العلم، دمشق، العدد 767، 21/6/1949
(إستقبلني الزعيم سعاده في مكان إقامته الجديدة استقبالاً حاراً ومد يده مصافحاً وقائلاً إنك أول صحفي تمكنت من اكتشاف مكان إقامتي، وقد قدمني إليه قائد من قواد الحزب، وكان الزعيم رابط الجأش باش الوجه مؤنس الحديث، ولكن قطوبة ناعمة كانت تعلو جبهته كلما اقترب ضابط من أعوانه مسرّاً إليه ببعض المعلومات وبعد تجاذب أطراف حديث قصير لا أبيح لنفسي إذاعته، طرحت عليه الأسئلة التالية):
يلح الرأي العام في طلب إيضاح نقاط أساسية في المعركة الناشبة اليوم بين الحزب القومي الاجتماعي، والحكومة اللبنانية فقد أعلنت الصحف وغيرها أنّ الحكومة تتّهمكم تهماً ثلاثاً:
1 ـ التآمر لقلب الحكومة.
2 ـ التآمر على سلامة الجيش والتسلح الواسع النطاق.
3 ـ تهمة الاتصال باليهود.
وهنا ابتسم الأستاذ سعاده وأجاب:
"ليست هذه أول مرة، تتهم فيها الحركة القومية الاجتماعية تهماً متنوعة يقصد منها أن تكون سلاحاً في يد المطامع الأجنبية كما في زمن الاحتلال الفرنسي، أو في يد الرجعيين والنفعيين والوطنيين كما هي الحال الآن مع المتحكمين في مصالح الشعب اللبناني وموارده ومصيره. وليس الرجعيون الذين يحكمون البلاد اليوم بالإرهاب وخنق حرية الفكر، وضغط الإرادة العامة بقصد شلّها وإحلال إرادتهم الخصوصية محلها إلا مقتبسين ومقلِّدين للأساليب التي استعملها الاحتلال الأجنبي في محاربة البعث القومي في البلاد السورية كلها محاولاً خنق النهضة السورية القومية الاجتماعية في مهدها.
فقد شكلت التّهم التي وجهت إلى الحزب القومي الاجتماعي أمام المحكمة الفرنسية التي كانت تدعى المختلطة حين اكتشاف أمر الحزب منذ نحو 14 عاماً لائحة طويلة جداً. أهمها تهديد سلامة وحدة البلاد والتآمر لتغيير شكل الحكم والتجنيد والتسليح.
وقد أضاف الاحتلال الأجنبي في المحاكمة التالية أمام المحكمة العسكرية الفرنسية تهمة أخرى كان قد أوعز إلى عماله لإلصاقها بنا. ألا وهي الاتصال بالألمان والطليان، ولكن المحاكمات كلها أثبتت أنّ تلك التهم كانت افتراءاً قبيحاً دنيئاً على الحركة القومية الاجتماعية. واليوم تحاول حكومة لبنان إلصاق نفس التّهم بنا، وفي خزائن الحزب من التقارير ما يثبت أيضاً اتصالات رجالاتها الشائنة مع اليهود وما يشكل مواد تجريمية هائلة.
إنّ الصحف اللبنانية ملأت أعمدة كثيرة بأخبار المهاجمة الحكومية للحزب القومي الاجتماعي، وبما غنمته الحكومة من وثائق ومعلومات صارت موضع التحقيق. وقد صرّح بعض المسؤولين عن الاستقصاء والتحقيق في أوراق الحزب التي وقعت في يد القوى المهاجمة، كما أعلنت بعض الصحف أنه لم يعثر بين الأوراق والوثائق المشار إليها على أية وثيقة تثبت أو تدل دلالة صريحة على تهيئة انقلاب ما، أو على خطة انقلابية.
