إلى إبراهيم طنوس

26/2/1941


الرفيق العزيز إبراهيم طنوس،
وصل إليّ منك في المدة الأخيرة ثلاثة كتب: واحد مؤرخ في 16 يناير/كانون الثاني وثانٍ مؤرخ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، وثالث مؤرخ في 10 فبراير/شباط الجاري، وهو الأخير وقد تسلّمته أمس، ونظراً للتطورات السريعة، رأيت أن أكتب إليك بواسطة البريد الجوي.
في السادس من هذا الشهر، بينما أعبر شارعاً من شوارع هذه المدينة، حدث لي حادث إذ داهمتني سيارة مسرعة وصدمتني صدمة قوية وكادت تجعل الأمر يصل إلى نتائج سيئة، ولكن جسمي المرن وحضور ذهني ورباطة جأشي أوقفت الحادث عند حد صدمة وإصابة برضوض سليمة أبقتني في الفراش نحو ثلاثة أو أربعة أيام. وكان من وراء ذلك تأخر أعمال العدد 14 من الزوبعة وتوجيهات كنت على أهبة إرسالها إلى الرفيق وليم [بحليس] في سان باولو بشأن سورية الجديدة. فلما عدت إلى مزاولة أعمالي وكتبت إلى الرفيق بحليس، إذا بي أتلقى، في اليوم الثاني، كتاباً من الرفيق إلياس فاخوري يخبرني فيه أنّ الرفيق بحليس سافر فجأة إلى مينس لخبر ورده من أهله أنّ ابنه الوحيد قد توفي، فاغتممت كثيراً وتألمت لمصاب الرفيق بحليس الذي حلّ به وهو في بدء توسيع أعمال جهاده وأخذ أعمال جديدة كبيرة على نفسه. ولم أدرِ إلى أين أكتب إليه في الحال، إذ إنّ الأخبار منه لم تطلعني على مكان عائلته، هل هو المكان الأول أم هل هو المكان الذي كانت وردتني أخبار بقرب انتقاله إليه؟ وحتى الآن لست أدري أين مقر الرفيق بحليس ولا أعرف شيئاً عن كيفية وقوع المصاب. وإني أتصور أنه سيكون مؤلماً جداً للرفيق وليم أن يكون هنالك ما يحمل على إجازة الاعتقاد بأنّ وفاة ابنه كانت بسبب غيابه عن المنزل.
الزوبعة: تتقدم رويداً ولكنها لا تزال تحتاج إلى مناصرة فعالة. ولم أذكر لك من قبل أنّ جالية الأرجنتين أقل ثقافة وأكثر تفرقاً من جالية البرازيل، وقد يكون من كل جالية سورية أخرى. وطرق التدجيل السياسي والاجتماعي هنا هي أحط من الطرق المستعملة في أي مكان آخر. وهذا الانحطاط يظهر بصورة خاصة في هذه المدينة، العاصمة، التي تتمركز فيها الأعمال والحركات مع ذلك فالحركة القومية تتقدم والزوبعة تزداد انتشاراً وإن يكن ببطء.
أما أسباب انحجاب أعداد الزوبعة منذ مدة عنكم وتقطّع وصولها، فالأرجح أنها أسباب تناولت كل جهات خارج الأرجنتين. وقد كان ظن أخي إدوار أنّ السبب هو عرقلة الحكومة البرازيلية دخول المنشورات والمطبوعات الأجنبية. ولكن بعد التحقيق هنا الذي فتحته بعد وقوفي على أخبار الانحجاب تبيّن أنّ هنالك سبباً جوهرياً مصدره المكلف السابق بوضع الجريدة في دائرة البريد تامة أجرة الإرسال. فقد أخذت إفادة من دائرة تسلّم المطبوعات في إدارة البريد أطلعتني على أنه كان يحصل نقص في ما يجب دفعه على الأعداد المرسلة إلى الخارج. فكانت دائرة التوزيع تهمل الأعداد وتتلفها. وسأهتم بتنظيم هذه الناحية، ومتى قدم الرفيق [جبران] مسوح غداً من توكومان، حيث كان مدة ثلاثة أشهر تقريباً عند عائلته، وإني أنتظر وصوله غداً، جعلته يهتم بأمر جعل التوزيع على قاعدة صحيحة. وحينئذٍ لا يبقى مانع، من جهة إدارة البريد، من وصول الأعداد إلى أصحابها في خارج الأرجنتين. وهذا الأمر ضروري لتصل الأفكار التوجيهية والإيضاحات اللازمة عن موقف الحركة القومية من الأحداث السياسية وغيرها إلى القوميين والرأي العام.
