5/9/1941
صديقي العزيز عبود سعاده،
تسلمت أصيل أمس كتابك الأخير في 2 سبتمبر/أيلول الجاري، ووقعت كلماتك الطيبة موقعاً جميلاً من نفسي. وسرّني بنوع خاص تحليلك النفسي ونظرك في الأشخاص.
إنّ أمر الرفيق يوسف الغريّب تغيّر تغيراً جوهرياً بعد كتابي الأخير إليك. ففي اليوم عينه الذي أرسلت كتابي المذكور فيه وردتني نسختان من عدد جريدة لا بوص دل انتريور الذي صدرت فيه مقالة الغريّب الأخيرة التي حازت موافقتي، وورد أيضاً كتاب منه لم يعرض فيه لشيء من الموقف الماضي، ولكنه يظهر فيه روحية جيدة، فبادرت في الحال إلى إجابته بكتاب أرسلته، في آخر ساعة، مستعجلاً في بريد القطار، وأوضحت له الدواعي التي أوجبت موقفي السابق منه، وقلت له إنه لو كان أبي نفسه في محله لما كان موقفي منه أقل شدة منه من الغريب وأظهرت له ثقتي به. وأعتقد أنّ كتابي سيترك أثراً جيداً في نفسه.
أما الكتب التي أرسلتها إليك فأنا لا أطلبها لمكتبي، وبما أنك وجدت الطريقة للاحتفاظ بها في مكتبك فمسألتها قد انحلت.
تقول إنّ حركة القوميين في توكومان وسانتياغو أكثر نشاطاً منها في كوردبة. وهذا القول يصدق على توكومان فقط، أما سانتياغو فضعيفة عملياً، على الرغم من اتساع الحركة فيها في بادىء الأمر، وإذا لم يتوفق رجالها إلى التعويض عن كسلهم والتشمير عن ساعد الجد فقد أتخذ تدبيراً متطرفاً في شأنها. ويوجد في سانتياغو عدد من الأفراد النابهين يمكن أن يفيدوا عن غير الطريق النظامية. والحقيقة أنّ الأَعمال النظامية صعبة كثيراً مع أبناء الجيل الماضي كقياس عام، ويشذ عن هذا القياس أفراد قلائل. ولكن ما يقال عن توكومان وسانتياغو يصح في كوردبة أيضاً إلا في مسألة العدد، ففي المدينتين السابقتين العدد أكثر، ولكن الرجال الذين لهم مركز يخولهم التأثير على مجرى الأمور ليسوا أكثر كثيراً مما في كوردبة.
كتب إليك وإلى عدد من الأفراد في كوردبة وأماكن أخرى الرفيق جبران مسوح، وكان موضوعه النظر في سر احتياجات الحركة من الوجهة المالية. ولا أعلم إذا كان الرفيق مسوح قد شرح الموقف أو الموضوع كما يجب ولذلك سأوضح لك ما يلي لتكون مطّلعاً.
إنّ احتياجات الحركة المالية هي دائمة، ولكنها في الظروف الاستثنائية كالتي نحن فيها تزيد أحياناً، وتحمل بعض الأجزاء أكثر من المقدر أو المنتظر، نظراً لاضطراب الحالة السياسية وتحرّجها. وكل من له أقلّ إلمام بعمل الأحزاب السياسية واطّلع على شيء من تواريخها يعلم أنّ مشاريع كثيرة إذاعية وسياسية ما كانت تكون ممكنة لو لم يوجد المال الاحتياطي اللازم في الصندوق، وهذا المال لم يحصل دائماً بتبرع عدد كبير من الأغنياء، فبعض الأغنياء ذوو النظر الثاقب أدركوا متطلبات الموقف وبذلوا، وعامة أفراد الأحزاب كانت لهم غيرة وحمية فأعطى كل منهم ما قدر عليه بصورة منتظمة، ومن يطّلع على كتاب هتلر جهادي يعلم أنه بعد السنة الأولى من تأسيس حزبه وجد مال في الصندوق كافٍ للقيام بأعمال إذاعية واسعة، ولولا هذا المال لما كانت بلغت حالة حزبه إلى أحسن من حالة الحزب السوري القومي. أما نحن فقد كانت حالتنا تختلف عن جميع هذه الأحزاب. فإنّ ما كان يدخل خزانة الحزب كان دائماً أقلّ كثيراً من الضروري. ولكن لم يتمكن الحزب من التغلب على جميع الصعوبات التي اعترضته ومن الوصول