وثيقة من محفوظات الجامعة الأميركانية في بيروت
(قابل مدير الوكالة الفرنسية في بيروت زعيم النهضة السورية القومية الاجتماعية فأدلى إليه بتصريحات هي غاية في الأهمية. ولكن بعضها جاء محرَّفاً أو محوّراً بعامل سوء الفهم، أو غيره، الأمر الذي جعل الزعيم يصحح الأجزاء المغلوطة. وقد وردتنا نسخة مصححة من الحديث المذكور ننشرها في ما يلي:
بيروت 14 آذار/مارس 1947 – حظيت بمقابلة السيد أنطون سعاده زعيم الحزب القومي الاجتماعي الذي استقبلني في محتجبه المبتعد عن عيون تحري دائرة "الأمن العام". فقد خرجت من بيروت في سيارة وبعد عدة مراحل وصلت إلى دار منعزلة وهناك قادني الموكلون إلى حضرة الزعيم وفي الحال شرح لي السيد سعاده موقفه وأجاب على أسئلتي التي كانت في بعض الأحيان فضولية: )
س – قلتم إنه توجد دولة لبنانية، شعب لبناني ولكنه لا توجد أمة لبنانية. فماذا تعنون بذلك؟
ج – إنّ السبب الموجب للدولة اللبنانية الحاضرة هو في المسألة الدينية لا غير، فلا يوجد لهذه الدولة أساس إتني ولا جغرافي ولا اقتصادي يفصلها عن بقية سورية، فالمسألة اللبنانية ظهرت في سنة 1860 وهي مسألة دينية بحتة. والدولة الحاضرة لم تحلّ هذه المسألة، إذ لا يمكن اعتبار إنشاء دولة نصفها مسيحي ونصفها محمدي حلاًّ نهائياًّ وهو ليس نتيجة إرادة موحدة. ولا يمكن فصل لبنان عن سورية الطبيعية الممتدة من طورس إلى السويس، هذه سورية التاريخية والتقليدية.
ثم إنّ الطائفة المارونية هي سورية أصلاً فلغتها وطقوسها سريانية. والدولة اللبنانية هي اليوم في دور تجربة فهي ليست أمرة مكوّنة، كما أنه لم يكن كذلك جبل الدروز والمنطقة العلوية اللذان كان لهما استقلال إداري، ولكنهما دخلا أخيراً في نطاق الدولة السورية. والمستقبل يجب أن يحكم. إنني لبناني ولكني أرى لبنان الحاضر في حالة انتظار في طور مرحلة، فهو لا يمكن أن يكون له وجود حقيقي، وهو قائم بفعل عوامل متسلطة عليه من الخارج ومن الداخل.
س – كيف تظنون أنكم ستحلّون هذه المسألة؟
ج – بتوحيد الروح على أساس جديد يكون عليه لمليون مسيحي ودرزي وخمسة ملايين محمدي وَعْيٌ لوحدة مصيرهم ووحدتهم الاجتماعية والاقتصادية. وإنه لواضح أنه إذا أنشأت دولة الشام ميناء في اللاذقية كانت العواقب الاقتصادية ضربة مميتة للبنان، ولبنان والشام هما وحدة اقتصادية.
س – لماذا لا يكون عملكم بشكل حركة أفكار بدلاً من حزب سياسي؟
ج – إنه من الضروري مقاومة التأثيرات المتوافقة الآتية من جهات متعددة خصوصاً من الخارج بحركة سياسية. ويوجد في الحزب جهتان تختص إحداهما بإذاعة الفكرة.
س – أنتم ترمون، إذن، إلى تغيير الحالة الواقعة المسماة لبنان؟
ج – نحن نرمي إلى إيجاد تبدّل نفسي وإيجاد عقلية جديدة في جميع الدول السورية.
س – في أي شكل تتصورون من الوجهة التأسيسية الأمة السورية المقبلة؟
ج – جمهورية برلمانية ديمقراطية مع ميل إلى اليسار وعلمانية قبل كل شيء.
