إلى وليم بحليس

25/8/1941


رفيقي العزيز وليم بجليس،
تسلمت أمس كتابك الأخير المؤرخ في 19 أغسطس/آب الجاري. وكنت اليوم أتوقع وصول كتاب آخر منك وعدد سورية الجديدة الأخير، ولكن حتى الآن لم أتسلم شيئاً، وقد حصل مؤخراً عدم انتظام في وصول البريد الجوي، فلعله يصل شيء بعد الظهر أو صباح غد. ولا أريد الانتظار لذلك أكتب إليك الآن وإذا ورد شيء بعد الظهر فيمكن النظر فيه قبل وضع كتابي في البريد.
«جنون الخلود»: كنت قد حسبت إمكانية تنفيذ الحكومة البرازيلية قرارها في آخر الشهر واحتمال احتجاب سورية الجديدة فعجلت بكتابة الحلقة 22 فجاءت طويلة وغاية في الأهمية، لأنها تكشف عن مصدر الأفكار الرجعية ومجاريها وتضع النظريات الأساسية الرجعية والقومية وجهاً لوجه. والمقال اليوم في المطبعة وبعد قليل أنزل لرؤيته وأصلح أغلاط الرصف، وأعتقد أنه يكون جاهزاً بعد الظهر، فأرسله إليك مع هذا الكتاب. وقد كتب الرفيق [جبران] مسوح مقالة سيرسلها أيضاً إليك بالبريد الجوي.
التنظيم: أعتقد أنه يوافق، قبل اتخاذ تدابير نهائية، على المداولة مع الرفقاء غالب [صفدي] و[إلياس] فاخوري و[توما] توما وجورج بندقي وإدوار سعاده في اجتماع تعقدونه لهذا الغرض تدرسون فيه الموقف، وأفضل الطرق للعمل. ثم، بعد الوصول إلى نتيجة، تكلف من تقدر على تكليفه دعوة الأعضاء المخلصين جميعهم إلى اجتماع عام يعقد للنظر في موقف كل واحد ورأيه وتدوين أهم الآراء. ويحسن الاجتماع ببعض الأفراد قبل الاجتماع العام، فتصير مقابلات فردية يُدرس فيها موقف كل من هؤلاء وماذا يرتأي أو من أي شيء يشكو، وتدوّن الآراء والشكاوى الهامّة ليصير النظر فيها. وبعد عقد الاجتماع الذي يكون غرضه الأخير تجديد العهد بالعمل وعقد العزيمة على نفض الخمول والتعويض عما سبق. فإذا تم ذلك تلقي في القوميين خطبة تلفت نظرهم إلى الفرق بين الكلام والعمل وتريهم المسؤولية التي يشترك فيها الجميع، ذو الوظيفة وغير الموظف، وتطلب منهم التقيد بموجب اليمين وتأدية فروض النظام والطاعة. وتقول لهم إنّ الماضي قد مضى، ولكن من الآن وصاعداً سيصير تدقيق في من هو قومي حقيقة ومن هو غير قومي لتصفية الأمور وغربلة الفرع.
هذه الخطوة كان يجب أن تتخذ من زمان في كل مكان نشأ فيه فرع قومي، فإنّ القوميين يجب أن يكونوا متحداً اجتماعياً روحياً قبل كل شيء ثم منظمة قومية. فيتفاهمون على المشاريع والمسؤوليات، ويتذاكرون في الموقف السياسي وحاجة المنظمة، ويتكلم متكلموهم في ما يجب أن تتجه إليه الجهود، ويشعر الجميع بشخصيتهم العامة وروحيتهم، ويشعر كل منهم بأنه شيء وأنه جزء حي من شيء في العالم. بهذه الطريقة يمكن جعلهم يشعرون بأنّ حاجة مكتب الزعيم هي حاجتهم، وأنه إذا كان يجب عليهم أن لا يتدخلوا في الشؤون التكنيكية العليا من سياسية وإدارية فيجب ألا يبرح ذهنهم أنّ الحركة لا تسير إلا بمجهودهم. والبسطاء منهم هم دائماً عناصر جيدة وصالحة للعمل إذا وجد من يعرف كيف يحركها ويوجهها.
