إلى إميل بندقي

16/8/1941


رفيقي العزيز إميل بندقي،
تسلمت كتابك الأخير المؤرخ في 21 يوليو/تموز الماضي. ولو لم يكن قد عاد الرفيق جبران مسوح من توكومان وقام بقسم من المخابرات المتأخرة لما أمكنني الكتابة إليك بهذه السرعة.
سرّتني المعلومات الواردة في كتابك. وكان المذياع العام الرفيق وليم بحليس قد أخبرني بموقف خالك نديم الحسن. ثم قرأت الكلمة التي نشرت في سورية الجديدة عن شخصه. ولكني آسف أن تكون فائدته مقتصرة على هذه الناحية السلبية القليلة النتائج المحسوسة.
أما الرفيقان فؤاد وتوفيق فلا أرى أي داع لتأثرهما أو نقمتهما على مقالات «جنون الخلود» إلا أن يكونا مصرّين على تنفيذ مشيئتهما فوق الخطط المرسومة والأوامر المعطاة. وهذا الموقف لا يدل على روحية نظامية ولا على حسن نية. ففي كل العالم المتمدن وتحت جميع أشكال الحكم، عندما يصدر قرار نهائي من الهيئة المفوضة البتّ، تبطل المعارضات والمعاكسات عند جميع الأعضاء المخالفين في الرأي. فأحياناً يقرر مجلس العموم البريطاني خطة أو سياسة أو قانوناً بأكثرية مئتين ونيف أو ثلاث مئة ونيف، ضد مئتين أو مئة ونيف من الأصوات فتجد مئات المعارضة قبلوا ما تقرر وعملوا بموجبه وانتهى الأمر. وإذا حاولت فئة العودة إلى شيء فيكون ذلك بالطرق القانونية وبدون محاربة القوانين المعمول بها ومقاومة التدابير المتخذة. أما في الدول التي يكون الأمر فيها لشخص واحد فمتى أصدر الزعيم أمره بطلت كل المعارضات، إلا عند المتعنتين الذين يتظاهرون بأنهم يؤيدون الزعامة ولكنهم في الحقيقة لا يعملون إلا برغباتهم الخصوصية. أما ما أمرتهما به فلا أدري ما هو ولا ما يعنيان. فكتابي الأخير إليهما الذي أجبت به على الكتاب الوحيد الصريح الذي أرسلاه إليّ ليس فيه سوى تبيان موقف الزعيم من الأمور التي أجريت ضد النظام وضد السلطة العليا في الدولة القومية. وكان ذلك بمنتهى التساهل والحلم تجاه تصرّفهما الشاذ. وقد فتحت لهما، في كتابي المذكور، باباً واسعاً لمخابرتي في كل ما يريدان إبداءه وما يرتئيان، حتى إذا وجدت لهما رأياً مفيداً تبنيّته وأصدرت تعليمات بتنفيذه، فامتنعا عن الدخول في هذا الباب، لأنهما يخشيان تقييد أنفسهما أو انكشاف عدم إخلاصهما للقضية والمنظمة ودستورها وقوانينها، إذ هما كانا قد كتبا إلى الرفيق مسوح يقولان إنهما «ما خدما الحزب السوري القومي إلا لأنهما ظنّا أنهما يخدمان أفكارهما»، فوضعا نفسيهما وأفكارهما الخصوصية بمقام الحزب كله وفوق الحزب وأهدافه ونظامه. وقد كررا هذا المظهر في ظروف متعددة. فهما يظنان أنّ الحزب السوري القومي هو تقليد للحزب الفاشستي في إيطاليا، أو النازي في ألمانيا، كما كان حزب «الانتغرالي» البرازيلي، بل هما يبعدان كثيراً في هذا الظن ويتوهمان أنّ الحزب السوري القومي يحسن أن يكون ذيلاً للحزب «الإنتغرالي». وأنا لا أرضى بزعيمهم «فلينيو سلفادو» بدرجة منفّذ عام في الحزب السوري القومي. وقد أبديت رأيــي فيه للرفيق فؤاد والرفيق توما توما في اجتماعي بهما في المزرعة في ضاحية سان باولو وأظهرت لهما جبنه وضعف موقفه بعد القبض عليه.
لو كان للرفيق فؤاد وتوفيق أي استعداد حقيقي للتعاون لكانا عادا إلى مخابرتي بصراحة، لأنّ الأمر في الأخير مرجعه إليّ. وهذا امتياز لهما. ولكن إهمالهما هذه الطريقة يجعل حجتهما ضعيفة ولا يجوز أخذها بكل جد. وفي كل حال أتمنى أن تنجح أنت بواسطتهما وأشور عليك بعدم الاصطدام في الرأي معهما، فاحتفظ بموقفك القومي لنفسك ولا تشركهما بشيء من أفكارك العملية، ولك الحرية في الشؤون النظرية الخاصة.
إنّ أمر تنظيم سان باولو يجب أن يبدأ سريعاً، مهما كانت الظروف، وقد كتبت في ذلك إلى الرفيق بحليس وأرى أنّ نشاط الحركة والاجتماعات تؤثر على الجو وترفع معنويات الأعضاء وتتسهل أمور كثيرة. وأطلب منك ألا تكون في سان باولو أقلّ نشاطاً مما كنت هنا. فأنت أخبر من جميع الموجودين هناك بكيفية التنظيم ومشاكله، وقد مرت أمامك اختبارات لم تمرّ أمام الآخرين والرفيق إلياس فاخوري له بعض الاختبار. وبهذه المناسبة لا أدري ماذا تصنع الرفيقة زوجته، فقد سرت إشاعة ضعيفة هنا أنها تخلّت عن الحركة أو انقلبت عليها.
اكتب إليّ في جميع المعلومات التي ترى أنه يهمني الوقوف عليها، واعطني غير عنوان محل ابني عمك لأخابرك عليه.
سلامي القومي لك. ولتحيى سورية .

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.