10/12/1941
رفيقي العزيز نجيب العسراوي،
وردني اليوم كتابك الأخير المؤرخ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وأنا أهيىء عدة رسائل لسان باولو، إدارية وخصوصية، فرأيت أن أجيب عليه في الحال ليذهب في بريد الغد، إذ قد يقلّ البريد فيما بعد بسبب تطور الحرب.
ظهر لي من كتابك أنك لم تكن قد تسلمت كتابي الإداري والخصوصي اللذين أرسلتهما في البريد العادي بعد كتاب البريد الجوي. وق فهمت الآن من كتابك ومن كتاب وردني مؤخراً من الرفيق وليم [بحليس] أنّ «بعض الرفقاء» الذين عنيتهم في كتابك السابق هم وليم [بحليس] وإدوار [سعاده]، ولو أنك ذكرت لي أنّ الرفيق وليم هو الذي دعاك للقدوم لما استغربت عزمك عليه، إلا من جهة عدم مناسبة انتقالك قبل انكشاف مسألة التحري التي لم تكن قد انجلت حين أخبرتني بعزمك على التوجه إلى سان باولو. ومع ذلك فإنّ المعلومات الواردة في كتابك تثبت تحفّظي تجاه عبارة «بعض الرفقاء». فلا الرفيق إلياس الفاخوري ولا الرفيق إدوار سعاده له صلاحية دعوتك لزيارة منطقة سان باولو، إلا إبداء رغبة خصوصية من قبلهما لا يصح الاستناد إليها أو إظهاراً لشعور طيب نحوك. والذي يصح الاستناد إلى دعوته هو المسؤول الأعلى في سان باولو وأنت لم تذكره لي ولا هو ذكر لي أنه أرسل يدعوك. فجاءت عبارتك «بعض الرفقاء» غير جلية لي ولم يتمكن عقلي الدقيق النظام والأسلوب من هضمها كم هي. فظننت أنّ هنالك مسائل غير واضحة وأنّ بعض الرفقاء يتجاوز الطريقة النظامية كما ثبت من كتابك في دعوة الرفيق الفاخوري الذي كان يجب أن يقتصر على تقديم اقتراح بهذا المعنى إلى رئيسه، وليس دعوة إلى رئيس منطقة أخرى رأساً. أما الرفيق إدوار فقد ظهر أنه تصرّف بناءً على توصية من رئيسه، فضلاً عن شعوره الخصوصي نحوك الذي أظهره لي في كتاب منه بعد اجتماعكما. وإني أخشى كثيراً من عواقب «رفع التكليف أو الكلفة» الذي يتذرع به بعض الأعضاء لاكتساب منزلة ونفوذ أو تدخّل في شؤون واسعة قد يأتي بنتائج سيئة.
إني كنت حبذت فكرة زيارتك لسان باولو في وقت مجيء الرفيق وليم إليها وقت أزمة الجريدة، وكان أبدى هذه الفكرة الرفيق إبراهيم طنوس، لأنه يقدّر نظرك في الأمور. وأنا استحسنت الفكرة وأجبت الرفيق طنوس مشجعاً، ولست أدري إذا كنت كتبت إليك أيضاً أو أني اكتفيت بجوابي إلى الرفيق طنوس، والحقيقة أنّ وقتي ضيق جداً حتى إنه ليقبض أحياناً على خناقي. والآن وقد انقشعت الغيمة التي سببت قلقاً فأية زيارة أو مخابرة لزيارة تجري بينك وبين رصيفك لفائدة القضية فلا مانع منه، إذ لا مانع من التعاون. ولكني أود أن تتخلّصا بلطف من تدخّل غير ذوي الصلاحية في الشؤون الإدارية. و«كثرة الطباخين تشوشط الطعام».
كنت قد أظهرت لك في كتاب سابق رغبتي في أن تكون أنت والرفيقان وليم وإبراهيم معي، والحقيقة أني أود لو كان أمكن ولو واحداً فقط منكم أن يكون إلى جانبي ليعاونني في بعض أشغال المكتب وبعض الأعمال هنا. ولكن الصعوبة هي في الناحية المادية فالرفيق طنوس عنده عائلته وكذلك الرفيق بحليس. وأنت لست أدري كم من الأشخاص عليك أن تعوّل. ولست أدري إذا كنت راضياً عن مقامك حيث أنت، أم تحب تجربة مكان جديد وعمل جديد. فما قولك بالسعي للحصول على وكالة معامل صناعية برازيلية في الأرجنتين؟ فالمعاهدة الجديدة بين القطرين تسمح بتقوية الصلات التجارية وصناعة البرازيل تحتل اليوم مركزاً في سوق الأرجنتين. وهنالك صناعيون سوريون يوافقهم مدّ تجارتهم.
في الكتاب الخصوصي المرسل في البريد الماضي أبديت لك رغبتي في سماع صوتك الروحي، وليس فقط أجوبتك الإدارية، إني كنت دائماً أفكر أنك من القوى الفكرية أيضاً. وحتى الآن لست أدري مواهبك الأخرى، وأي مجال يكون أفضل لإعطاء معظم نتاجها، هل هو مجال الإدارة أو مجال السياسة أو مجال الإذاعة؟ ولو كنت قريباً مني لتفاهمنا أكثر وبسرعة. وفي كل حال أحب أن تساهم في المسائل الفكرية ومهما خطر لك فلا تكتمه.
وفي كتابي الإداري الماضي تجد تشديداً من قِبلي على وجوب إعطاء هيئة المنفّذية عناية لكي لا تكون صفراً على الشمال. لأنّ ذلك لا يليق بنظام حزبنا. ومنه تدرك كيفية تخطيطي للمستقبل. فهو في المؤسسات الثابتة فهذه يجب أن تعطى أهمية كبيرة لأنّ الأشخاص يتقلبون على المؤسسة الواحدة ويتداولونها ولكنها هي تبقى واحدة. وهنا أهميتها. ولذلك شددت في كتاب سابق بفتح دائرة السجلات التي يتناولها الخلف من السلف فتعينه على فهم الموقف بما هو مسجل في الماضي.
إنّ تطور الحرب الجديدة قد يعطل بعض الإمكانيات والمشاريع التي كانت جارية. ولكن لا يمكن الجزم بشيء الآن. أهنئك بنجاحك في جمعية الاتحاد السوري. فهذا فتح أتمنى أن يثمر. وقد وصلني كتابان من بلو أورزنتي تهنئة بالسادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الواحد من الرفيق نسيب حمود حمزة والثاني من الرفيق جورج نصار والرفيق داود. أتمنى لك التوفيق الخاص والعام. ولتحيى سورية .
ملاحظة: إذا تطورت الحرب بحيث توضع الرقابة على المراسلات مع الخارج فحينئذٍ تصير المراسلة بصورة غير رسمية شكلاً، وبالتلميح والاختصار.