الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 65، 1/9/1943
الحزب السوري القومي يقف في هذه الحرب موقفاً مجيداً. حكومة الولايات المتحدة تحترم عقيدة الحزب وترخّص له بالعمل.
وقف الحزب السوري القومي الاجتماعي في هذه الحرب موقفاً متيناً جداً. فلم يجرفه تيار من تيارات الدعاوات الأجنبية المتباينة، ولا قلقلت سياسته أخبار الانتصارات الحربية الكبيرة من أي من الجانبين المتحاربين ولا هالته تهويلات الرجعيين والخونة والمنافقين وسعاياتهم، ولا مال لحظة واحدة عن القضية القومية الاجتماعية المقدسة. بل ثبتت قيادته العليا ثبات الطود الراسخ في وجه الزعزع. وقد حازت سياسة هذه الحركة العظيمة ونظامها البديع الاحترام والتقدير عند الأمم الحية وعند كبار مفكريها.
سقنا إلى القرّاء في العدد الثالث والستين من الزوبعة أخبار إجازة حكومة الولايات المتحدة الأميركانية رسمياً عمل الحزب السوري القومي الاجتماعي في بلادها، واكتفينا، في العدد المذكور، بإثبات هذا الخبر الهامّ وما صاحبه عن نشاط الحركة السورية القومية في أميركانية، وابتداء تأليف فروع جديدة في كل مدينة وولاية أميركانية وُجد فيها سوريون اعتنقوا عقيدتنا وانحازوا إلى حركتنا. ولكننا رأينا أن نعلّق على هذا الحادث الخطير الشأن من الوجهة السياسية لنوضح قيمة النتائج الكبيرة المترتبة عليه.
الحادث المذكور يعني انتصاراً كبيراً لسياسة الزعامة السورية القومية الاجتماعية ولقضية الحزب السوري القومي الاجتماعي ونظامه. وبهذا الانتصار الخطير قد صفع الحزب القومي الاجتماعي المنافقين والمأجورين والرجعيين الذين صرفوا نحو ثماني سنوات يضجون ويصخبون فيها ويحاولون إيهام الناس وخدعهم بأن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو صنيعة إيطالية أو ألمانية، على الرغم مما أثبتته جميع التحقيقات القضائية في الوطن وفي أميركا، التي كذّبت كل تلك الادعاءات الباطلة الحقيرة وأكدت أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي هو حزب ذو نشأة سورية صميمة مستقل في عقيدته ونظامه وسياسته وغير خاضع لأي تأثير أجنبي، لا إنكليزي ولا ألماني ولا ياباني ولا أميركاني، ولا إيطالي، ولا تركي ولا غيره، وغير حافلين بما تثبته وثائق الحزب نفسه من المرامي السياسية السورية الخالصة من كل شائبة أجنبية أو رجعية.
كل مؤسسة رجعية وكل فئة منافقة خشيت انتشار أنوار النهضة السورية القومية الاجتماعية جعلت ديدنها الادعاء الباطل أنّ الحزب صنيعة دولة أجنبية، ألمانية أو إيطالية. من الحكومة اللبنانية صنيعة المفوضية الفرنسية إلى مؤسسات الجزويت الأجنبية. ومن جريدة البشير التي يصدرها الجزويت ليتجاوزوا بواسطتها حدودهم الدينية إلى التدخل في سياسة سورية الداخلية والخارجية وليخدموا المآرب الأجنبية التي ينتسبون إليها، إلى فخري البارودي و«مكتبه» النفاقي. ومن جريدة المساء والرابطة الشرقية في بيروت، إلى الهدى وأبو الهول والمرسل والسمير والسائح وغيرها في أميركا. ناهيك بطائفة من الصحف المأجورة والكتّاب المأجورين علناً تكاد تفوق الحصر.
كل ذلك الضجيج الباطل لم يتمكن من أن يثني القيادة القومية الاجتماعية دقيقة واحد عن خطتها السائرة بقضية الأمة السورية، بحكمة، إلى النصر الأخير. فبينما كان أهل النفاق والمنافع الشخصية يضجون ويهولون، كان الحزب السوري القومي يعمل بانتظام ومثابرة وبإيمان وحزم ليرفع قضية سورية التي يعبّر عنها إلى المرتبة الإنترناسيونية اللائقة وليشق الطريق لبلوغ الأمة السورية أهدافها الكبرى.
وقد انخذلت جميع المحاولات الظاهرة والمستترة للحؤول دون حصول الفهم الصحيح في أميركا الشمالية والجنوبية للقضية السورية القومية الاجتماعية التي يقوم بها الحزب السوري القومي الاجتماعي. وإجازة حكومة الولايات المتحدة رسمياً عمل الحزب في بلادها وتسجيله في دوائرها هو بمثابة شهادة منها أنه لا غبار على مبادىء الحزب وغايته ونظامه من كل ما ادّعاه ضده أعداء الأمة السورية وأعداء أنفسهم الذين تمسكوا بكل حجة باطلة للطعن في كمال نزاهة الحركة السورية القومية الاجتماعية وتشويه سمعة زعيمها ورجالها.
