اتفاقية النقد بين لبنان وفرنسة
المصالح الأجنبية والرأسمال الخصوصي
الجيل الجديد، بيروت، العدد 1، 3 ـ 4/4/1948
(بالنظر إلى موجة الاستياء والجدل والمعارضة التي اثارها توقيع الحكومة اللبنانية للاتفاقية المالية مع فرنسة تمنّع الحكومة الشامية عن ذلك، وإلى قلق الرأي العام على مصير العلاقات الاقتصادية بين لبنان والشام في حال استمرار حكومة لبنان في توقيع الاتفاقية من قبل مجلس النواب، وبالنظر إلى بنود الاتفاقية المتعلقة بمصالح فرنسة في لبنان، توجَّه مندوبنا إلى الإدارة المركزية للحزب القومي الاجتماعي وحصل على موعد مقابلة مع زعيم الحركة القومية الاجتماعية.
وقد وجّه مندوبنا الأسئلة التالية إلى حضرة الزعيم فأجاب حضرته عليها كما هو منشور هنا):
س: هل تعدّون اتفاقية النقد بين لبنان والشام التي وقّعها، بالنيابة عن الحكومة اللبنانية، وزير الخارجية الأستاذ حميد فرنجية، تصفية صحيحة للعلاقات المالية بين لبنان وفرنسة؟
ج: الحقيقة أنّ الأصوب تسمية الاتفاقية المالية المذكورة اتفاقية تجديد علاقات مالية ـ اقتصادية ـ سياسية بفرنسة، لا اتفاقية تصفية. فالاتفاقية المذكورة اشتملت على تثبيت امتيازات اقتصادية لفرنسة. فهي من جهة تثبّت امتيازات الشركات التجارية الفرنسية والشركات التي كل أسهمها أو بعضها فرنسية، خصوصاً الشركات التي اكتسبت أوضاعاً وامتيازات بشكل "حقوق" في عهد الانتداب الفرنسي، وهكذا يستمر حرمان الشعب اللبناني من مصالحه وموارده التي صارت في أيدي الشركات الفرنسية المذكورة. ومن جهة أخرى تكتسب اتفاقية النقد مفعول معاهدة تجارية تربط تبادلنا الخارجي وحركة تصديرنا بمصلحة فرنسة وما تفرضه تلك المصلحة.
إنّ المعاهدة المذكورة تجعل لبنان، اقتصادياً وسياسياً، منطقة نفوذ فرنسي، أي منطقة انتداب اقتصادي ـ سياسي لا ينقصه من امتيازاته وفاعليته القديمة إلا الاحتلال العسكري.
وقد تكون الاتفاقية المالية سوّيت برضى بريطانية المهتمة اليوم بإنشاء جبهة أوروبة الغربية ضد التوسع الروسي. فبريطانية لم تنسَ أنها، عند زحفها على منطقة الانتداب الفرنسي من سورية في الحرب، وعدت فرنسة "باحترام تقدم مصالحها على مصالح غيرها" في هذه المنطقة. وفرنسة لم تتنازل قط عن فكرة العودة إلى هذه البلاد بطريقة من الطرق. إنّ هذه النقطة ضرورية لفهم معنى ارتباط لبنان الجديد بفرنسة بواسطة اتفاقية النقد.
س: ما رأيكم في تأييد الخبراء المصريين اتفاقية النقد؟
ج: إنّ الخبراء المصريين ينظرون إلى الاتفاقية من زاوية مصلحة مصر ومركزها في مؤسسة الجامعة العربية، فلا قيمة تقنية صحيحة لتصاريح الخبراء المذكورين في صدد الاتفاقية.
س: إذا اعتبرت الاتفاقية نافذة بتصديقها في المجلس فما نتيجتها وتأثيرها في العلاقات المالية والاقتصادية مع الشام؟
ج: إنّ ارتباط لبنان نهائياً، بواسطة الاتفاقية المذكورة، بنطاق الفرنك الفرنسي، وعدم ارتباط الشام به سيؤدي حتماً إلى القطيعة المالية وقطع الدورة الاقتصادية الداخلية بين لبنان والشام. وهذه الحالة ستجعل لبنان تحت رحمة المصالح الفرنسية والمعاملات مع فرنسة. وحينئذٍ تصبح مظاهر الاستقلال السياسي وهمية كما كان وهمياً "استقلال لبنان" في زمن الانتداب، الذي لم يكن في الحقيقة سوى انفصال إداري تحت مركزية الإدارة الفرنسية.
