ملحق رقم 10 كلمة الزعيم في الحفلة الاجتماعية في الحدث

 وُجِّهت إليّ دعوة لأتكلم. إنني أصغيت وتبصرت، فوجدت أنّ الذي قاله الأمين عبد الله قبرصي فيه حقيقة، وفيه سحر الخطيب الفصيح، وسحره هو، الذي يبدّد الوهم أنّ خطباء الحركة القومية الاجتماعية ومتكلّميها يعجزون عن التعليم، وقد برهنوا لكم أنهم قادرون على التعليم، وفي يقيني أنهم حيثما انطلقوا، وفي أي مجتمع وُجدوا، وُجدوا معلمين تعاليم الحياة القومية الاجتماعية الجديدة لأنها كيانهم كله، إنهم فيض يتدفق في هذا الوجود وسيستمر متدفقاً إلى أن يغمر الأرجاء بإشعاعه، فتضمحل الظلمات وتهرب الأباطيل والأضاليل، وتغوص في باطن الأرض، ولا تعود إلى الظهور ثانية أبداً.

تكلّم الأمين قبرصي عن انقلاب، وفصّل تفصيلاً جيداً الناحية التي ينظر منها القومي الاجتماعي إلى الأحداث التي تغيّر شيئاً في أشكال المجتمع، إما بغية تغيير شيء في أساسه، وإما تضليلاً وخدعاً للناس بالأشكال من غير أن يكون هناك اي تغيير في الأساس.

كلُّ الناس يصيحون اليوم متململين من الحالة الراهنة القائمة في كل بقعة من بقاع الوطن، والناس أصبحوا يتوقون إلى تغيير الحالة بأي شكل من الأشكال. إنهم يتوقعون أن يأتيهم الفرج من أية ناحية كانت، فأيّ من نهض ونادى، وأيّ من تقدم وقلب أشخاصاً أو شكلاً من الأشكال، ارتقب الناس بسرور أن يكون من وراء ما حدث فرج للكرب الذي يحيق بنفوسهم.

لماذا يرتقب الناس هذا الارتقاب؟ يرتقبون بالفوضى التي يعيشون فيها، يرتقبون الفرج من الكرب نفسه لأنهم بطبيعة الاتكال الذي تعوّدوه أجيالاً، وبطبيعة الخمول فرجاً من سواهم، من أية ناحية كانت، ليس من أنفسهم ومن صميمهم. هم ينتظرون الفرج من بريطانية، ينتظرون الفرج من فرنسة، من روسية، من أميركانية، من القوى المسلحة، ينتظرونه من القوات غير المسلحة، وينتظرون الفرج من أية مغامرة من المغامرات كانت. والفرج لا يأتي الناس إلا من هدي يأتمرون به، من قضية حقة يعتقدونها ويوطدون النفس على تحقيقها، من إيمان بحقيقة وجودهم، وبسموّ حقيقة وجودهم، وبسموّ غاية وجودهم العظمى، فإذا لم يكن لهم إيمان مثل هذا الإيمان، ويقين كهذا اليقين، فأي فرج ينتظرون؟ وما هي النتيجة التي يرتقبون أن تحدث؛ إنّ مصير هذا الشعب يتوقف على وعي الشعب وإرادته. إنه يتوقف على وعي منبثق منه لقضية تكون أساس حياته، وغاية حياته. فإذا حدثت حركة من الحركات أو انقلاب من الانقلابات، لم تكن هنالك مبادىء يستند إليها الانقلاب، ولم تكن هنالك خطة يسير عليها الانقلاب بوضوح، ولم يكن هناك ما يدل على فهم لقضايا الشعب، وغاية الشعب العظمى، فالنتيجة العظيمة التي يرتقبها الشعب لن تحدث.