إلى أبعد مما وصل إليه حتى الآن، وهذا لا يعني أنه كان يجب أن توجد مقادير ضخمة من المال منذ البدء، ولكن يعني أنه لو كان يدخل مبالغ معتدلة لأمكن تغيير الجو والوصول إلى المقادير الضخمة فيما بعد. وأضرب فقط مثلاً واحداً: إنّ أكثر الصحافيين الذين قاومونا في المهجر فعلوا ذلك لقاء منافع مادية قليلة، تكاد لا تستحق الذكر، قدّمها لهم أعداؤنا، ولو كنا نتمكن من تقديم مثلها لكنّا نتمكن من اكتساب عدد من الصحف يسهل لنا مهمتنا. وأكثر جرائدنا اللاقومية أو كلها هي جرائد لا مبدأ لها غير الغرش، لا فرق بين أن يأتي من زيد أو من عمرو. ووجد في الولايات المتحدة جرائد تظاهرت بأنها تحاربنا لمبدأ عندها هو «العروبة» ولكن حالما وضع أحد القوميين في يد صاحبها بضعة دولارات نشرت مقالات طيبة في الحزب وفتحت صفحاتها لمقالات القوميين. ومن الأمثال العامة عندنا «أنّ القرش يجلب القرش». ولو وجد في صندوقنا غرش يزيد عن ألزم اللوازم لكنت تتعجب كيف تتغير الحالة.
كان الحزب في الوطن يقبل التبرعات التي تأتيه، وكانت قليلة بالنسبة للمطلوب، ولكنه لم يتوجه بدعوات للتبرع ولم يرسل لجاناً أو وفوداً لجمع المال. لأنّ الحزب رمى قبل كل شيء إلى تأسيس الثقة بالأعمال القومية وبالمنظمة القومية بصورة خاصة. وقد تألم رجاله كثيراً في هذا السبيل. وكانت الظروف الماضية لا تتطلب ما تتطلبه الظروف الحاضرة، وكانت المواصلات بين مركز الحزب وفروعه مسهّلة ومنتظمة. أما الآن فالموقف تغيّر والحالة تتطلب نظراً جديداً ومجهوداً جديداً في أوساط جديدة. وإني أريد أن أوضح لك بعض الشيء لعلمك واطلاعك أو ليبقى للتاريخ.
إذا نظرت في احتياجات المنظمة القومية في هذه الظروف وفي ما يتعلق بمكتب الزعيم وجدت أنها كما يلي:
1 ـ نفقات الزعيم الخصوصية.
2 ـ نفقات مكتب الزعيم الإدارية (رسائل وبرقيات ونشرات أو إذاعات خاصة وغير ذلك).
3 ـ نفقات الإذاعة التي تجري مؤقتاً تحت إشراف مكتب الزعيم في المهجر (طبع كراريس، إنشاء جرائد، توزيع نشرات عمومية، الخ).
4 ـ احتياجات المهمات السياسية في هذه الظروف (إرسال رسل أو غير ذلك أو الانتقال والسفر، الخ).
5 ـ وجود كمية احتياطية لأي حادث مفاجىء.
ففيما يختص بالرقم «1» يعلم المطلعون أنّ الزعيم كان يعمل عملاً خاصاً قبل تأليف الحزب ينال منه نفقته. وبعد إنشاء الحزب لم يتخلَّ الزعيم عن عمله الخصوصي الذي يأخذ منه معاشه (التدريس) حتى كان خريف سنة 1935 حين ألقت حكومة الانتداب الفرنسي القبض عليه وعلى أركان الحزب. وكان الحزب قد نما نمواً كبيراً وصار يتطلب مجهوداً أكبر وعناية دقيقة ووقتاً كثيراً وسهراً. وبعد السجن كان الحزب قد ازداد نموه فرأى الزعيم أنّ مسؤولياته لم تعد تسمح له بتعاطي أي عمل خصوصي، وأنّ الحركة تتطلب تكريس كل وقته للإدارة والسياسة والتثقيف والتنظيم والإرشاد، فضلاً عن الجهاد والمكافحة. ورأى الأركان وجوب ذلك، ورأى مجلس العمد والمجلس الأعلى وجوب إنشاء مخصصات لنفقات الذين يطلب منهم الحزب تكريس أوقاتهم لعمله فأنشئت وظائف نواميس وغيرها. وخصص مجلس الحزب نفقة معيّنة للزعيم، كان أحياناً يتناولها، وأحياناً لا يتناولها حسب الظروف، وعيّن المجلس وصادق الزعيم على مرتبات للموظفين الذين ليست لهم موارد خصوصية وكرّسوا وقتهم للحزب.