س – هل توجد علاقة بين مطامحكم ومشروع سورية الكبرى؟
ج – قد حارب الحزب القومي الاجتماعي مشروع عمّان لسبب عقائدي، ونحن لا نريد ملكية لأننا نريد تجنب الاختلاطات التي يجلّها الملك عبدالله الذي يطمح إلى التدخل في الشؤون العربية والعودة إلى مكة.
س – ما رأيكم في سورية الكبرى الجمهورية؟
ج – نحن لا نريد الخروج عن نطاق سورية الطبيعية. وليست فكرتنا سوى متحد لنظريتين متضاربتين في البلاد، أي النظرية اللبنانية والنظرية العربية.
(عند هذا الحد تطرقت إلى مسألة حالة السيد أنطون سعاده الحاضرة وإلى الحاجة التي أوجبت احتجابه بعد نحو أربع وعشرين ساعة من تسع سنوات نفي فأجاب:)
إنّ الحكومة قد خلقت حالة شاذة فهي قد اتّخذت ضدي تدابير وإجراءات غير مبرّرة، لا يوجد في خطابي ما يشبه حملة على الحالة الواقعة ولكن يظهر أنّ بعض الحكومة يريد الظهور بمظهر المدافع عن حالة لم أهاجمها. نحن نريد بلوغ غايتنا بالتطور. وخطابي خلو من كل ما يدل على ثورة أو عنف أو مهاجمة لشكل الحكم القائم. فالتدابير المتخذة ضدنا لم تكن قانونية، وقد قامت إدارة "الأمن العام" باستدعاء عوني السيد نعمة ثابت ليلاً. فدلّ هذا التدبير على عمل استبدادي لا ضمان معه لحرية القول. ولهذا السبب قرر الحزب أنه يجب أن أكون في مكان أمين. وإني أصر في الواقع أني تكلمت في خطابي على الإخاء القومي وإزالة الحواحز بين مختلف الطوائف وإلغاء الحزبيات الدينية ليس فقط في لبنان بل في جميع الدول السورية.
س – ألا تعتقدون أنّ المحمديين يرفضون التنازل عن بعض الوصايا الدينية من أجل توحيد نظريتهم مع المسيحيين؟
ج – إن المحمدية قد وصلت حتى الآن محكوماً فيها بالنظر إلى شكلها الخارجي وإلى التفسير المحدود جداً لروحيتها وهو تفسير جزئي وذو طرف واحد. وإني لواثق من أنّ المحمديين السوريين مؤهلون ليفهموا الوحدة الفلسفية للتعاليم المحمدية فهماً أكمل يمكن من تطوير التشريع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
س – هل أنتم مطلوبون بمذكرة إحضار؟
ج – لم يوضع أي تبليغ من هذا النوع في محل إقامتي. وإني أكرر أني قد أعطيت في خطابي ضمانة أساسية التي هي الرجوع إلى إرادة الشعب. إني أعلن أفكاري ولكن الشعب هو الذي يقرر. وبصفتي لبنانيًّا لي الحق في أن أقول كل ما أفكر فيه من أجل خير لبنان واللبنانيين وبقية الأمة السورية.
س – وعلى أي أمر ستقدمون؟
ج – الانتظار. إنّ المسألة الحاضرة كلها هي مسألة السياسة الداخلية والانتخابية. ليس الموضوع موضوع تبديل الحالة الواقعة للبنان. كل أمر من هذا النوع في المستقبل يتعلق بتطور الأفكار. والشعب هو الذي يقرر المصير.
س – هل يتقدم الحزب القومي بمرشحين للانتخابات؟
ج – يوجد ميل كبير نحو ذلك.
س – أتترشحون أنتم بنفسكم؟
ج – إن ذلك ممكن.
(وانتهت المقابلة. واختفى الزعيم وعدت إلى بيروت (و.ف)).