إنّ النهوض لا يمكن أن يكون بالتدجيل. وإنّ تغيير مجرى التاريخ لا يكون بأن تستلم قوى مسلحة إدارة البلاد أو بألا تستلم. الناس يرتقبون الفرج، فما هو هذا الفرج الذي أُعلن لهم. إذا سأل أي واحد نفسه إلى أين يسير بنا هذا الانقلاب فأي جواب يمكن أن يسمع. من منا يعرف في أية وجهة يريد أن يسيّرنا هذا الانقلاب؛ لا أحد. لا يوجد واحد يعرف إلى أين المصير. هو في ضمير الذين قبضوا على الحكم. ولماذا؟ لأنه لم يسبق للشعب أن سمع من هؤلاء الذين أحدثوا الانقلاب أية فكرة أو عقيدة أو رأي واضح يدل على الاتجاه الذي يتّجهونه في حياتهم، ولا عن المقاصد التي يقصدونها. فنحن الآن في إبهام، وفي غموض. وتغيير التاريخ لا يكون بالابهام والغموض. إنه حدث من أحداث كثيرة تعوّدت هذه البلاد أن تراها. إنه حدث من الأحداث التي كانت دائماً تُفرض على الشعب وكان الشعب دائماً يتلقاها مسروراً لأنه تعوّد أن يستسلم لكل أمر مفعول.

إنّ الدرس الأول الذي يجب أن نتعلمه من هذا الحدث الأخير هو: ألاّ نثق إلا بما هو واضح وجلي في القصد والغاية، وإلا بما هو أساسي صالح لإنشاء بناء جديد لهذا الشعب. الدرس الأول هو ألا نثق بالمغامرات. وألا نستسلم لأي أمر مفعول، وألا نرضى إلا بما أردناه بوعي وعزيمة صادقة. كل ما سوى ذلك هو لهو للشعب ولهو يكلف الشعب كثيراً.

نحن نريد غاية واضحة، وقصداً واضحاً، وحياة جديدة تقوم على مبادىء جديدة. نحن نرفض أن تكون حياة هذا الشعب وسيلة يتعلمها المغامرون في السياسة والحرب. نحن نمثّل رفضاً دائماً للأمور المفعولة من غير إرادة الشعب. نحن نمثّل رفضاً دائماً للأمر المفعول الذي لا ينبثق عن إرادة الشعب الحرة.

هذا هو الدرس الأول الذي نأخذه من هذا الحدث الأخير. والدرس الثاني الذي نأخذه من هذا الحدث هو: درس مصير الطغيان. إنّ الذين يظنون أنهم يقدرون على استعباد الشعب دائماً وأبداً، وأنهم يقدرون على تكبيل الشعب تكبيلاً بالضغط وبالقوى المسلحة، ويمنعون الناس من حرية الاجتماع، ومن حرية إبداء الرأي، ومن حرية التطور، إنّ الذين يظنون أنهم بالطغيان يذلّون شعباً بكامله، ويسيّرونه لأغراضهم الخصوصية، يسقطون بالسلاح الذي أعدّوه للشعب عينه. إنّ الذين نصّبوا أنفسهم طغاة على الشعب، واتخذوا لأنفسهم ممالك يسلّطونهم على رقاب الشعب، يستيقظون ذات ليلة، وذات صباح، وخناجر المماليك في قلوبهم. هذا هو الدرس الثاني الذي يلقيه علينا هذا الحدث. هو درس ليس بالنظريات، بل بالأفعال.

إنّ الكيانات السياسية هي وقفٌ على الشعب، وليس الشعب وقفاً على أي كيان سياسي. إنّ الاستقلال ليس غاية في الوجود. إنّ الاستقلال واسطة لغاية في الوجود. إنّ الاستقلال الذي يعني عبودية الشعب هو استقلال للعبودية. وكل استقلال للعبودية يُسحق باستقلال الحرية.

نحن نقوم على أساس مبدأ واضح هو حرية إرادة الشعب لأنّ الاستقلال، والبلاد، وكل ما هو في النطاق الذي نحيا فيه هو وقف على إرادة الشعب، وليس الشعب وقفاً على شيء منه. وإنّ درس الحكومات من هذا الحدث يجب أن يكون: أن تعرف الحكومات أنّ الحرية هي للشعب، وأنّ العز هو للشعب، وأنّ الشعب هو صاحب السيادة في وطنه.