ثم كان أنه جرى تقرير رحلتي إلى المهجر لتأسيس الحركة وتنظيمها فيه وإشراك المهاجرين في المجهود العظيم الذي تقوم به الحركة القومية في الوطن. ولكن صحتي كانت قد انحطت كثيراً بسبب الجهاد. فوصلت البرازيل معيــي. وهناك حدث إقبال ونشاط لم يؤخرهما سوى إهمال الشخصين اللذين رافقاني، فحدثت وشايات سافلة من بعض السوريين جعلت المفوضين البرازيليين يفتحون تحقيقاً مع ويوقفونني رهن التحقيق مدة نحو شهر، استغلها مأجورو فرنسة لاختلاق الإشاعات في المهجر. ومع ذلك وبعد إعلان التحقيق براءتي مما نسب إليّ وجدت أنّ النشاط لم يقلّ. ولكن المدة المسموح لي البقاء فيها في البرازيل انقضت قبل أن أتمكن من تنظيم الأمور كما يجب. وبقيت صحتي سيئة ونشبت الحرب بعد مجيئي إلى الأرجنتين، واشتدت الأزمة السياسية وكثرت الأعمال الأجنبية في أوساط السوريين في المهجر. وكنت أنشأت في البرازيل سورية الجديدة ونظراً لمقاومة الأوساط الميالة لفرنسة هناك، وهي أقوى الأوساط، إذ بينها بيت يافث وبيت جورج معلوف وأمثالهم كان حملُ الجريدة غير قليل فتكلف به من قدر هناك. ولولا غيرة أحد الأعضاء الذي عنده مالية حسنة لما أمكن تسيير الجريدة إلى اليوم. ومتطلبات الجريدة جعل المجهود في البرازيل منصرفاً إليها وأهمل أمر الزعيم ومكتبه هناك. وبسبب الحرب انقطعت المواصلات المنتظمة بيني وبين المركز في الوطن ثم جرى اعتقال أكثر أركان الحركة هناك كما هو معروف.
في الأرجنتين سارت الحركة ببطء ودخلت في بادىء الأمر عناصر غير صالحة كحسني عبد المالك وغيره، فلم يمكن تنظيم العمل كما يجب في بوينس آيرس، خصوصاً لوجود أفراد متنفذين لم غايات خصوصية تتضارب مع العمل القومي المنظم. ونشأ في الداخلية فرعان: توكومان وسانتياغو فكانت توكومان أفضل الجميع. وفي برغامينو [فرقمينو] وكوردبة نشأ فرعان ولا يزالان قليلي العدد، ولعل برغامينو أكثر عدداً من كوردبة. وهذه الفروع، على قلة عددها لو تنظمت تنظيماً جيداً فيه شعور بالمسؤولية، وأوجدت جباية شهرية منتظمة لكان الأرجح أن تسد نفقات الزعيم وبعض نفقات مكتبه الضرورية الأولية. ولكن تبيّن مع الوقت، أنّ الجباية أمر صعب تنظيمه. لأنّ الشعور بالواجب والمسؤولية ضعيف في جماعة لم تتعود هذه الأمور من قبل. ولذلك لم يكن الاعتماد عليها كمورد يؤمن نفقات الزعيم وبعض نفقات مكتبة الأولية.
