3/11/1941
رفيقي العزيز وليم بحليس،
تسلمت اليوم كتابك الأخير المؤرخ في 1 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ففرّج عني كثيراً، لأنّ سكوتك طول المدة السابقة في هذه الظروف الحرجة جعلني أحسب حسابات كثيرة، خصوصاً وأنّ الأخبار الأخيرة من مينس تشير إلى ما يوجب الحذر. فقد كلّفت الرفيق نجيب [العسراوي] بمهمة، وفي أثناء وجوده في المدينة وقيامه بها دعي إلى مركز التحريات وسئل عن موعد قدومه والمدة التي سيقضيها ومتى يعود وأعطي مهلة بضعة أيام ليعود إلى مقر أعماله وإلا فيتوجب عليه العودة إليهم ليحصل على فرصة يومين آخرين، وهذا يعني أنه قد يكون المركز المذكور ألقى أذناً للوشايات الخبيثة من قِبل بعض الأعداء الذين يقصدون الأذية. وقد وردني من مينس كتاب جديد وليس فيه ما يدل على حدوث مفاجآت. لم يردني شيء من الرفيق إبراهيم [طنوس] وأنا لم أتمكن من الكتابة إليه وقد تسنح فرصة قريبة فأفعل. إنما أخبار نجيب أقلقتني نوعاً عليكم، نظراً لخبرتكم القليلة في هذه الشؤون وكيفية التصرف فيها، مع أنها ليست خطيرة أو خطرة كما يدل ظاهرها. وأكثر ما يخشى منها على روحية الضعفاء.
بناءً على حصول حادث الاستيضاح المشار إليه، أرى وجوب وضع الطريقة التي ذكرتها في كتاب سابق موضع التنفيذ، وأن تتخذ أنت الاحتياطات اللازمة فلا تحفظ شيئاً من الأوراق الرسمية والمراسلات في منزلك، بل تجعلها في صندوق صغير وتقفله وتضعه عند أحد الرفقاء الأمناء أو عند أحد الأصدقاء المخلصين الذين لا يشتبهون في شيء، أو تدفن المقضي من الأوراق تحت الأرض في مكان يمكنك الوصول إليه بلا عناء، أو ما يشبه ذلك، وتخبر الرفيق إدوار [مقدسي] بمحلها الذي قد يوافق أن يكون في بيت الرفيق غالب [صفدي]، مثلاً. ويجب أن تفعل ذلك بكل هدوء ولا تدع هذه الأخبار تتسرب إلى الرفقاء، ولا لزوم لإطلاع فؤاد [لطف الله] على شيء من ذلك. ولكن يحسن أن تطرح على الرفقاء في أحد الاجتماعات العمومية مسألة هل يجب التحفّظ أم لا يجب؟ ثم توصيهم بوجوب التنبّه وملاحظة كل أمر، ليس لأنه يوجد ما يخيف، بل لأنّ ذلك قاعدة عامة يسير عليها القوميون في كل مكان حفظاً لأعمالهم، ولأنّ هذه الظروف غريبة تقتضي زيادة الحيطة من أجل القضية وليس من أجل سلامة أحد، لأننا كلنا هنا من أجل القضية والسهر عليها لا على أنفسنا. وتحضر اجتماعاً خاصاً مع هيئة المديرية وتدرسون سراً الموقف والأشخاص، وما يحسن اتخاذه من تدابير الوقاية، وماذا يجب على كل واحد أن يجيب فيما لو دعي إلى مكان وسئل، وهذا الأمر يجب تمرين الأعضاء عليه كعمل عادي من تمارين التدريب. ويمكنك أن تتخذ في المراسلات اسماً مستعاراً «صالح» مثلاً، أو «صالح العمري»، وأنا أخاطبك بهذا الاسم وأضعه على غلافات الرسائل إليك، فتوصي الرفيق إدوار بأنه إذا ورد كتاب بهذا الاسم فيكون لك. وإذا سئل هو يقول إنه لا يعرف شيئاً. وهو أيضاً يجب أن يضع ما عنده من الأوراق الهامّة في مكان أمين.
ويجب عليك، في هذه الظروف، أن لا تؤخر اتصالك بي أكثر من مرة واحدة. فإذا لم يمكنك إعطاء جواب كامل فلا أقل من إشعار بذلك، وبأنّ كل شيء هادىء وإنك ستكتب فيما بعد. وفي مثل هذه الظروف يجب أن لا يفتقر مكتبي إلى معلومات.