لا ننسى إشاعات جريدة البشير في الوطن ولا الأخبار الملفقة التي أذاعتها بعض الشركات المأجورة لمصلحة بعض الدول ونقلتها في المهجر جرائد كأبو الهول والأحرار في البرازيل والهدى في الولايات المتحدة والمرسل والاتحاد اللبناني وغيرهما في الأرجنتين، أنّ زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي موجود في برلين وقائم على الإذاعة بالعربية في محطة راديو برلين، مع أنّ الأب رئيس تحرير المرسل وواحد آخر من الرسالة المارونية كانا قد اجتمعا اتفاقاً، قبل ورود الخبر المذكور بمدة، بالزعيم في مأتم مواطنة لها صلة نسب بمرافق الزعيم أسد الأشقر وتبادل معهما الحديث عن الحركة السورية القومية الاجتماعية وأهدافها. فلم يدفع واجب إعلان الحق صاحب تحرير المرسل إلى تكذيب الخبر والشهادة بأن الزعيم موجود في الأرجنتين من قبل نشوب الحرب لا في برلين، بل نشره وكأنه رواية حقيقية.
أما جريدة الضلال التي تسمى الهدى فلم تترك باباً للاعتساف وتزييف الحقائق مغلقاً، فقد تذرعت تلك الجريدة بمركزها بصفتها تابعة للإذاعة الفرنسية والديموقراطية لتختلق على الحزب السوري القومي الاجتماعي كل كذب ولتشويه الحقائق التي تشهد بسمو مطالب القوميين الاجتماعيين وبنبالة مواقفهم وشرف عملهم.
من ذلك ما ادّعته في صدد إطلاق سراح الموقوفين من رجال إدارة الحزب السوري القومي الاجتماعي المحكومين من المحكمة العسكرية الفرنسية بأحكام مختلفة الذي وصلت أخباره بعد احتلال البريطانيين والديغوليين شمال سورية. فقد حسّت الأوساط السورية القومية الاجتماعية في المغترب في بادىء الأمر أنّ الإفراج عن مسجوني الحزب جرى من قِبَل السلطة البريطانية والديغولية. ولكن الأخبار التي وردت فيما بعد أثبتت أنّ الإفراج جرى من قِبَل القوات الفرنسية التابعة لحكومة فيشي قبل تسليمها للبريطانيين، فما إن وصلت هذه الأخبار إلى الهدى حتى قامت تستنتج منها أنّ هذا الإفراج يثبت علاقة الحزب بالأهداف الألمانية والإيطالية. وتابع الهدى في بيونس آيرس كاتب مأجور وقام يدّعي هذه الادعاءات التي لا تثبت لنقد صحيح.
ولا ننسى مغامز عبد المسيح حداد صاحب جريدة السائح الذي تكلم في جريدته على عمل الحزب السوري القومي الاجتماعي ووصفه بقوله أنه «دعاية مشتبه بها»1 وآخر ما جاء لأبي ماضي في هذا الباب هو كلام خسيس تهدد فيه الحزب القومي الاجتماعي «بالحساب الدقيق» الذي سيؤدّيه في وقت قريب!
جميع الأدلة والبراهين تثبت عكس ما اختلقته الهدى المذكورة وما قام يتجنى به أنّ المحكمة العسكرية الفرنسية حكمت على الزعيم والأمين فخري معلوف غيابياً وعلى بعض الأركان العاملين المركزيين المقبوض عليهم بحضورهم، أحكاماً ظالمة متراوحة بين عشرين سنة وعشر سنين سجن وعشرين سنة وعشر سنين إقصاء. وحكمت على العاملين الثانويين أقل من ذلك. وكان الحكم في يونيو/حزيران 1940 والتهمة الوحيدة التي صدرت بموجبها الأحكام هي استمرار عمل حزب سياسي غير مرخص به وتهديد كيان لبنان. وقد دافع عن الموقوفين آنئذٍ وأنكر على المحكمة العسكرية الفرنسية صلاحية القضاء في مسائل تتعلق بشؤون غير حربية ومختصة فقط بالمسائل السورية الداخلية. ولكن خوف الجيش الفرنسي مما قد تفعله تشكيلات الحزب جعل المحكمة تحكم بالعقوبات القاسية المذكورة. ولما سقطت فرنسة في يونيو/حزيران من السن المذكورة وأمضت الهدنة مع ألمانية وإيطالية وكان من جملة شروطها إطلاق سراح جميع الموقوفين بتهم التجسس والعمل لمصلحة هاتين الدولتين، والسماح بعودة جميع المبعدين لهذه الغاية، عاد عمال الإذاعة الألمانية والإيطالية إلى البلاد وأطلق سراح جميع الموقوفين منهم، ولم يفرج عن المحكومين من الحزب السوري القومي الاجتماعي، بل ظلوا في سجونهم بحكم المحكمة المذكورة، ولم يجرِ من قِبَل ألمانية أو مطالبة أو ضغط لإعادة الحرية إليهم، مع أنّ إعادة الحرية إلى جميع عمال ألمانية وإيطالية كان من جملة مطاليب الدولتين التي تنفذت في الحال.