فرأيت أن أبحث هذا الأمر السنة الماضية، مع الرفيق الشهم الغيور المخلص كل الإخلاص، جبران مسوح. فأخذته الحمية وقال لي إنه سيسعى لتأمين مدخول خاص من الأعضاء المقتدرين يتراوح بين ثلاثمائة وخمسمائة ريال أو «باسس» أرجنتيني بواسطة اتفاق بينه وبينهم على أن يكتتب كل منهم بكمية شهرية. فخابر بعض الرفاق في توكومان وسانتياغو. وكان ذلك قبل سفرتي الثانية إلى كوردبة واتصالي بك وبأوساط المدينة وقبل سفرتي إلى برغامينو. فاكتتب عدد منهم ككامل عواد وجبران مسوح في توكومان، على أن يدفع كل واحد عشرين ريالاً شهرياً والبعض اكتتبوا بخمسة أو بعشرة ريالات. وهذا في توكومان. ووجد صديق قومي غير منتظم في سان خوان تكفّل بإرسال خمسين ريال كل شهر. في الشهر الأول نجحت العملية بعض النجاح وفي الشهر الثاني كذلك. ثم حدث فتور. ثم حدثت إشاعات غريبة حين عرف أمر خطبتي وعزمي على الزواج فاختلّ الأمر حتى اضطررت لإرسال كتاب بالبريد الجوي إلى منفذية المكسيك أطلب مالاً على وجه السرعة. وهناك أيضاً عندهم بعض المشاريع الإذاعية. وبعد الاختبار الماضي تبين أنه يمكن الاعتماد قليلاً جداً على انتظام الجباية وقليلاً جداً على اكتتاب المكتتبين. وأنا لم أكرّس كل وقتي للقضية إلا لما أعرفه من الحاجة إلى وجودي وعملي فيها. فبقي أمر نفقات الزعيم الخصوصية غير مستقر وظهر لي أنّ قليلين هم الذين يقدّرون الموقف ويشاركونني بالشعور بالمسؤولية. وهذا الأمر مطلوب من القوميين ومن الذين يؤيدون الحركة القومية ويشعرون بالحاجة إليها ووجوب انتصارها في المهجر أن يتخذوا موقفاً بشأنه. فإذا لم يفعلوا فسأنظر من جديد في الموقف. وإذا كانت هذه الأوساط لا تشعر بحاجتها إليّ فأنا لست محتاجاً إليها في أي شيء خاص، بل إني ضحيت بكل خصوصياتي في سبيل القضية، ومع ذلك فلست عاجزاً عن القيام بالأعمال التي تسمح لي أنا بأن أساعد الآخرين مادياً.
لذلك عندما جاء الرفيق مسوح من توكومان أعدت بحث هذه المسألة معه. ولكنها لم تكن أهم مسألة. فقد بحثت معه أمر متطلبات الموقف السياسي والفرص التي قد تكون الآن مقبلة والمساعي المطلوبة. فتناولت معه المسائل التي وضعتها تحت الأرقام 2 و3 و4 و5. وقلت له إني كنت أتمنى أن توجد إلى جانبي لجنة مخلصة مؤلفة من رجال لهم حمية ورغبة في السعي فأطلعها على قائمة الاحتياجات وتأخذ على عاتقها السعي لسد العجز وتدبير الاحتياطي الذي أوعز إليها أن تدفع منه بموجب أوامر صرف على القواعد الأصولية التي تنص عليها قوانيننا. ولكن لمّا كان أمر الوصول إلى هذه اللجنة يقتضي درساً ومخابرات طويلة، ولمّا كانت قد عرضت حاجات سياسية ملحّة قد تقتضي بأن أقوم برحلة، أو أن أكلف شخصاً السفر على نفقة الحزب، أو أكلف أكثر من شخص القيام ببعض مهمات لا يجوز إفشاؤها في هذه الظروف، كلفت الرفيق مسوح مخابرة عدد من الشخصيات في أمر الوصول إلى عشرة آلاف ريال. وكلفته في الوقت نفسه إعادة مساعيه الأولى للنظر في إمكانية تنظيم دخل يؤمن نفقات الزعيم الخصوصية بصورة دائمة إلى أن تنفرج الأزمة السياسية، على الأقل، أو ريثما تقوى معنويات الحركة وتنتظم أمورها أكثر في المهجر. والمسألتان مستقلة الواحدة منهما عن الأخرى كل الاستقلال.
وجدت المسألة الأولى، أي تدبير كمية كبيرة لاحتياجات الحركة، تحبيذاً في بعض أوساط توكومان وسانتياغو. ثم بلغني أنك كنت والرفيق [يوسف] الغريّب في حمامات ريو أوندو حيث التقيتما صدفة بعدد منهم، وأنّ نتيجة هذا الالتقاء تبشّر بالخير. وبقيت أنتظر تطور القضية من هذه الناحية.
