17/3/1941
رفيقي العزيز وليم بحليس،
دهشت اليوم لعدم تسلّمي هذا الصباح كتاباً منك، ولرؤيتي العدد 104 الأخير الوارد بالبريد الجوي خالياً من مقالة نشرت في الزوبعة، وأرسلت العدد إليك بالطيارة ليصير نقلها إلى سورية الجديدة. فترجّح عندي أنّ الكتاب المسهب الواقع في 6 صفحات الذي أرسلته إليك يوم الاثنين الماضي حال تسلّمي كتابك الأخير من سان باولو وعدد الزوبعة المشار إليه لم يصلا إليك.
كتبت إليك في الأسبوع الماضي مشيراً إلى كتاب كنت أرسلته إليك قبل ورود خبر سفرك الفجائي من سان باولو. وذكرت لك عظيم أسفي للمصيبة التي نزلت بعائلتك بفقدك ابنك ومقدار شعوري بهذه المصيبة.
ثم انتقلت إلى ما ورد في كتابك الأخير مما يتعلق بموقف قوميــي سنطس، وأني سأكتب إليهم في شأن سورية الجديدة، وانتهزت هذه الفرصة لألفت نظرك إلى نوع الصعوبات الداخلية التي تواجهها القضية وإلى أنّ حادث قوميــي سنطس يعطيك مثلاً على نوع المشاكل التي أعالجها منذ سنين. وأخبرتك بهذه المناسبة كيف أنّ بعض ضعفاء الروحية والعزيمة، وبعض ذوي المآرب المندسّين بين القوميين لقضاء لبانات لهم، اغتنموا فرصة غيابي في جبال كوردبة ليتقولوا عليّأنا ويشوّشوا الصفوف، متذرعين باطلاعهم على أمر خطبتي رفيقة قومية فهمت موقفي، وأرادت أن تقف إلى جانبي وأنا في حالتي الصحية غير المرضية، وتقدّم ما أمكنها من العناية بي، فأخذوا، وهم ممن أقسموا يمين الإخلاص والطاعة، يشيعون أنّ عملي ليس في محله، وأنه «لا يحق لي التفكير بالزواج»، وأنه كان يجب «أن أستشيرهم»! الخ. وقد استغل هذه المسألة فريد نزها، صاحب الجامعة السريانية، الذي وضح أخيراً أنه ما دخل الحزب إلا ليجعل مجلته الطائفية لسان حال الحزب في الأرجنتين، وليصير الصحافي القومي المعتمد في بث الدعوة وتأييد القضية القومية، فيشتهر اسمه وتتسع دائرة أعماله، وينال المنافع المعنوية والمادية التي يصبو إليها، فلما وجد أني اعتمدت الرفيق جبران مسوح لإدارة جريدة الزوبعة، وأنّ هذه الجريدة آخذة في شق طريقها من غير أن يكون له شأن فيها، لجأ إلى الطعن في الجامعة السريانية في الرفيق مسوح وانتهى الأمر بطرده وطرد بعض المتآمرين معه. وقد أصدروا مؤخراً شبه صحيفة ليطعنوا بها في الزعيم مختلقين مختلف الإشاعات ضده!!!.
ولكن المعنويات لا بدّ أن تقوى، لأنّ الحقائق لا تلبث أن تنجلي فتكون الضربة على المنافقين شديدة. وقد ذكرت لك كل ذلك لتعلم أنّ ضعف النفوس ليس من الأمور التي يظهر ضعفها في الناحية السلبية، ففي هذه الناحية تظهر الجرأة والوقاحة حتى ضد أوامر الزعيم. فإذا كان ضعف رفقاء سنطس كبيراً فالمعالجة ستكون طويلة.
قلت لك إني أحب أن تتثبت من عزم الرفقاء غالب صفدي وإلياس فاخوري وإدوار مقدسي على الاضطلاع بأعباء «لجنة الشؤون العملية» لسورية الجديدة ليصير تعيينهم رسمياً.
وأخبرتك أيضاً عن صلاحية المذياع العام وأنها ليست محددة بالقطر الذي يقطنه المذياع تحديداً شديداً، فهذه الصلاحية عامة ولكن يحسن في حالة وجود مذاييع آخرين في أقطار أخرى، تفاهم المذياع العام معهم حول كل تدخّل في أمر إذاعي علني في بيئاتهم.