س: إذا انقطعت الدورة الاقتصادية بين لبنان والشام فما هو في رأيكم الأساس الاقتصادي الذي يمكن أن تقوم عليه الدولة اللبنانية؟
ج: إنه لمن الصعب جداً إيجاد اساس اقتصادي حقيقي للدولة اللبنانية خارج الدورة الاقتصادية السورية. فإذا حدثت قطيعة اقتصادية بين لبنان والشام كما بين لبنان وفلسطين، فإن الاقتصادات اللبنانية تصاب بضربة عظيمة لا يمكن إحصاء كل نتائجها.
إنّ المولعين بالخيالات وغير المسؤولين عن مصير الشعب اللبناني يتغنون بإيجاد سويسرة ثانية من لبنان، من حيث الاصطياف ومن حيث تثبيت الاستقلال سياسياً على أساس الحياد. إنّ مسألة تحويل المصايف اللبنانية إلى مصايف من طراز سويسرة في أبنيتها وطرقها وجنائنها وساحاتها هي مسألة لا يمكن حلها بمقالة في جريدة أو بقصيدة على منبر. إنّ ما تحتاج إليه تلك العملية يفوق مرات عديدة ما هو في إمكان الشعب اللبناني القيام به مادياً. وما تتطلبه عملية تحويل المصايف من رأسمال ووقت يجعلها عملية غير قابلة التحقيق بإمكانات لبنانية. وعدا ذلك فإن تحويل الأبنية والطرقات والجنائن إلى طراز سويسري لا يكفي لجعل لبنان من طراز سويسرة، إذ تبقى نفسية الشعب اللبناني وعاداته الاجتماعية التي تحتاج إلى أن تصير مثل نفسية الشعب السويسري وعاداته لتتمكن من جذب الأوروبيين والأميركيين إليها.
وقد سمعت من يتكلم عن تحويل لبنان إلى مرفأ حر للتجارة. إنّ تنفيذ مشروع من هذا النوع قد يعطي بعض النتائج للحكومة ولكنه لا يعطي الشعب اللبناني أية نتيجة لتحسين اقتصاداته، إذ يصبح لبنان مستودعاً كبيراً للشركات الأجنبية ومحل استثمار للرأسمال الأجنبي بلا منازع.
س: يقول وزير الخارجية اللبنانية إنّ نص الاتفاقية الذي نشر ليس النص الأخير فما رأيكم؟
ج: إذا لم يكن النص الذي دفع للنشر هو نص الاتفاقية الأخير الذي وُقِّع فأول واجب على الوزير أو الوزارة اللبنانية كلها هو إعطاء النص الذي وُقع للنشر بلا إبطاء. إنّ كتمان الشروط يكون أثناء المفاوضات لا بعدها. أما بعد انتهاء المفاوضات وتوقيع الاتفاقية فلا يجوز أصولاً، ولا يحسن إبقاء نص الاتفاقية مكتوماً عن الشعب الذي تتناول الاتفاقية مصالحه ومستقبله. ومهما يكن من شيء فلست أعتقد أنّ النص الأخير الذي يعنيه حضرة وزير الخارجية يختلف اختلافاً جوهرياً عن النص الذي نشر، بدليل أنّ حضرة رئيس الوزارة أدلى ببيان رسمي في المجلس النيابي عن الاتفاقية بعد تسليمها للنشر ولم يشر إلى أي اختلاف جوهري بين النص الذي نشر والنص الذي يقول وزير الخارجية إنه الأخير الصحيح.
س: ما قولكم في بعض الفئات التي رحبت بالاتفاقية وهاجمت الذين يهاجمونها؟
ج: إنّ لبعض الفئات علاقات سياسية وثقافية واضحة بفرنسة فهي ترى الأمور بمنظار السياسة والمصالح الفرنسية لا بمنظار المصالح اللبنانية الصحيحة. فلو سئل الفرنسيون أنفسهم الدفاع عن الاتفاقية، لما قالوا في هذا الصدد شيئاً أحسن من الذي قاله المثقفون في النظرة والمصالح الفرنسية.
إنّ المصالح الاقتصادية هي اساس كل تقدم ثقافي واجتماعي. والاتفاقية التي نحن في صددها تضر بالمصالح الاقتصادية اللبنانية ضرراً فادحاً، وتقيد حرية المصالح اللبنانية تقييداً خطراً. ولست أرى في بعض الذين حبَّذوا الاتفاقية في لبنان عن حسن نية إلا نظراً إلى الأمور الاقتصادية من ناحية سياسية ضيقة.
ثم إنّ هنالك نظرة الرأسمال الخصوصي في لبنان والشام إلى الأمور الاقتصادية. وقد تكون مصلحة الرأسمال الخصوصي هي التي تؤيد الاتفاقية في لبنان وترفضها في الشام.