الآن الموقف كما يلي:
1 ـ هل يوجد عدد من الأشخاص يهمهم الأمر ويريدون أن يتخابروا أو يجتمعوا لدرس هذه المسائل وما يمكن تأمينه في الأرجنتين منها وما لا يمكن تأمينه، أي درس ما يمكن الحصول عليه هنا.
2 ـ هل يمكن جمع كمية الآن، أو في وقت قصير، لأية حاجة سياسية مستعجلة؟
هذا هو الموقف وهذا هو المطلوب. وليس المطلوب النظر في أي عمل من أعمال الإحسان، لأنّ الحزب ليس جمعية خيرية ومتطلباته ليست من نوع أعمال الجمعيات الخيرية، والنظرة إلى هذه الأعمال تختلف عن النظرة إلى غيرها.
وبعد. فهذه جالية هنا يأتيها متعيشون فيبتزون أموالها. بعضهم إكليريكيون يأتون باسم مدارس أو كنائس، يعلم الله وحده أين تبتدىء وأين تنتهي، وماذا يصير بالأموال التي تجمع لبنائها أو لتسييرها، وبعضهم تجار وطنية وخطابات فيأخذون من الجالية عشرات ومئات الألوف. وتأتي نهضة قومية وقف رجالها أنفسهم وأموالهم على إنهاض الأمة فتحتاج إلى الوقوف وقفة المستجدي على الأبواب.
إنّ السيادة القومية والاستقلال القومي لا يتحققان بالاستجداء. وليس أتعس من هذا الجيل من شعبنا الذي يظن أنّ الاستقلال أكلة عدس، وأنّ تكاليفه هي فقط تكاليف أكلة عدس.
هذا ما قصدت أن تكون رسائل الرفيق مسوح واسطة لتنبيه الشعور إليه ــــ إلى الواجب الذي ينتصب في هذا الوقت العصيب ليحاسب أبناء هذا الجيل على ما سيورثون أبناءهم.
هذا ما يهمني أنا قبل كل شيء ـ قبل جسدي ومطاليبه القليلة، بل هذا هو الشيء ــــ القضية العظيمة ــــ الذي أحرق نفسي وجسدي لعل النور الذي يتولد من هذا الاحتراق يكفي لإضاءة سبيله!
في هذا أحصر الموضوع فإذا وجدت قلوب تخفق ونفوس كبيرة تشعر بالمطالب العليا السامية فهنيئاً لها. فإذا وجدت أنت سبيلاً لتنوير الذين حولك في هذا الموضوع فحسناً. أما إذا وجدت النفوس خاملة والعقول عقيمة فترك الموضوع أصلح.
إنّ ما تتبرعون به أنت وخليل [سعاده] ويوسف [الغريّب] يمكن أن يفيد في سد بعض احتياجات الزوبعة أو في تهيئة تكبيرها وإصدارها أسبوعية، لأنّ صحف البرازيل توقفت ويجب أن تكون للحركة صحيفة تعبّر عن رأيها وموقفها فأرجو أن يصير إرسال المبلغ، إذا كان هذا كل ما يمكن فعله في كوردبة، إلى الرفيق جبران مسوح ولاسمه.
وإذا أمكن، بعد عودة يوسف من جولته، بحث الموضوع الأهم والنظر في التخابر مع من تظهر منهم غيرة عليه كان ذلك حسناً.
يا ليت أنك قريب إليّ فكنت أحادثك بإسهاب لا تفي به الرسائل، ولكن الظروف لا تساعد دائماً على ما يود المرء. وقد تسعد في المستقبل.
أتمنى أن تكون وجميع أفراد العائلة العزيزة بخير. ولو كانت ظروفي تساعدني لاتصلت بكل منهم على حدة، فهم أشخاص يلذ لي محادثتهم ومعاشرتهم نظراً للتربية الصالحة التي أعطيتهم، والنيّة الحسنة التي ورثوها منك. وإني مقصر نحو الدكتور «فرير» الذي أظهر عناية واهتماماً بي أثناء وجودي في كوردبة، وأحب أن أحصل على اسمه بالضبط وعنوانه، لأبدي له عذري وأشكر له اهتمامه.
وأقبل أيها الصديق العزيز سلامي واحترامي. ولتحيى سورية.