سورية الجديدة: بعد نشوء الزوبعة وتحسينها وتولية الرفيق مسوح إدارتها في علاقاتها الرسمية والخارجية ووضع الحجز على الأموال العائدة من الاشتراكات في جميع فروع الحزب في المهجر، أدرك الرفيقان فؤاد وتوفيق بندقي أنه لا يمكنهما الوقوف في وجه إدارة الحزب والتصرف بالجريدة على مسؤوليته (أي مسؤولية الحزب) وعلى هواهما، كما كانا قد أخذا يفعلان وأدركا، فوق ذلك، أنّ عدم كف أيديهما والإذعان لإرادة الحزب سيؤدي إلى خسارتهما الأكيدة. فأرسلا يعرضان «التنازل عن ملكية الجريدة» أو «تحويل ملكيتها» إلى الحزب. فلم أقبل هذا الاستعمال، لأنّ الجريدة هي في الأصل ملك للحزب والرفيقان بندقي ليسا سوى شريكين مضاربين، لهما نصيب معيّن من الأرباح لقاء وضعهما رأسمالاً معيّناً دون أن يكون لهما، أي تدخل في إدارة الجريدة أو سياستها. ولكنهما قدّرا قوّتهما المادية فوق ما يجب وتوهّما أنهما، بهذه القوة، يتمكنان من السيطرة على الجريدة وسياستها. فأدى ذلك إلى الأزمة المعروفة. التي انتهت بأني قبلت «انسحابهما من الشراكة» وجعل المسؤولية المالية أيضاً على لحزب، وبناءً عليه كتبت إلى الرفيق وليم [بحليس] الذي كان مهتماً بأمر الجريدة وضرورة إصدارها أستقدمه إلى سان باولو، ففعل وكان من وراء ذلك عودة سورية الجديدة إلى الصدور.
قرأت ملاحظاتك على مشروع الأسهم. وأعتقد أنّ الرفيق بحليس لم يقصد منه عملية توظيف مال بصورة تجارية بحتة. ولذلك قصره على القوميين والمناصرين بحرارة. وإذا كان لا بدّ من النظر في الثقة المالية فأعتقد أنه يمكن الوصول إلى حلّ لهذه المسألة. ففي سان باولو من هو صاحب ثقة تجارية كبيرة كالرفيق فؤاد لطف الله الذي هو صناعي معروف وله مركز اجتماعي معتبر. وهو الآن عماد الجريدة الأول. وإذا أمكنك درس المسألة عن كثب كان ذلك حسناً، وإني أوافق على ما فكرته بصدد المنفّذ الرفيق [نجيب] العسراوي وقيامه بزيارة سان باولو. فإنّ زيارته تكون مفيدة من عدة وجوه. وأعتقد أني كنت، من قبل، كتبت إليه ليبدي رأيه في مسألة سورية الجديدة.
الحركة هناك: أعتقد أنّ الكتاب الذي ورد الرفيق العسراوي علم بوصوله هو كتاب إداري مسهب، وفيه ملاحظات على التعيينات التي أجراها ووجوب التقيد بخلاصة النظام التي أرسلتها إليه. ومعه تبليغات بتعيين الأفراد الذين اختارهم ليعاونوه في إدارة أعمال المنفذية، ما عداك أنت للناموسية ريثما يصير بتٌّ في مسألة مناسبة قيامك عليها. وبتعيينك والرفيق بحليس مذياعين عامين.
وفي الأسبوع الماضي وضعت له كتاباً في البريد الجوي. وهو جواب على كتاب وردني منه مؤخراً.