بعض أعضاء: كالرفيق فؤاد لطف الله لهم حالة خصوصية يجب النظر فيها. وقد كانت جرت مخابرة بيني وبين الرفيق الفاخوري في هذا الصدد. وكان تقرر أن يسير الرفيقان فؤاد وغالب في جهة خاصة فتنشأ مديرية من شبان يدخلانهم. ولكني لا أرى الآن لزوماً لذلك. فإنّ من الأسباب التي حالت دون تداغم الجميع: عدم التدامج والتجانس والخشية من تداول الأسماء في الأوساط. ولذلك فكرت في أخذ الأمور بالتؤدة وتجزئة العمل في بادىء الأمر. أما الآن فالذي أراه أنّ في ذلك إضاعة الوقت، خصوصاً وأنّ العمل لم يجرِ كما كان تقرر، وسأنتظر نتيجة مخابراتك ومقابلاتك للجميع لأعلم الموقف وأرى ما يجب عمله. ولكن تبقى مسألة الرفيق فؤاد فلا بأس أن يبقى غير متصل بالمديرية هناك. ولا أدري ما هو موقف الرفيق وليم عفيف وهل يرفض الاشتراك في عمل موحد، فإذا كان موقفه كموقف الرفيق فؤاد، فإني سأطلب منهما العمل المنظم بطريقة ما، وأريد أن تكون عضويتهما فعلية وليس فقط بالاسم. وهناك أيضاً الرفيقة زوجة الرفيق الفاخوري مريانا. فهذه السيدة ذات حركة وذكاء وفي البادىء يكون عملها جيداً، ولكنها شديدة الهوس، وهذا يدفعها إلى التدخل الكثير مع الأشخاص، ويسبب في الأخير نفوراً ومشاكل. وبطريقة ما هي تميل إلى الشذوذ وعدم النظام مع أنّ روحيتها حسنة ومستعدة للطاعة. فإذا كانت قد حافظت حتى الآن على مسلك حسن ولم يصدر عنها ما صدر هنا يمكن الاعتماد عليها للقيام بحركة بين السيدات. فالموقف السياسي يطلب العمل العمل. وما أعنيه بما يصدر عن الرفيقة مريانا هو محبتها للإكثار من ذكر اسم الزعيم بطريقة يشتمّ منها أنها كانت ذات مركز عنده وللإكثار من إعطاء المشورة وتحريض رفيقاتها كثيراً لتظهر أنها تفوقهن غيرةً وإقداماً وغير ذلك من الأمور التافهة في حد ذاتها، ولكنها تسبب في الأخير بعض القلق.
مكتب الزعيم: ليس أهم ما يتطلبه مكتب الزعيم تأمين حياة الزعيم في هذه الظروف وسهولة عمله، بل أيضاً الاهتمام بإدارة وتغذية المؤسسات التي تنشأ، كالمؤسسات الإذاعية مثلاً، وإرسال ما يمكن إلى بعض الأماكن في الوطن، والقيام بالمهمات السياسية وغيرها التي قد ينتدب لها بعض الأشخاص، فيسافر أحدهم إلى أوروبا، مثلاً، ويسافر آخر إلى الوطن أو إلى جهة أخرى. فإنّ الجمود يكاد يقتلني. ولو كان الاهتمام بنجاح الحركة كبيراً حتى يسهل لمكتب الزعيم الوصول إلى الموارد الكافية للأعمال، لما احتاجت سورية الجديدة للوقوف هذا الموقف تجاه السيدين فؤاد وتوفيق بندقي. فالإذاعة أمر أساسي ولكنه يحتاج إلى نفقات. والأعمال السياسية تحتاج إلى نفقات أكبر. والحركة في الوطن تحتاج إلى نفقات، خصوصاً الآن بعد استعادة الأركان حريتهم. وقد آن للقوميين في المهجر أن يشعروا بمسؤوليتهم.
الزوبعة: في حال وقوف سورية الجديدة ستحتاج تغذية القوميين والسوريين عموماً في البرازيل ونواحٍ أخرى إلى زيادة صفحات الجريدة وتكبير قطعها وزيادة مرات صدورها. فإذا صار لها في البرازيل ممثل نشيط ومراسل مطلع، فإنّ ذلك سيعني اكتساب الجالية السورية في البرازيل، لأنّ الناس يفضلون الاشتراك في جريدة مفيدة على غيرها. ولا يبقى عندهم من يدور عليهم بجريدته طالباً مساعدته لأنه ابن بلدتهم أو طائفتهم. فيجب الاهتمام بهذا الأمر كثيراً. وعسى أن تتوفق. ولتحيى سورية .

المزيد في هذا القسم: « إلى وليم بحليس إلى وليم بحليس »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.