قلت لك فيما يختص بأمر الكتابة لسورية الجديدة أنّ أشغالي وضرورة إشرافي على الزوبعة التي ما كنت عولت على إنشائها لولا شذوذ المتدخلين في أمر سورية الجديدة سابقاً. أما وقد أصبحت مؤسسة إذاعية موجودة وأذيع وجوب اعتمادها، أي الزوبعة، الجريدة الشبيهة بالرسمية لوجودها بقرب الزعيم وتحت إشرافه، فقد أصبح من اللازم الاهتمام بها. ورأيت الحل الوحيد الآن أن أرسل بالطيارة أعداد الزوبعة حال صدورها، وأشير إلى مقالاتي التي أوقّعها بتوقيع هاني بعل لتنقل إلى سورية الجديدة مع التوقيع من غير وجوب ذكر أنها أخذت عن الزوبعة. وذكرت أنّ منفذية المكسيك قد عرضت إهداء ماكنة كتابة سورية إليّ. وحين مجيء هذه الماكنة أكتب مقالاتي عليها وأرسل نسخاً منها إلى سورية الجديدة فتصدر في الوقت عينه الذي تصدر فيه في الزوبعة هنا.
في الكتاب الذي أرسلته إليك في غيابك عن سان باولو، وضعت التعديل اللازم للفقرة المتعلقة بشكيب أرسلان من مقال المنفّذ [نجيب] العسراوي.
وعلّقت على عبارة العسراوي إليك بإظهار سروري لاتخاذ هذا الرفيق الاتجاه النظامي الجيد ولفهمه المسؤولية السياسية.
هذا ما يحضرني مما كتبته إليك ويحضرني أيضاً أني قلت لك إنّ وظيفتك ورتبتك الجديدتين تسمحان لك بتدخل واسع في شؤون فرع سان باولو، وإني سأرسل إليك تفويضاً لاتخاذ التدابير الإدارية المؤقتة، وإيجاد التشكيلات الموافقة، واقتراح تقرير هذه التشكيلات لتعطى الصفة القانونية.
أعدت ذلك هنا لترجيح ضياع الكتاب المرسل في الأسبوع الماضي.
وسأرسل نسخة أخرى من عدد الزوبعة، الذي أرسلت نسخته قبل، مع إشارة إلى مقالة هاني بعل وهي الافتتاحية لتنشر تحت «رأي سورية الجديدة» بتوقيع هاني بعل. وعنوان المقالة «سلطة الزعيم».
وكان منتظراً أن يصدر العدد السادس عشر اليوم وفيه افتتاحية دراسية أخرى. ولكن سيتأخر للغد فأرسله بعد غد بالبريد الجوي ويصل إلى سان باولو الجمعة أو السبت.
بلّغ قرينتك مشاركتي لكم في الشعور وتقديري لما تحمل وما تبذله في هذا الموقف.
إننا نتألم ولكننا لا نذلّ ولا ننسحق.
واعلم أنّ سلوكك قد أصبح قدوة بين القوميين ومثلاً في الروحية القومية السامية.
فإلى الأمام ولتحيى سورية .
بعد: كلمة توجيهية أريد أن أقولها: لم يعد ضرورياً التشديد والاستمرار في محاربة «العروبة»، بل في محاربة العروبيين الزائفين الذين يضرون سورية والأقطار العربية بعروبتهم الدينية وعروبتهم الخيالية وعروبتهم النفعية. ويجب إيضاح أنّ العروبة الحقيقية هي العروبة التي يقول بها الحزب السوري القومي، عروبة التعاون بين الأقطار العربية وتوثيق العلاقات فيما بينها كل التوثيق الممكن.
وهذا يعني أنه يجب ألا نظهر بمظهر عدو للعروبة، من حيث معناها الأوسع من المعنى القومي، أي من حيث معنى العالم العربي، ولكننا نحارب العروبيين الزائفين الذين يضرون جميع الأقطار العربية ويضرون سورية خصوصاً بعروبتهم الزائفة.
وبعد: رأيتك رفعت الكاتب في جريدة الفتى نظير زيتون إلى مصاف الذين يستشهد بأقوالهم، وهذا أمر خطير. فإذا كنت قصدت من ذلك قصداً سياسياً فلا بأس. أما إذا لم يكن هذا قصدك فالأفضل عدم العودة إليه، لأنّ رفع مثل نظير زيتون إلى مقام حجة في الفكر قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
إنّ هذا المعنى الذي نقلته عن زيتون شائع في كتابات روائية كثيرة، وليس من الضروري أخذه عن زيتون.
وقد تعلم أنّ نظير زيتون تقلّب في اتجاهات متعددة. فهو قد مال إلى الحركة القومية بعد أن أطلعه أخي إدوار على مبادىء الحزب وحدّثه عن الحركة. ولكنه لم يلبث أن سار مع تيار العروبة، وأخذ ينشر لمكتب فخري البارودي ويكتب المقالات الافتتاحية الخيالية في العروبة، وبعد نشوء سورية الجديدة وتوليدها التيار السوري القومي بقوة عظيمة، ترك سخافات فخري البارودي والعامل معه فؤاد مفرج وجارى التيار الجديد. وهذا التقلب يدعو إلى المحافظة تجاه هذا الكاتب وأمثاله.