مقالاتك: كنت قد أعطيت المدير السابق لسورية الجديدة تعليمات خطية واضحة باعتبارك والرفيق جبران مسوح كاتبين من درجة أولى توضع مقالاتكما الدراسية والتحليلية تحت «رأي سورية الجديدة» حين لا تكون هنالك مقالات شبه رسمية من المراجع العليا (الزعيم أو عمدة الإذاعة أو العمد الآخرون أو المكتب السياسي). وكنت أتكدر كثيراً حين كنت أجد مقالات قيّمة لك جديرة بأن تكون في باب «رأي سورية الجديدة» وأحياناً في صدر هذا الباب، موضوعة في صفحة ثنوية، في حين توضع في الباب الرئيسي مقالات معوجة مثل «الإلياذة السورية»1 وغيرها التي أرجّح أنها من قلم فؤاد بندقي الذي كان أيضاً يضع مقالات «افتتاحية» في الصفحة الأولى ويضع مقالات الزعيم بعد مقالاته في العمودين الأخيرين من الصفحة الأولى!!.
ليس من الضروري أن تكون كل مقالاتك دراسية أو تعليقات هامّة على مجرى الأمور. ولكن ما يكون من هذا النوع يجدر أن يوضع تحت «رأي سورية الجديدة». وسيكون التناوب بينك وبين وليم في هذا الباب، ثم أرى سياق كتابات الرفيق العسراوي. فأنتم في البرازيل يجب أن تقوموا بأعباء سورية الجديدة. ومتى وجدت فرصة فإني أنا أيضاً أكتب بعض مقالات لها. ولكن الزوبعة تحتاج أكثر لأنها تحت إشرافي هنا. وأما الرفيق مسوح فهو الوحيد الذي يمكن الزوبعة أن تعتمد على كتابااته، ما عدا الزعيم. وهو كاتب له أسلوب شخصي له علاقة وثيقة بسيليقته. ولكنه لا يحسن أن يكون كاتباً سياسياً أو محللاً فلسفياً. فهو محلل عملي شعبي قبل كل شيء، ولكن له إدراك جيد وشعور قوي.
جنون الخلود: أشرت على الرفيق وليم بنقل هذه المقالات إلى سورية الجديدة ليعمّ انتشارها وللتعويض عن الأعداد الكثيرة من الزوبعة التي لم تصل إلى القرّاء في المهاجر الأخرى، وفيها حلقات هامّة من هذه السلسلة الدراسية.
وليم في سان باولو: إنّ وجود الرفيق بحليس في سان باولو ضروري لازم للحركة. والمدة القصيرة التي صرفها هناك أعطت نتائج حسنة. وأرجو ألا يمنعه مصابه عن العودة إلى سان باولو. نحن نتألم ولكننا لا نرتد.
جريدة في مينس: أطلعني الرفيق المنفّذ العسراوي على مشروع إصدار جريدة في مينس. وفي كتابي الأخير إلى المنفّذ أشرت عليه بالتريث، لأنه لا يحسن توزيع مجهوداتنا وإمكانياتنا فتنتهي أعمالنا إلى الشلل. فيجب تثبيت مركز سورية الجديدة أولاً وهنالك مسألة الزوبعة التي يجب أن تعدّ ذات مسؤولية مشتركة عامة بين القوميين.
أتمنى أن يكون الرفيق بحليس صبوراً على المكاره جلوداً على الأعمال وعسى أن تكون والعائلة بخير. ولتحيى سورية .
بعد: أخبار منفذية مينس وما ذكرته لي من مسعى ونتائج سرّتني جداً. وأخبرك أنّ أخبار منفذية المكسيك تدل على تجديد النشاط. وقد وردتني منها نسخة قديمة من الدستور قبل طبعه، وسأنتهز أول فرصة لطبعه ثانية وإرسال نسخ حيث تدعو الحاجة. وأخبرك أيضاً أنّ الأمين فخري معلوف قد تعيّن مؤخراً منفّذاً عاماً لفرع الولايات المتحدة، ومتى فرغ من أطروحة الدكتوراه في الفلسفة أرجّح أن يصير وكيل مكتب عبر الحدود.

 

المزيد في هذا القسم: « إلى نعمان ضو إلى وليم بحليس »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.