إلى وليم بحليس


4/1/1941


رفيقي العزيز وليم بحليس،
وصل إليّ كتابك الأخير المؤرخ في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وأنا بعد في جبال كوردبة من هذه الجمهورية. ولم أجب عليه قبل الآن للدواعي الصحية وإشارة الطبيب المشددة، التي اضطررت لمخالفتها بسبب مسألة سورية الجديدة وبعض المشاكل الأخرى التي لم تمكنّي من أخذ نصيب كافٍ من الراحة.
وقبل أن أبدأ بما أريد قوله جواباً على كتابك أقول إني قرأت كتاباً لك إلى الرفيق جبران مسوح تتذمر فيه من إبدال بعض عبارات كتابك المفتوح1 إلى رشيد سليم الخوري، الأمر الذي غيّر بعض المعاني، وإنك طلبت بإلحاح إصلاح التحوير على الأصل دون أن تحصل على نتيجة. والحقيقة هي أني أنا بدلت بعض المعاني المقصودة لتلتئم مع المقصود النهائي، ولم يكن ذلك بإمكانك أنت لعدم اطلاعك إلاّ على جزء يسير مما كتبه رشيد الخوري. وقد قلتَ، مثلاً، إنّ رشيد الخوري يسبر غور الأديان ومعنى «يسبر غور» يقيس العمق ويقف على كنه الأمر ورشيد الخوري بعيد عن ذلك فهو لا يسبر غور شيء وإنما يسير مع السطحيات من كل أمر بدون سبر غور ولا روية. وبعض العبارات الأخرى جعلتها تتلاءم مع قول رشيد الخوري سابقاً إنه لا سلام للبشرية إلا باعتناق الإسلام. وكل ذلك طفيف وجزئي في ذاته ولكنه هام في مجموع المسألة. أثبت ذلك لكي لا تأخذ الأبرياء بجريمة لم يرتكبوها.
سورية الجديدة: لا تخص آل بندقي فالسيدان فؤاد وتوفيق بندقي ليسا سوى شريكين مضاربين socios commenditasions‚ أي أنهما الشريكان اللذان يقدمان الرأسمال المادي فقط، وإدارة الحزب تقدم الرأسمال الروحي وتكون صاحبة الشأن في إدارة سياسة الجريدة وموظفيها. ولكن ما كدت أبتعد عن سان باولو حتى أخذ السيدان المذكوران يعدّان أنفسهما صاحبي الجريدة ويتصرفان ويتظاهران وفاقاً لهذا الوهم. فلما حصلت الأزمة الأخيرة، التي لم تكن الأولى ولا الوحيدة، وبلغتهما أني أترك اعتبار الجريدة معبرة عن الحركة القومية وأعدّها «جريدة قومية شخصية» على مسؤوليتهما سكتا أولاً على هذا القرار حتى إذا صدرت الزوبعة بحلة جديدة وصفحات أكثر وصدرت فيها مقالات «جنون الخلود» أدركا خطورة النتيجة التي صارا إليها فأرسلا إليّ بواسطة الرفيق جورج بندقي، ابن عمهما، يعرضان عليّ «تخليهما عن الجريدة للحزب» وأنهما يتحملان نفقتها حتى آخر السنة الماضية 1940. والصواب كان أن يقولا إنهما يتركان شراكتهما لأن الاتفاق كان على أن يكونا شريكين، لا صاحبي الجريدة.