وقفت على ما قلته في أمرك الذي كنت أتصوره جيداً، وأقول لك إنّ أمري ليس أفضل. وأنا أيضاً قد أصبحت رب عائلة وزوجتي تشتغل في عملها لتعينني. وقد كان عملها مساعداً لي على اجتياز الأزمة الماضية. وقد يكون لي ولد بعد وقت قصير. ومع ذلك فإني سأفعل كل ما في مقدوري لأدفع عن بلادي ظلمة المستقبل وعواقب هذه الحرب. وسأرى كيف تتطور المسألة في شأنك. وبعد تبقى مسألة الزوبعة التي يجب ألا تقف، بل أن تضاعف عملها وتوسع انتشارها لتؤيد الأعمال المزمع أن أقوم بها، وتوضح للرأي العام ما يجب إيضاحه. وهذا أمر لا أقدر أن أعتمد على الرفيق [جبران] مسوح فيه، لأنّ الرفيق مسوح كاتب ذو أسلوب خصوصي ولكنه ليس صحافياً ولا سياسياً. وكم فضّلت أن تكون أنت وجدت بقربي هذه المدة، إذ قد لا يكون هنا غيرك يقدر على القيام بمثل هذا العمل نظراً لاختبارك واستعدادك الشخصي. ولو أنك حاولت تمثيل بعض المعامل البرازيلية هنا، أو درس مسألة وجودك هنا مع السيد نديم عبود، فقد تتمكن من تأمين ربح أكثر مما تربح الآن هناك. وفي هذه المدة سندرس الحالة. وقد أتوفق إلى شخص هنا للاهتمام بالجريدة وسنرى.
سرّني أنّ الرفيق فؤاد [لطف الله] قَبِلَ كتابي بروحية عالية تنمّ عن فهم. وإذا أمكنه مساعدة المشروع المقبل عملياً فإنه يكون أدى خدمة تذكر. وقد كان ما جاء في كتابه الأخير موضوعاً لي كتبت فيه مقالة افتتاحية للعدد 31 من الزوبعة1. وسأكتب إليه قريباً.
لم تعد تذكر لي شيئاً عن الزوبعة، وهل عاد وصلك ما كنت كتبت أنه لم يصل من العدد الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، وهل وصل العدد 30 إلى الناس وكيف كان وقعه عندهم؟ إنّ العدد 31 تأخر قليلاً ويصدر غداً وفيه حلقة هامّة من «جنون الخلود» تطيّر أوهام كثير من الناس، فمتى وصل أحب أن أعرف تأثيره.
إنّ السيد فيليب [لطف الله] أخا فؤاد كان قديماً أحد الأفراد الذين انضموا إلى حزب جديد أسسته بعد خيبة جماعة «الرابطة» سنة 1925 أو 1926 باسم حزب الأحرار، وهو جدير بأن لا يترك هذه الرفقة القديمة. ولكنه تأثر في المدة الأخيرة بمعاشرة أمثال السيد فارس نمر و«الرجال الكبار» الذين يقتلون كل شيء ليقولوا إنهم أذكياء يعلمون أنه لا حياة في شيء! وهذه هي الصعوبة. الزوبعة نشرت قصيدة2 لفيليب وهي حسنة.
قد وجدت التدابير التي اتخذتها في سنطس حسنة، وإني أثبت هذه التدابير ويمكنك تبليغ ذلك لمن يلزم وتوصي المسؤولين هناك أني أنتظر منهم عملاً ونتائج. أما الشخصان المقلقان فيجب اعتبارهما «في حكم المطرودين» فلا حقوق لهما في ممارسة العضوية، إلا إذا طلبا العودة وقبول جميع شروط النظام، وحينئذٍ يمكن النظر في أمرهما، وإفهامهما بأي شكل يمكن قبولهما. ويصبحان في هذا الحكم من غير ضجة بل بإيعاز إلى المسؤولين بإهمالها.
أريد منك أن لا تتساهل في مثل ما يقوم به الرفيق سليم معلوف، فتفهمه أنّ أي عمل يتدخل فيه بطرق غير قانونية، وبغير تكليف من مرجع أعلى، يعدّ خروجاً على النظام، ومحاولة إفساد الروحية، وتوليد الشك، وإنك تضطر أن توقفه عن العمل وترفع تقريراً به إليّ لاتخاذ ما يناسب في صدده، إذ إني عيّنتك أنت مرجعاً للأمور لتراقب الآخرين وتديرهم وليس ليديروك. أما من كانت له شكوى فيمكنه أن يرفعها إلى الزعيم رأساً وينتظر جوابه. أما القيل والقال بين الأعضاء فشيء لا يمكن السكوت عليه. هذا ما أقوله الآن بسرعة لقرب موعد البريد وأنتظر خبراً منك في البريد القادم في موعد كتابك الأسبوعي.
سلامي لك وللرفقاء ولتحيى سورية .