إلى وليم بحليس

28/8/1941


رفيقي العزيز وليم بحليس،
تسلمت هذا الصباح كتابك المؤرخ في 26 أغسطس/آب الحاضر. وعند الظهر طيرت برقية إليك وسهوت عن جعل عنوانها إلى المطبعة في شارع إيتوبي. فعسى أن تكون وصلت على عنوان سنطو أندريا وغرضها أن تستعمل المال الوارد من منفذية مينس في طريق حل أزمة الجريدة ليصدر العدد الأخير.
العدد السابق: لم أتسلم هذا الأسبوع نسخة البريد الجوي والظاهر أنها لم ترسل أو فقدت.
العمل السياسي: إني أوافق على موقفك مع السيد إسكندر المرّ وكيفية إدارتك الحديث. ويمكنك أن تضيف، جواباً على اقتراحه إرسال مطاليبنا إلى الحكومة البريطانية، إنّ قضية الحزب موجودة في المبادىء ويمكن ترجمتها. والموقف السياسي يمكن معالجته على ضوء خطاب 1 يونيو/حزيران 1935 وهو مترجم إلى البرتغالية. وجميع هذه المواد يمكن أن يعرضها الوسيط على المفوضين البريطانيين لإثبات استقلال الحزب عن أية سلطة أجنبية، واستعداده لمفاوضة الدول التي تعترف بحق الشعب السوري وأهليته للسيادة والاستقلال في الحال. ولا نتقدم بمطاليب ولكننا نقبل فتح مفاوضات أو مخابرات رسمية على أساس تصريح وزير خارجية بريطانية في يونيو/حزيران 1935 أنه مستعد لمصافحة الأيدي التي تمتد بروح الاعتراف بأهلية السوريين للسيادة والاستقلال في الحال. أما مسألة شكل الإدارة الحزبية فهذه أقل الأمور صعوبة. وبريطانية لا ترفض الاعتراف بشكل الحكومة البرازيلية أو الروسية حين تتفق المصالح. وإذا كان دستور الحزب قد وصل، لأنه أُرسل، فيمكنك أن تطلع السيد المرّ على الدستور وليس على المراسيم الدستورية المدموجة فيه، فيرى أنّ امتياز الحكم الفردي في الحزب، هو فقط لصاحب الرسالة ومؤسس القضية وليس نظاماً أساسياً دائماً. والاتجاه الديموقراطي في نظامه صريح لا يرفضه عقل صحيح. وهذه، في الأخير، مسألة داخلية بحتة. وأما مسألة iomos فيجب أن لا تكون مطلقة هذا الإطلاق. وإنّ القومية السورية لها صفة خاصة والتشديد عليها له موجبات أهمها إحلال فكرة الأمة وشخصيتها محل فكرة الدين أو المذهب، ووجهتها الداخلية أقوى كثيراً من وجهتها الخارجية، خصوصاً وسورية لا تعتنق فكرة التوسع الاستعماري التي لا قبل لها بها الآن. وسنرى ما سيكون من سعي المرّ مع القنصل البريطاني.
تحفظات: إنّ المسائل السياسية دقيقة جداً. وخطورتها تفوق خطورة المسائل الإدارية. ونظام الحزب، كما سترى من قراءتك الدستور، يقضي على كل موظف إداري أو سياسي بالتعهد بكتمان جميع ما يعهد إليه، ويشكّل أسرار الوظيفة أو المهمة، عن القوميين فضلاً عن غير القوميين. فإطلاعك غالب [صفدي] وفؤاد [لطف الله] على ما كلفتك من غير استشارتي سببه عدم اطلاعك على هذا النظام. وقد أكون أرغب في ذلك ولكن يجب أن تترك هذا الأمر لي ولا تسبّق عليّ. فقد تكون لي طريقة أو خطة أخرى. وكل شيء يجب أن يكون في حينه. والذين يعيّنون للاشتغال بالسياسة بصورة دائمة يجب أن يجتازوا امتحاناً بذلك.
وما دمت قد بلّغت هذين الرفيقين تعليماتي فيجب أن تأخذ عهداً منهما بأن لا يتحدثا بذلك لأحد حتى ولا لاخوتهما أو زوجيهما. وكل من يريدان الاتصال به يجب أن يكون بمعرفتي وموافقتي. فإذا امتدت المخابرات فقد أكلفكم أن تكونوا أنتم الثلاثة فقط لجنة خاصة للعمل في هذه الناحية. ويجب أن تكتم ما أطلعتك عليه مما أرسلت أكلف المنفّذ القيام به. ورأي الرفيق فؤاد واستعداده للعمل هو حسن، ولكن يجب التحفظ وعدم مخابرة عدة أشخاص في وقت واحد. فهو يقول إنّ هنالك وسائط يافثية وراسيّة. أما اليافثية فيجب أن أعلم بواسطة من وكيف، وما هو مركز الشخص الذي ستجري المخابرة معه؟ وأما الراسيّة فأعرف أنّ أحد أفراد العائلة الراسيّة سكن مدة طويلة في إنكلترة وقد اجتمعت به عند القسيس خليل. وهو، على ما أظن متجنس بريطانية، وغيور على مصلحة بريطانية، وهذا يوافقنا إذا كنا نعلم ذلك ونعرف كيف نتصرف. ولكن هنا تبدأ المهارة فيجب عدم إحداث أي تصادم بين الأشخاص الذين يتقدمون ليكونوا وسائط. فروح التزاحم شديدة والمنافسة قد تخرب كل شيء ووراء المنافسة مصالح.
ثم هنالك طرق فإذا ابتدأ الاتصال بواسطة أحد، فالأفضل متابعة العمل من هذه الجهة، وإنشاء علاقات مع وسيط آخر يجب أن يكون لأسباب أقوى وبتحفظ شديد وبواسطة شخص آخر من قبلنا. فإذا كان المرّ قد باشر فالأفضل عدم تكليف سواه قبل درس المسألة من جديد. ولكن يمكن جس نبض أشخاص آخرين وإفهامهم أنه قد يرغب الحزب في التأكد من نيّة بريطانية، ودرس إمكانية الاتفاق على استقلال سورية ، وأنّ هذا مجرّد رأي مستنتج من مقالات وخطب للزعيم. ثم يجب إخباري حالاً عن تطور الموقف، ويجب أن أعلم كل شاردة وواردة. وليس من الضروري إظهار شك في السيد المرّ فنحن لا يهمنا كثيراً ماذا يقصد هو ما دام يقدر أن يكون واسطة مع البريطانيين. فمتى وصلنا إلى هؤلاء فحينئذٍ يصبح العمل من نوع آخر. وقد يكون مفيداً جداً في هذا الدور أن يكون الوسيط من الذين يثق بهم البريطانيون جداً، ويتأكدون من غيرتهم على مصالحهم وخدمتها بإخلاص. هذا لا يضرنا، لأنّ المرّ لن يكون ممثلنا.
هذا ما عجلت بكتابته لتكون على بصيرة. ولتحيى سورية .
بعد: مسألة التنظيم في كتاب قادم.

 

 

المزيد في هذا القسم: « إلى وليم بحليس إلى وليم بحليس »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.