فالتهمة إذن من باب التوسع في الاجتهاد، ولتبرير الاعتداء الصريح من قبل المتحكمين في شؤون الشعب اللبناني على [..........] المدنية والسياسية وعلى الحرية [.......] والاجتماع وعلى المبادىء القومية الاجتماعية التي يشكل انتشارها في البلاد نقضاً من الأساس للبناء السياسي الاجتماعي الخصوصي المهدد للأمة بتفسخه وتداعيه بانهيار قومي ساحق، هذا الاعتداء المتكرر الذي يلجأ إليه المتحكمون كلما رأوا أنفسهم مهددين بالسقوط في الانتخابات للسلطة التشريعية في البلاد.
فالتنكيل بالحركة القومية الاجتماعية في مثل هذه الأحوال أصبح ديدن المتحكمين الرجعيين والنفعيين. ولتبرير التنكيل يحتاج الطغاة دائماً إلى حيلة أو خدعة والحيلة هي اتهام الحزب القوميث الاجتماعي بهذه التهم الضخمة.
هذا ولم يكتشف عمال المتحكمين أية وثيقة يمكن أن تعتبر دليلاً على السير في انقلاب بالقوة، ومع ذلك فقد استمر الاعتداء على البيوت الآمنة يجرّدونها من الشباب العامل في الإنتاج والتعمير الذي لم يكشفوا ما يبرر أسره وتوقيف أعماله لكسب قوت عياله. اللهم إلا مبدأ خراب الشعب لتعمير بيوت المتحكمين.
إنّ تهمة التآمر على سلامة الجيش، هي تهمة نحن المدّعون العامون فيها، إنني أتهم المتحكمين بمصير الشعب اللبناني بالتآمر على سلامة الجيش بتشكيله على أساس الطائفية والعشائرية ومحسوبية المتحكمين وبكسر معنوياته في فلسطين وعلى الحدود اللبنانية، وبقبول شروط هدنة من اليهود تعرّض الجيش اللبناني الذي هو سياج الاستقلال بالانسحاق في أية عملية حربية هجومية من قبل اليهود.
أما تهمة الاتصال باليهود فإنني أتحدى رئيس الحكومة المتهادنة مع اليهود أن يعطي للنشر الوثائق المزعومة. فإن كانت لدى الحكومة وثائق في صدد الاتصال باليهود فإنها ولا شك وثائق مشرّفة للحزب، ومخزية للمتحكمين في رقاب الشعب اللبناني، وللطائفيين الذين نملك وثائق عديدة عن اتصالاتهم واتصالات جميع الرجعيين والنفعيين باليهود من بيع أراضٍ إلى بيع مصالح إلى بيع خطط سياسية في الحكم تسهل الانتشار اليهودي ومطامع اليهود في التسلط على جنسنا السوري وعلى بلادنا المحبوبة.
إنّ خزائن الحزب القومي الاجتماعي لمشحونة بالتقارير والوثائق عن اتصالات النفعيين والطائفيين باليهود من أيام فيشر الذي لا أخال رئيس الحكومة وعدداً من زمرة الحكم والنفعيين يجهلون اسمه، إلى أيام مهزلة الحرب الفلسطينية الفاجعة التي أخرجت أبناء أمتنا في فلسطين من ديارهم وأموالهم وأعمالهم.
إنني أتحدى السيد رياض الصلح أن يبرز الوثيقة التي يزعم أنها موجودة لديه أو لدى المحكمة العسكرية، وإنها تثبت ما يمس شرف الغاية التي تحملها الحركة القومية الاجتماعية. ولكن السيد رياض الصلح وزير المتحكمين يأخذون الناس الآمنين في بيوتهم بلا جريرة.
إنّ الذين اتصلوا باليهود ولمصلحة اليهود هم الذين باعوا أراضٍ لليهود والذين سمسروا لبيع أراضٍ لليهود، وإنّ الوثائق التي في حوزة الحزب القومي الاجتماعي تخوّل الحزب استبدال التهمة التي يزعمها السيد رياض الصلح باتهام المتحكمين النفعيين الرجعيين بالتعاون مع اليهود ولمساعدة الأهداف اليهودية، ضد مصلحة لبنان ومصلحة الأمة السورية.