9/12/1941
رفيقي العزيز وليم بحليس،
تسلمت كتابك الأخير وأنا في حالة صحية غير حسنة. وكنت تسلمت كتاباً من الرفيق فؤاد [لطف الله] سررت به لقوة عقيدته وللإخلاص والنفسية العالية اللذين يتجليان فيه والأرجح أني سأجيبه، ولو بتضحية ومجهود كبير، في هذا البريد عينه.
إنك ابتدأت في سان باولو الاصطدام بحالة معظم شعبنا النفسية السيئة، التي لولا فسادها لكان الحزب السوري القومي اليوم في غير حالته الحاضرة تجاه الشؤون والقضايا السياسية الكبرى. والطريقة للتغلب على هذه الحالة في سان باولو هي في اصطفاء واحد أو اثنين أو ثلاثة من الشبيبة، وليس من المتقدمين في العمر، ومتابعة الامتزاج بهم والتحدث إليهم والبحث معهم في تدرّج من البسائط إلى المركبات حتى ترسخ فيهم المناقب الجديدة، ويتمكنوا من العقيدة والنظام، ويلمّوا بمشاكل الموقف، ويعرفوا كيف يسلكون تجاه غيرهم من الأعضاء وتجاه اللاقوميين. إنّ بناء النفوس الجديدة هو أفضل من ترقيع النفوس القديمة المريضة ونتيجة ذاك العمل غير نتيجة هذا. إنّ هذه الطريقة فيها ما يجلب الملل أحياناً، خصوصاً وأنها طويلة. ولكنها الطريقة الوحيدة الفعالة التي تعطي نتائج جيدة أكيدة. فيجب أن تكون معلم أحداث مدة لتكوِّن نواة أو سلسلة فقارية للفرع يمكنك الاعتماد عليها دائماً وتكون دعامة الفرع تحت جميع الظروف.
إنّ الرفيق إلياس فاخوري ليس من «كبار القوميين». ولكنه يحوز فضائل صالحة. ومن جهة أخرى عيوبه من الوجهة النظامية والنظرة المناقبية الجديدة كبيرة. فهو من أبناء النفسية العتيقة وتفكيره من النوع العادي وثقافته محدودة وسطحية. ولكنه رزين هادىء. ومع رزانته وهدوئه لا تنام رغبات النفسية الماضية فيه إلا قليلاً. فهو يحب أن يكون ذا شأن ومركز عالٍ، وقد لا يكون بعيداً عن الحسد أو الغضب لتقدم غيره الذي يستره وراء رزانته، ثم يعمد إلى ما يعمد إليه أكثر الذين لم يتجددوا تجدداً حقيقياً بالروح القومية. وهو قصير النظر في الأعمال الإدارية والسياسية. ولكنه مخلص للعقيدة والقضية فهو حسن النية مريض النفسية. وقد اختبرته مع آخرين في بداءة العمل القومي في بوينس آيرس فكانت النتيجة صفراً بلا زيادة ولا نقصان. ولكنه كقومي نظامي سعى لإدخال آخرين من معارفه وهذا كل عمله. وهو يعرف حسني عبد المالك جيداً، ومع ذلك فقد كتم عني مساوىء هذا الشخص ليس عن سوء نية ولكن عن جهل بمتطلبات الوضع الجديد والعواقب الوخيمة للكتمان. وكانت النتيجة أنّ حسني عبد المالك حاول، بمساعدته سفالة خالد أديب، الطعن في عرض الفاخوري. وحينئذٍ تحرك الرفيق الفاخوري وأرسل يطلعني على بعض سوابق حسني عبد المالك.
وقد وجهت، لأول مرة، كتاباً إدارياً إلى الرفيق إلياس الفاخوري ليعلم نتيجة تصرّفه والنظرة الإدارية إليه. وإني أضع هذا الكتاب ضمن غلاف غير مغلق لتطّلع عليه وتنسخه لحفظ نسخة عنه عندك ثم تلصق غلق الغلاف وتسلّمه أو ترسله إليه.
والآن بما أنّ منطقة سان باولو قد أصبحت فرعاً بدرجة منفذية نظامية، فيجب أن تبتدىء بين المنفذية ومكتب الزعيم المراسلات الرسمية حسب الأصول، فتشتمل على كل ما هو إداري وإذاعي وسياسي لحركة الفرع فقط، وتبقى الأمور الخصوصية من أحاديث وأفكار خارج هذه المراسلات الرسمية، فتوضع في كتب لها صفة خصوصية كهذا الكتاب الذي أرسله إليك. وإني فرسل معه كتاباً آخر رسمياً موجهاً إلى المنفّذ العام المسؤول تجاه الزعيم عن الأمور والأعمال المتعلقة بفرع سان باولو وإدارته. وهذه المراسلات الرسمية لا تخصك بل تخص المنفذية فيتسلمها الخلف عن السلف ليستنير بها ويقف على سوابق سير الفرع. فالرسائل الرسمية الواردة إلى المنفذية من مكتب الزعيم أو غيره من المراجع العليا والواردة من المديريات التابعة للمنفذية تدخل في وقائع جلسات هيئة المنفذية، وتودع في دائرة سجلاتها التي يشرف عليها ناموس المنفذية ويعتني بحفظها.
إذا أمكن إقناع الرفيق فؤاد والرفيق غالب [صفدي] بالعمل في هيئة المنفذية، خصوصاً الرفيق غالب، فإنّ ذلك يكون حسناً. والأمر ليس صعباً بمقدار كبير لأنّ أعضاء هيئة المنفذية لا يتدخلون كثيراً مع الأعضاء، وتدخّلهم يكون بالأكثر في شؤون المديريات مع هيئاتها الإدارية. وما دمت أنت تقوم بالتدخل في جميع الأمور التي توجب هذا التدخل فأعضاء هيئة المنفذية يمكن أن يسدوا فراغاً ويعاونوك بإيجاد هيئة محترمة ترفع المعنويات ومستوى العمل النظامي. ولا أدري ما يعمل الرفيق توما [توما] فهذا الرفيق ذو اختبار في الماسونية، وإذا أمكنك الامتزاج معه واكتساب تعاونه فإنه يكون مفيداً، خصوصاً إذا أنقذته من بعض علل النفسية القديمة.
يوجد في سان باولو شخص من عائلة دوماني وهو رجل مهذب، وأعتقد أنّ اكتسابه يفيد وغالب يعرفه، وأرجِّح أنّ فؤاد يعرفه أيضاً. وكم أتمنى أن أتمكن من زيارة سان باولو فإنّ النتيجة هذه المرّة غير ما كانت النتيجة المرّة الماضية. ولكن تطور الحرب يجعل احتمال هذه الزيارة أقل مما كان.
إنّ البلاغ المرسل مع هذا الكتاب إلى مديرية سان باولو ليتلى على الأعضاء، يجب أن يقرأ بترتيب وهدوء ووضوح، لتصل نقاطه إلى أذهان الأعضاء ويعرف كل منهم مسؤوليته. التساهل يجب ألا يكون في الشؤون الجوهرية للنظام القومي.
أتمنى أن تكون والعائلة بخير. ولتحيى سورية .