إيطالية بين الملكية والجمهورية


الزوبعة، بيونس آيرس، العدد 67، 1/10/1943

كان انهيار النظام الإيطالي بعد تسليم حكومة بدوليو للأنكلوسكسون تاماً. وكانت سرعة الألمان في القبض على أعنّة الحالة في إيطالية وتجريد معظم الجيش الإيطالي من سلاحه مدهشة.
بعد إطلاق سراح موسوليني وعوده إلى قيادة الحركة الفاشستية التي حوّلها إلى حركة فاشستية جمهورية، حصلت فترة في شؤون إيطالية الداخلية أوجبها ضرورة درس الموقف وتهيئة التدابير وطرق تنفيذها.
وقد انتهت هذه الفترة باتخاذ موسوليني صفة رئيس حكومة إيطاليةالجمهورية، وإعلان عزمه على دعوة ممثلين لوضع دستور الجمهورية الجديدة.
هذا ما قام به الجانب الفاشستي، هو أهم ما يجب النظر إليه، في الوقت الحاضر، في تطور المسألة الإيطالية، لأن معظم إيطالية لا يزل في قبضة المحور الألماني ــــ الإيطالي. أما جانب الملك والمارشال بدوليو فلم يظهر منه شيء سوى ما ورد مؤخراً من إمكان بدوليو تشكيل وزارة جديدة.
أصبحت إيطالية مقسومة إلى قسمين بين حزبين: حزب الفاشستية الذي أعلن اعتناقه الشكل الجمهوري، وحزب الملكية. والحزب الأول يقف في جانب المعاهدات السابقة ويحارب مع ألمانية. والحزب الثاني ينقض المعاهدات ويحارب مع بريطانية وأميركانية.
لا نقول شيئاً في الناحية الحربية من المسألة الإيطالية. ونقتصر على سياسة إيطالية الداخلية.
إنّ خطوة الملك الخطرة بقبضه على موسوليني، وتسليم الحكم إلى بدوليو، وتقرير مخادعة ألمانية والانقلاب عليها، هي خطوة فاصلة قد تكون نتيجتها زوال الملكية في إيطالية، مهما كانت نتيجة هذه الحرب.
خرجت الملكية الإيطالية بهذه الخطوة عن الأصول اللائقة في الدول المتمدنة ذات النظام المتين. فقد وافقت الملكية على محاربة الحبشة وتحويلها إلى امبراطورية إيطالية، وفرح الملك باللقب الذي أحرزه له موسوليني، أي لقب الامبراطور، وصار يخاطب «بملك إيطالية وامبراطور الحبشة». واعترفت بهذا اللقب بريطانية نفسها، ثم وافقت هذه الملكية إلى دخول الحرب الحاضرة، وكانت مسرورة عندما كان النصر يلوح في الشرق والغرب، حتى إذا تغيّر سير الحرب وظهرت طلائع الجيوش الأنكلوسكسونية في صقلية وقاربت شواطىء شبه الجزيرة الإيطالية نفسها، خاف الملك وخاف جمهور من كبار الفاشستيين، وحدثت تلك الحوادث التي قلّما عرف لها تاريخ الدول مثيلاً من القبض على موسوليني والمخابرة لعقد الهدنة سراً عن ألمانية، وسائر ذيول هذا الانقلاب الغريب.
بعد إفلات موسوليني من قبضة بدوليو والملك، كان لا بدّ من حصول الانشقاق الأخير بإعلان موسوليني الحكم الجمهوري. ومما لا شك فيه أنّ هذا التحوّل عن الملكية ليس مجرد رغبة رجل يقود الحزب الفاشستي في إيطالية، بل إثارة قضية يمكن أن تشغل الشعب الإيطالي مدة هذه الحرب وما بعدها.
كانت مسألة النظر في نظام إيطالية الملكي هادئة إلى أن اتخذ فكتور عمانوئيل الثالث خطوته المشار إليها. وسواء انتصرت الجبهة الأنكلوسكسونية أو الجبهة الألمانية ــــ اليابانية، فإن مسألة الملكية في إيطالية قد وضعت على بساط البحث. وانتهاء الملكية يكون أكيداً إذا فازت ألمانية، أما إذا فازت القوات الأنكلوسكسونية فقد تبقى الملكية مدة ولكن بقاءها لا يكون ثابتاً.
الحقيقة أنّ الضعف الكبير في الموقف وفي المبادىء الذي أظهرته الملكية الإيطالية يبرر انتقاض الفاشستيين عليها ويعطيهم الحجة القاطعة لمحاربتها ولإمالة الشعب الإيطالي عنها.
إنّ موسوليني تهوّر في مطامحه، كما بيّنا في مقالة سابقة، (ص 501 أعلاه) ولكن الملك نقض مبادىء أساسية في الحكم والوحدة الشعبية فزعزع كل ثقة بالملكية في إيطالية وخارجها.

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.