إلى نعمان ضو

21/1/1942


رفيقي العزيز الشيخ نعمان ضو،
كم تأسفت لأني لم أتمكن من الجواب على كتابك في الحال. ولكن مشاكل هذا الجيل كثيرة. وقد عرضت مؤخراً أمور في إحدى النواحي أوجبت اهتمامي السريع لوضع كل شيء في محله.
سررت جداً وقرينتي بوصولك سالماً إلى أهلك. وقد قالت قرينتي «هذا الشخص يحمل في صدره قلب رجل». إنّ الذين حاولوا هنا الظهور بمظاهر القوميين كانوا بعيدين عن الرجولة وعن صحة المبادىء.
إنّ زيارتك كانت قصيرة جداً بالنسبة لمعنى وجودك بقربي، ولكنها كانت من هذه الأوقات التي لا شبيه لها في هذه البلاد، لأنها مختصة بتلك الهضاب المخضلة المظللة بتيجان الصنوبر بين مطل الدير وسنديانة زرعون.
إنّ الجالية فقيرة بذوي الأخلاق والمناقب. والأنانيون كثار وطالبو المصلحة العامة قلائل.
ومع ذلك فلا أظن أنّ الحالة ستدوم على حال. وقد نشط مؤخراً بعض الرفقاء الجدد وحدثت حركة شبيهة بالحركة التي قمت بها أنت هنا وينتظر نتائج حسنة قريباً. وقد زارني بعد سفرك السيد محمد خير (الدين)، حاملاً الهدية التي كنت كلّفت بإيصالها إليَّ. فوجدته رجلاً نيّراً، حسن النية. وكان مزمعاً على سفر إلى مرسادس. وقد وعدني بالاتصال بي بعد عودته، ولست أدري هل عاد الآن أم لا يزال متغيباً. أما الدكتور محمود فقد وضعت اسمه بين قُرّاء الزوبعة لتصله الجريدة بانتظام ولكن لم أعد أعرف عنه شيئاً. وقد أخبرت أنّ قدومه كان بدعوة بعض الجمعيات المحمدية ليكون طبيباً لها ويعيّن له معاش دائم، وأنّ المطرود خالد أديب يسعى لأن يوظفه في جمعية صغيرة تضم نفراً من الخاملين الذين يعدّون على أصابع اليد، وغير ذلك لست أعرف ما سيكون موقفه من ذاك المسعى أو من الحركة القومية. فإذا عاد السيد محمد واتصل بي فيمكن حينئذٍ إعادة الصلة بواسطته مع الدكتور محمود.
الحلم والرقة: أما ما تأمله من هذه الناحية فموجود بكثرة، ولكن المتعنتين وأصحاب الغايات لا يرضيهم شيء. وعندما يفشلون يأخذون في لوم الزعيم أو في انتقاده [....]. وبعض الناس كان ضررهم من كثرة الحلم معهم كخالد أديب مثلاً [....] كان مندفعاً كثيراً ولو أني استعملت الشدّة معه بدلاً من الحلم والرقة ولم [....] الأرجح أن يكون باقياً ضمن الحركة. وأنا كنت مدركاً ذلك ولكني كنت بعيداً [....] وكنت مضطراً لقبول الموجود. وغيره عدد غير قليل أصابهم من نوع ما أصابه [....] كثرة الحلم والرقة ولطف الزعيم في معاملة أي كان من القوميين وغير القوميين. ولو أنّ الزعيم ظل بعيداً عنهم لا يظهر إلا في المواقف الرسمية لهم، لكان ذلك أدعى إلى إبقاء هيبته عند من لم يتعودوا الروح الديموقراطية ولم يعرفوا من أرباب السلطة غير الأمر والترفع عن الناس. وهنا يظهر مقدار الحاجة إلى أعوان فاهمين يحولون بين أي من الناس والزعيم، ويحفظون حرمة مركزه كممثل للشعب السوري القومي. ولا بدّ من بروز بعض أشخاص فيهم ولو بعض الجدارة لسد جانب من هذا الفراغ، وحينئذٍ تتغير الأمور.
تهنئتك لي بقرينتي تحمل الشعور الجميل والفكرة الجيدة اللذين أعرفهما فيك. والحقيقة أنّ قرينتي كانت عوناً لي وساهرة عليَّ ليس من أجلي أنا فقط، بل من أجل القضية التي لا تتأخر عن خدمتها بكل قدرتها.
أما صفية فهي تنمو يوماً بعد يوم وصحتها جيدة. وقد كانت مسرورة ببعض النزهات. وقد لبست هديتك باسم هند التي كانت لطيفة لها.
أتمنى أن تكون وعائلتك بخير وتشاركني ضياء (جولييت) بهذا التمني. وقد قرأت لها عبارتك فيها فقالت: «كم أكون سعيدة إذا كنت كما يصفني الشيخ نعمان».
وعسى أن يكون الموسم مقبلاً معك فتكون موفّقاً في أشغالك. واقبل والعائلة سلامي وسلام قرينتي. ولتحيى سورية .
بعد: مقالتك نشرت في العدد الأخير1. وقد عدلت بعض العبارات تعديلاً خفيفاً محافظة على قوة الموقف الصريح ضمن المعنى المقصود. فإذا وجدت شيئاً تحب إبداءه لي فافعل، ففي اعتقادي أنّ الأصل والجوهر باقيان كما كان والتعديل كان قليلاً جداً وفي النقاط [...] فقط.
يترجح أن أغيب إلى كوردبة حتى 5 فبراير/شباط القادم.

المزيد في هذا القسم: « إلى يوسف الغريب إلى وليم بحليس »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.