على أثر عرضهما عينت لجنة مؤلفة من أخي إدوار والرفيقين وديع عبد المسيح وإلياس فاخوري للقيام بالمخابرة اللازمة لتصفية ما يتعلق بالسيدين فؤاد وتوفيق بندقي من أمر الجريدة، ووصلت اللجنة إلى اتفاق أوليّ على أن يتحمل السيدان بندقي العجز وعلى أن يعاد إليهما ما يقبض من الاشتراكات المتأخرة حتى سنة 1940. ولكن اتفق أنهما، في هذه الأثناء، كانا قد أجاب الرفيق جبران مسوح على كتاب وجهه إليهما يلومهما على موقفهما وعلى ما فاها به مما هو غير لائق وهو قولهما: «إنهما لا يسمحان بجعل الجريدة ميدان مهاترات شخصية». وكان جوابهما فيه كبرياء غليومية وادعيا فيه أنهما كانا يعملان بالمبادىء القومية قبل ظهورها، وغير ذلك من السفسطة والخيلاء، وختما كتابهما بأنهما «يسامحان» جبران مسوح على تجرئه على مقامهما فأشرت على جبران بكتابة جواب قوي يفنّد فيه ما يدعيانه ويظهر لهما الحدود التي يجب ألا يتعدياها ففعل ووصل الكتاب إليهما بعد الاتفاق المذكور فثار ثائرهما وغضبا على الزعيم (يا ستار!) كيف لا يراعي شعورهما، كأنهما هما أصحاب شعور وحدهما وكأنه يتوجب على الزعيم أن يراعي شعورهما، وكأن الزعيم عديم الشعور ولا يترتب عليهما مراعاة شعوره! وكان من وراء ذلك عدولهما عن الموقف الأوّل وطلبهما تسديد مبلغ أربعين كنط من العجز، على أن يكون دفع عشرين كنط ساعة تخليهما والعشرين الباقية تدفع أقساطاً في مدة ستة أشهر. فأرسلت إلى اللجنة أرفض ذلك وأحملهما مسؤولية توقيف الجريدة لأنهما يفضلان أن «يخسرا» في سبيل توقيفها على أن يخسرا في سبيل إحيائها. وبعد فهما أيضاً رفيقان قوميان سرّيان!
في مطاليبي كان أن تنقل الجريدة من اسم جورج بندقي ليس لأني أشك في قوميته، بل لعلاقة ابنيّ عمه به ولضعفه في بعض المواقف وتفضيله الانصياع إلى تعليمات ابنيّ عمه على الانصياع لأوامر زعيمه. ولعل له بعض العذر العملي. ولكن في بعض الأمور لا أجد له عذراً. مثلاً: كنت أرسلت تعليمات مكررة ومشددة بعدم سلوك الجريدة مسلك الانحياز إلى أحد الفريقين المتحاربين وبعدم القيام بالدعاوة الضخمة لبعض المسيطرين الأوروبيين كهتلر وموسوليني. فلم تنفذ التعليمات ولم يطلعني جورج على السبب. ثم طلبت منع الصور الحربية الإذاعية للألمان والطليان خصوصاً بدون جدوى. ثم طلبت من جورج أن يخبرني عن مصادر الصور وكم تقبض إدارة الجريدة لقاء نشرها، ونشر مواد الإذاعة الأخرى كالكتب المترجمة عن مصر وفلسطين، وبعض مقالات إنشائية من قلم فؤاد بندقي، فسكت على هذا الأمر ولم يجبني شيئاً. والحقيقة المرة لنا هي أنّ المسؤولين عن خلل سياسة سورية الجديدة يحملون قسماً كبيراً من مسؤولية الأحكام القاسية التي أصدرتها المحكمة العسكرية في بيروت على القوميين، فقد كانت سورية الجديدة في جملة الأسباب التي دعت المحكمة إلى لفظ هذه الأحكام. وبعد كل هذا وبعد استخدام الجريدة للتجارة بالدعاوة على حساب الحركة القومية يتبجح الرفيقان بندقي بتضحياتهما العظيمة في سبيل الجريدة والحركة القومية!!!.
شكيب أرسلان: هذا الرجل من أصحاب «الدهاء الدبلوماسي» العتيق وله أغراض خصوصية ويعمل دائماً لنفعه الخاص. وهو يطمع «بالخلافة» لأنه وإن كان درزي الأصل فهو اليوم مسلم سُنِّي. وهو يعمل الآن بإيعاز الدعاوة الألمانية وبالاتفاق معها. والأموال التي يقبضها من هذه المصادر ينفق منها على بعض الجرائد للتذييع له أو يوعز إلى الإذاعة الألمانية بمساعدتها مالياً لتنفيذ المشاريع المتفق عليها. وأعتقد أنّ رشيد الخوري على اتصال وثيق به ويعمل بإيعاز منه. وهذه الحملة الجديدة هي للاستناد على تعصب الطوائف الإسلامية الديني في سبيل ما يقصدون، ذلك لأن معظم أفراد هذه الطوائف غير متنورين في المسائل المدنية والسياسية، فيسهل إثارة شعورهم الديني والتلاعب بأفكارهم وميولهم.
