6/7/1941
رفيقي العزيز يوسف الغريب،
تسلمت أمس رسالتك غير المؤرخة التي أرسلت من كوردبة في 4 الجاري المتضمنة نص كتاب ناموس السفارة البريطانية إليك. وهذا الكتاب يعني أنّ الصلة قد وجدت، أما ما يحتمل أن ينتج عنها فأمر له وقته. أما من جهتي فإني أعدّ المهمة قد أعطت النتيجة المطلوبة. ولست أرى لزوماً لأن تأخذك الشكوك والهواجس والتشاؤم والتفاؤل، ففي السياسة، الأمور مرهونة بأوقاتها. وإذا رجعت في ذاكرتك عظم المطاليب المقدمة، واشتمالها على فلسطين وشرق الأردن اللتين لهما علاقة بوعد بلفور وعلاقة اليهود بالسياسة البريطانية، اتضح لك من غير كبير صعوبة أنّ المسألة تحتاج إلى درس وظروف ومناسبة.
رأيــي في مقالك «سورية للسوريين»: لم أتمكن من قراءته بسبب انهماكي في إصدار عدد الزوبعة الأخير، إلا مساء أمس فرأيت أنك أجدت التعبير عن الناحية القومية البحتة وقوة الحركة القومية. ولكنك، من الوجهة السياسية، أقدمت على تحمّل مسؤولية كبيرة لم ينط بك تحمّلها. ويا ليتك عملت بإشارتي وأرسلت المقال لأنظر فيه قبل نشره، إذن لكنت عدّلته على ما يقتضيه موقف الحزب في صدد الحوادث الأخيرة. وبعد فليس هنالك ما يدعو إلى العجلة من جهتنا.
إنك في آخر الفقرة الثانية من العمود الثاني صورت الحزب السوري القومي كأنه منحاز لجهة بريطانية، ومقاوم لوصول ألمانية إلى قناة السويس وإقصائصها الأسطول البريطاني من شرق البحر السوري. فهذا التصوير لا ينطبق على موقف الحزب ولا تريد القيادة القومية جر الحزب إليه. ففي شؤون الحرب الحاضرة، لا يزال موقف الحزب السوري القومي: الحياد التامّ تجاه المتحاربين، واغتنام الفرص للمطالبة، ومحاولة إعلان استقلال سورية ، وتشكيل حكومة قومية لها. فتصويرك المخالف لموقف الحزب قد يعطي في المستقبل نتائج غير حسنة، خصوصاً في حالة انتصار ألمانية التامّ على روسيا، وهو مرجح، وارتدادها على بريطانية في الشرق الأدنى. فإذا احتلت القوات المحورية سورية وشاءت ألمانية وإيطاليا معاملة الحركة القومية على نور عبارات مثل التي وردت في مقالك، فالنتيجة تكون إحراج مركز الحزب إحراجاً كبيراً وتعريض قوّته لعداء المحور وتنكيله.
لماذا يجب أن نعطي بريطانية قبل أن نأخذ منها؟ وما فضلها علينا حتى نقاوم الألمان في سبيل سيطرتها؟
هنالك أيضاً عدة مآخذ منها: استعمالك لفظة «نازي» حيث كان الأفضل استعمال لفظة «ألمانيا»، لأنّ الاستعمال الأول له خطورة كبرى فهو يظهرنا كأننا نكره ونعادي ليس فقط السياسة الألمانية، بل العقائد الألمانية. وهذا يعني أنه لا يمكن أن نكون أصدقاء لألمانيا ولا بوجه من الوجوه لأننا أعداؤها بالفكر، ومنها: حملتك على «فيشي» ليس فقط في سياستها وتدابيرها، بل أيضاً في شكل حكومتها. وهو دليل آخر ضدنا من وجهة المحور.
ومنها: بعد أن تشير إلى تصريحات القائد الديغولي كاترو وسفيري بريطانية في مصر والأرجنتين، تقول إنّ سورية قد أصبحت مطمئنة ولم يبقَ عليها إلا الاختيار بين بريطانية وفرنسة القومية. وهذا يمكن أن يحسب موافقة من الحركة السورية القومية على هذه التصريحات وحسبانها كافية، وأنه دعاوة لديغول وبريطانية. ويعني ضمناً رفض تصريحات المحور المشابهة للتصريحات الديغولية والبريطانية الأخيرة، مع أنها صادرة قبلها. وفي هذا إحراج لسياسة الحزب. ولو كان صدر هذا المقال في جريدة رئيسية في العاصمة الأرجنتينية لاقتضى تكذيباً من قبلي.
ما يحسن إظهاره في مقالات هو:
1 ـ التشديد على أنّ الحركة السورية القومية لها مستقبل وأنها الوحيدة المعبّرة عن مطامح الشعب السوري.
2 ـ إنّ الدول التي تزعم أنها تريد استقلال سورية ليس لها غير التفاهم مع إدارة هذه الحركة.
3 ـ إنّ زمن اعتماد السوريين على مجرّد التصريحات من أية جهة كانت قد مضى، وإنّ الطريق الوحيد لإيجاد صلات ثابتة مع سورية هو الذي أعلنه [الزعيم] في خطابه في 1 يونيو/حزيران 1934 (انظر ج 2 ص 2) وفي تصريحه للجريدة السورية اللبنانية في الأرجنتين (انظر ج 3 ص 443).
4 ـ من الوجهة السياسية، الحركة السورية القومية تحارب كل محاولة، أياً كان مصدرها، لسلب الأمة السورية حق سيادتها. وهي في الحرب الحاضرة على الحياد لأنها لم تحصل على ضمانات، لا من هذا الفريق ولا من ذاك، لسيادتها القومية وحقوقها.
يحسن، بل يجب، كتابة مقال مستعجل يصير فيه تعديل التصوير الذي صدر في المقال الأول، الذي لا بأس من إرسال نسخة منه إلى السفارة من كوردبة. ولكن يجب اتباعه بالمقال التالي، لكي لا يظن الإنكليز أننا أصبحنا «في الجيب».
زوجتي تشترك معي في إهدائك والعائلة السلام. ولتحيى سورية .