يمكن كبت الجماهير، ويمكن تعطيل اجتماعات تعقد هنا وهناك، ويمكن منع صحف من الظهور، ويمكن مصادرة كتب ونشرات وجرائد، ولكن الشعب الحي المستفيق يتغلب على كل هذه الأمور الصبيانية التي لا يستند إليها إلا كل جاهل أو دجال أو ممخرق. وما كان تعطيل صحيفة في العالم ولا مصادرة كتاب ولا تمزيق نشرات من أن يمنع شعباً حراً من أن يصل إلى غاياته العظمى.

نحن القوميين الاجتماعيين أعظم شاهد حي على هذا المبدأ. كم مرة اعتقلنا؟ كم مرة زججنا في السجون وفي المعتقلات بين سجن الرمل وبعبدا وبتدين والميه ومية وأنحاء أخرى؟ كم من كتاب صادروا لنا؟ ومن صحيفة وكرّاس صادروه؟ وأخيراً ما هي النتيجة التي حصلت؟ إنّ الدولة الأوروبية الكبيرة التي كانت وراء كل هذه الملاحقات، والتي تجاهلت أو جهلت اختباراتها هي في الحرية في بلادنا، هي بكل قواتها وأساطيلها ومدرعاتها، بدباباتها، وبسنغالييها، لم تكن قادرة أن تمنعنا من أن ننمو وننشط، ونصبح هذا الجيش الفاتح سلماً اليوم، والفاتح حرباً غداً.

إنَّ أحكم حكومة في شعب هي الحكومة التي تقدر أن تحب الشعب، وأن تتعهد الشعب لينمو بحريّة، لأنها هي أيضاً ليست في الأخير إلا جزءاً ضئيلاً من هذا الشعب، وهي في الأخير ستأتيها الساعة التي ستشعر فيها أنها بلا شعب حر قوي، ضائعة أكثر من اي شيء ضائع في العالم. والحكومة التي تجهل أنها من الشعب وأنّ مصيرها مرتبط بالشعب ومصيره، حكومة لا تجهل فقط ما هو الشعب، بل تجهل ما هي، وما هو مصيرها.

إنّ الطغيان يلد طغياناً، وإنّ الطغاة الذين يجلبون على الأمة طغياناً جديداً قد يكون أشد من طغيانهم هم، يقيمون جحيماً للشعب وهلاكاً لأنفسهم.

هذه هي الدروس الأولى التي يمكن أن نأخذها من هذا الحدث الأخير. وفيما سوى ذلك نريد أن نكون متحفظين. لنصبر ولنرتقب نحن أيضاً. نحن أقدر الناس على الانتظار والارتقاب لأننا نصبر ونرتقب صفوفاً منظمة وعقيدة واضحة ونقصد هدفاً جلياً نسير إليه. الأحداث كلها هي نسبية جداً في ما له علاقة بنا لأنه ليس شيئاً مما نقصده نحن يستند إلى ما يحدث خارج صفوفنا. نحن لا ننتظر شيئاً لمصلحة الأمة فأهلاً وسهلاً به. إنه لا يضيرنا شيئاً. وإذا كان مخالفاً لمصلحة الأمة فنحن لسنا واقفين. نحن سائرون. مواكبنا تسير، وتنظيمنا يشتد، ونحن آخذون في ان نصير هذا الشيء الذي قلته عام 1937 في الكورة. قلت إننا بأعضائنا الممزقي الثياب، الخارجين من صفوف الفلاحين والعمال، وعامة الشعب الذي يريد حياة جديدة، نحن سنظل في عُرْف العالم الذي يجهلنا أو يتجاهلنا أو يريد أن يتجاهلنا، عصابات أشقياء إلى أن يعترف بأننا جيوش منظمة لأمة عظيمة مجيدة.

نحن الآن في طور الانتقال من عصابات الأشقياء إلى جيش الخلاص الذي يقود الأمة إلى المجد.

 

[1] كما دوّنها إبراهيم يموت.

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.