة والتأخر وفوضى التفكك والشقاق والاستهزاء وعدم الاكتراث من جهة أخرى، كان عنيفاً بقدر ما كان رائعاً.
وإذا تقصّينا الحالة النفسية في الأوساط التي انتشرت فيها هذه الجريدة أدركنا أنه قد حصل فيها تغيُّر أساسي، جوهري في تهيؤها الروحي ونظرتها إلى الحياة وشؤونها وفي مناقبها وأخلاقها وطرق تفكيرها.
إنّ العمل الإذاعي ــــ الثقافي السوري القومي الاجتماعي في المغترب بالصحف التي أنشأها وبالمطبوعات التي نشرها، وبصورة خا صة، بالزوبعة التي وجدت في معظم أوقات سيرها تحت توجيهات الزعيم نفسه في المسائل التوجيهية الأساسية، قد نجح نجاحاً كبيراً وغيّر حالة نفسية كانت من أدعى الحالات إلى أسف مفكري النهضة السورية القومية الاجتماعية ودعاة الوعي القومي. فأصبح ممكناً التأكيد أنّ فهماً جديداً وإدراكاً جديداً لقضايانا القومية ومشاكلها المختلفة ولأحوالنا الاجتماعية والسياسية قد حلّا محل الدعاوات الرجعية والتعصبات العمياء، الجاهلة والانقياد لتأثير الشعوذات الغريبة.
مقاييس جديدة حلّت محلّ المقاييس القديمة غير الصالحة لعهد جديد. كل شيء صار ذا قيمة جديدة غير التي كانت له: الحرية، الحق، الوطنية، الحب، الشعر، الدين، البطولة، الرجولة، الخير العام، السياسة، الاجتماع، المناقب، الأخلاق، الشرف، الغنى، الفقر، العز، الذل، القومية، الجنسية، الخ.
من مزايا هذا المقاييس الجديدة أنها مضبوطة ذات قاعدة واحدة ودرجات متناسبة، وأنها تحافظ على قاعدتها وشكلها في كل مكان وجدت فيه أو وصلت إليه إنها ذات طبيعة واحدة في كل بيئة. فلن تجدها في المغترب غير ما هي في الوطن، ولا في الأرجنتين غير ما هي في البرازيل، ولا في المكسيك غير ما هي في أميركانية. وبهذه المقاييس العامة المضبوطة بضابط رسمي وجدت في سورية وفي أوساط المهاجرين هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة التي تسمى: الرأي العام والإرادة العامة. رأي عام واحد لجميع السوريين القوميين الاجتماعيين من جميع ملل سورية وطوائفها وإرادة عامة واحدة. لا جدال ولا مماحكة ولا سفسطات ولا تردد عند الذين هضمتهم العقيدة الجديدة. وعملية الصهر دائبة دائمة حتى تضمحل المتباينات جميعها ولا يبقى إلا التنوع المتجانس الذي يشكل وحدة أعضاء ومؤسسات وفروع ومواهب ومزايا تعمل بمقاييس واحدة وتجري بأساليب متنوعة إى غرض عام واحد هو: القضية السورية القومية الاجتماعية المقدسة.
هذا العمل ليس شيئاً قليلاً ولا هيناً. إنه عمل عظيم على غاية الخطورة. إنه عمل تغيير نفسية أمة بأسرها وإنشاء تاريخ جديد. إنه عمل إيجاد أمة جديدة من شعب قديم!
وليس قليلاً ولا هيناً هذا القسم منه الذي تقوم به الحركة السورية القومية الاجتماعية في أوساط السوريين عبر الحدود. والسوريون عبر الحدود هم أجزاء من قوى الأمة السورية، كما عرّفهم الزعيم وكما يدل عليه قدوم الزعيم إليهم بنفسه ليدعوهم إلى العقيدة القومية الاجتماعية وليعطيهم نصيباً في حركة البعث القومي.
إنّ ما بذل من المجهود في تذليل الصعوبات الكثيرة التي واجهتها حركتنا في المغترب، تبرره النتائج المحسوسة الحاصلة، التي وصفناها آنفاً. والزوبعة تفتخر بجهادها الكبير في الأعوام الثلاثة التي مرت وبتغلبها على جميع الصعوبات والمقاومات المقصودة التي وجّهتها عناصر الرجعة ضد المبادىء والمقاييس التي تذيعها هذه الجريدة.
ويسرّ إدارة الزوبعة أن ترى إدراك أهمية عملها يمتد في أوساط الحركة حتى أنّ كثيرين أصبحوا يهتمون لتقدمها ويفكرون به جدياً وعمليّاً. وإذا كان قد تأخر تنفيذ المجهود في بعض هذه الأوساط فلغلط نظامي أو إداري فقط وليس لأي سبب روحي أو اعتقادي، وهذا التضامن الروحي هو في أساس البناء الجديد الذي نشيده.
إنّ كلمة الزوبعة في مطلع هذا العام هي كلمة الأمر العامة في النهضة القومية الاجتماعية: الإيمان والعمل.
بالإيمان والعمل نقوم، وبالإيمان والعمل ننتصر.