ظل رجال الحزب السوري القومي الاجتماعي مسجونين ومنفيين في قبضة رجال فيشي وقت إشراف لجنة المراقبة الألمانية ــــ الإيطالية طوال المدة التي عقبت الهدنة، وهي سنة كاملة، إلى أن هاجمت القوات البريطانية منطقة الانتداب الفرنسي ورأت قوات فيشي أنه لا بدّ لها من التسليم فحينئذٍ، وحينئذٍ فقط، أطلق الجنرال دنتز معتقلي الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولذلك ظنت أوساط الحزب في أميركا أنّ الإفراج عنهم جرى من قِبَل قوات بريطانية.
إذن لم يكن إطلاق سراح القوميين الاجتماعيين المعتقلين بداعي أنهم يعملون لألمانية وإيطالية، بل بداعي يأس قوات فيشي المتفاهمة مع الألمان والطليان من الاحتفاظ بمراكزها في سورية فأطلقت من قبضتها عدواً لاحتلالها تعلم جيداً أنه سيكون عدواً لاحتلال غيرها، لأنه عدو كل احتلال أجنبي.
ولكن أتوجد في أوساط المنافقين والمأجورين والرجعيين نفوس نبيلة، تفهم موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي الشريف، وتقدره حق قدره، وتكبر جهاد الحزب العظيم الرائع في جميع الظروف العصيبة التي أحاطت بنشأته ونموه وتقدمه، كما تستحق أن تكبر الأعمال العظيمة الخالدة؟ أتدرك تلك النفوس الخاملة مجد بطولة رجال الحزب السوري القومي الاجتماعي الذين أنقذوا شرف سورية من العار الذي جلبه عليها مشعوذو وطنيتها ومزيفو قوميتها؟ كلا، النفوس الميتة لا تبالي بالحياة وقضاياها، ولا يهمّها غير إشباع شهواتها الحقيرة.
لو كانت للحزب السوري القومي الاجتماعي أية إتفاقية مع الحكومة الألمانية أو الإيطالية لما حاول الحزب التنصل منها. فتاريخه يقيم ألف برهان وبرهان على متانة أخلاق رجاله وشجاعتهم ورسوخ عقيدته. والحزب لم يرَ قط أنّ الاتصال بألمانية أو بإيطالية سبة إلا حين يكون في الاتصال مآرب ذاتية وخدمة مصالح دولية أجنبية على حساب مصالح الأمة والوطن، كما يفعل ذلك عدد من تجار الوطنية والقومية، ليس فقط أولئك الذين تستخدمهم الإذاعة الألمانية والإيطالية لأغراضها، بل أولئك الذين تستخدمهم الإذاعة البريطانية والأميركية أيضاً. وقد جاءت في هذه الحرب ظروف خُيِّل فيها لمعظم الناس أنّ النصر النهائي قد أصبح في قبضة ألمانية وإيطالية، وأنّ الأمر قد قُضيَ، ومع ذلك لم ينجرف الحزب السوري القومي الاجتماعي في هذا التيار. ومن الزعيم خرج الصوت الأول الداعي السوريين إلى الحزم وعدم رمي أنفسهم وقضيتهم في أحضان المحور الألماني ــــ الإيطالي في هذه الحرب، كما رموها في أحضان بريطانية وفرنسة في الحرب الماضية.
إنّ موقف الحزب آنئذٍ لم يكن لعداوة له ضد ألمانية أو إيطالية، بل لصيانة حقوق سورية ومصالحها التي لم تضمنها ألمانية وإيطالية، كما لم تضمنها بريطانية وفرنسة، ولأن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا ينخدع بالوعود الخلابة من أية ناحية أتت.
ومع أنّ الحزب القومي الاجتماعي لم يمالىء الإذاعة الأنكلوسكسونية، كما أنه لم يقبل الاندفاع في مجاري الإذاعة الألمانية ــــ الإيطالية، فقد جلبت له متانة موقفه وحسن سياسته ورسوخ عقيدته هذا الانتصار الجديد في الميدان السياسي الذي يصفع جميع مشعوذي الأدب والسياسة ويقطع ألسنتهم الكذابة.
وأهم من كل ذلك، أنّ الانتصار الجديد يفتح للقضية السورية طرقاً وإمكانيات جديدة تدعو إلى التفاؤل الكثير، والفضل في ذلك كله عائد إلى بُعد النظرة السياسية في قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي العليا وإلى قوة نظام الحزب وثقته بنفسه وتفانيه في سبيل فلاح سورية ومجدها.