أما مسألة اقتراح شكيب أرسلان عقد مؤتمر في الأرجنتين فهي مسألة مزاحمة الحزب السوري القومي على المؤتمر الذي أعلنت سورية الجديدة منذ نحو سنة أو أكثر أنّ مساعي تبذل لعقده وأرسلان يخشى أن يتم عقد المؤتمر ويأخذ الحزب السوري القومي اليد العليا في شؤون المهاجرين، وهذا ما كنت أدركه أنا ولذلك طلبت معالجة مسألة المؤتمر ووجوبه بمناسبة وجود الزعيم في أميركا. وإنّ الضرب على هذا الوتر والقيام بحملة صحافية في هذه الناحية لا بدّ أن ينتهيا إلى نتيجة حسنة.
إنّ شكيب أرسلان يجب أن يحارب سراً بشدة، وعلناً بلين، وتأويل حكيم. وهو قد فضل الأرجنتين للمؤتمر الذي يدعو هو إليه لوجود عناصر إسلامية متأخرة أكثر مما في مهجر آخر. وهو يحلم بإعادة تمثيل دور السياسيين السابقين، فتعلن المؤتمرات التي يعقدها أنّ السوريين يولونه زعامتهم وحق التكلم باسمهم في مؤتمر الصلح وغير ذلك. ولو شاء شكيب أرسلان الانضمام إلى المنظمة القومية لما قبلت لأن روحيته بعيدة كل البعد عن القومية الصحيحة وروحيتها.
في العدد الثاني عشر من الزوبعة الذي سيصدر بعد نحو عشرة أيام مقالة1 في صدد موقف شكيب أرسلان من التصريحات الألمانية والإيطالية. وهذا المقال توجيهي لرجال إذاعة الحركة القومية فيجب الاهتمام له. إذا عالجت في سورية الجديدة مسألة اقتراح عقد مؤتمر سوري بمناسبة وجود الزعيم في المهجر فعلت حسناً. ويجب ذكر أنّ مسألة عقد مؤتمر في المهجر صدرت عن القوميين أولاً ومنذ زمان. ويحسن ذكر العدد من سورية الجديدة الذي أعلنت فيه هذه الفكرة2. وأنا أوعزت إلى فرع المكسيك ليهتم بدعوة القوميين وغيرهم من السوريين إلى مؤتمر يؤيدون فيه الحركة القومية ويعدّون الزعيم المعبّر الوحيد عن أماني سورية القومية. وإذا أمكن أن تنشر الزوبعة عن عقد مؤتمر في البرازيل كان ذلك حسناً، حتى ولو لم يكن المؤتمر جهراً، نظراً لقوانين البرازيل، إلا إذا تمكنتم من الحصول على سماح رسمي بعقد مؤتمر للنظر في حقوق سورية ووضع مذكرة بها. فإذا أمكن ذلك كان نجاحاً باهراً.
كتبت أمس إلى المنفذ العام وسألته رأيه وموقفه من المير شكيب أرسلان. وأرسلت الكتاب بالبريد العادي. وإني أعلم أنّ الرفيق [نجيب] العسراوي كان من أكبر المدافعين عن شكيب أرسلان في الماضي. ولكنه في كتاب سابق إليّ يعلن فقد ثقته بكل الذين اشتغلوا بالقضية من الطراز القديم، وعسى أن يكون أرسلان في عدادهم.
لم أجد للرفيق إبراهيم طنوس مقالات مؤخراً في سورية الجديدة فعسى ألاّ يكون له ما يزعجه في هذه الأيام. وسأكتب إليه. بلّغه سلامي وأطلعه على هذا الكتاب إذا أمكن. هنا بعض الصحف العاملة لشكيب أرسلان أعلنت عن عزم رشيد الخوري على المجيء مع علي الحاج(؟!) ليكونا «همزة وصل» بين جاليتي البرازيل والأرجنتين والسعي لعقد مؤتمر هنا، وينتظر أن يصل وقد تأخر ومن يدري إذا كان يجيء؟
سلامي لك وللرفقاء العاملين. وعسى أن تكون السنة الجديدة سنة توفيق خصوصي وقومي ولتحيى سورية .
عنواني الآن:
Paraguay, 402
Buenos Aires
Rep. Argentina

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.