إلى وليم بحليس

22/1/1942


رفيقي العزيز وليم بحليس،
تسلمت كتابك المؤرخ في 4 يناير/كانون الثاني الحاضر ولم أتمكن من إعطاء جواب عليه قبل الآن لأشغال مستعجلة عرضت. والآن أجيب باختصار كلي لضيق الوقت ولتأهبي للسفر إلى مدينة كوردبة بعد يومين حيث أبقى نحو عشرة أيام وأعود.
الكتاب أو الكتب: إنّ الرفيق فؤاد [لطف الله] كان ذكر لي أنه مستعد لطبع أكثر من كتاب واحد، وأعتقد أنه يقصد أن يطبع كتاباً كل مدة. وأنا أترك هذه المسألة بكلّيتها لما يراه مناسباً. وبما أنه قرر تقديم نفقة طبع كتاب، أرجّح أنه نتيجة مقالات «جنون الخلود»، وبناءً على الحساب المقدم من مطبعة الرفيق جورج [بندقي]، أقول إنّ المبالغ التي ستنفق لهذا الكتاب ولغيره هي شيء يمكن، على أساسه، التفكير بإصابة عدة غايات برمية واحدة، وذلك باستخدام طريقة إدغام المشاريع المتجانسة التي غايتها واحدة: تنوير الأذهان في القضية وترقية الثقافة وتوسيع انتشارها.
إنّ المبلغ المحسوب لطبع 000.5 نسخة يصل إلى رقم ثلاثين كنط تقريباً. إذا أمكن إضافة ثلاثين أخرى أو عشرين كنط إليه تجمّع لدينا رأسمال صغير يصلح لإنشاء مطبعة صغيرة هنا للزوبعة. فإذا تمّ ذلك أمكن تكبير الزوبعة حتى تقبل مراسلات من الجوالي، وتهتم بمواضيع أخرى ضرورية ويهتم لها الناس، فتصبح الجريدة جريدة جميع المهاجر السورية، وتصير واسطة لتعارف الجاليات والعناصر الجيدة فيما بين الجوالي السورية في أميركا، إذ تضاف إلى فوائدها الحالية فوائد الرسائل الإخبارية من جميع الجهات. وأمكن أيضاً طبع كتاب المسيحية والإسلام بمبلغ أقلّ، ثم أمكن طبع عدة كتب أخرى بطريقة اقتصادية توفر نحو ثلثي المبلغ، وذلك بوسطة نشر الكتب في الجريدة أولاً ثم جمعها أو طبعها في الوقت عينه على حدة لتكون كتباً، فيتوفر الرصف، وهو الأهم، ويبقى ثمن الورق وأكلاف الطبع فقط، وهي زهيدة، ويمكن التوفير فيها متى كانت المطبعة خاصة. وقد كان القصد في الأول الاستفادة من هذه العملية في «جنون الخلود»، إذ كانت التعليمات الأولى إلى سورية الجديدة قبل كف أيدي فؤاد وتوفيق بندقي عنها أن تطبع المقالات فوراً في كتاب، على أن تعطى التعليمات بحذف ما استحسن حذفه منها حين نقلها إلى الكتاب. ولست نادماً على أنّ الكتاب لم يطبع على هذه الصورة، إذ يصبح الآن في الإمكان تنقيحه وزيادة بضعة إيضاحات تجعله أتمّ وأكمل. ولكن الكتب الأخرى لا تحتاج لذلك، فخطب الزعيم تبقى كما هي ولا تحتاج لسوى مقدمة وبعض الشروح على الهامش، وهناك عدد من الوثائق كالمذكرة إلى جامعة الأمم والمذكرة بشأن المصالح المشتركة وغيرها.
إنّ تحويل هذا الرأسمال إلى مشروع ثابت يؤمن استمرار الطبع فيخرج كل مدة كتاب جديد بأكلاف قليلة، وتكون الجريدة تقدمت وأحرزت استقلالها المادي الذي يساعدها كثيراً على تأدية رسالتها بقوة أكثر. وما يؤسفني أنّ الجريدة ليست حرة الآن لتتدخل في شؤون ضروري التدخل فيها في جالية الأرجنتين، بسبب أنّ المطبعة التي تطبع فيها متعلقة بمطبعة الجريدة السورية اللبنانية التي يهيمن عليها رجل اسمه موسى يوسف عزيزة، أنشأ مصرفاً بأموال الجالية، وحوّل هذه المؤسسة إلى شبه شركة تجارية خصوصية هو أكبر مساهميها، وذلك بواسطة التلاعب وسحب الأسهم من أيدي صغار المساهمين بطرق شيطانية. وأنشأ أيضاً عدة جمعيات لها صبغة عمومية ولكنها كلها للنصب على الجالية. ولو كانت الجريدة مطلقة اليدين لكانت قامت بحملة قوية غيّرت فيها الحال هنا. ولا يمكن الطبع في مطبعة أخرى إذ الجميع أعداء وجواسيس.
يمكن الاستفادة من الذين أظهروا رغبة في التبرع في سان باولو والريو لطبع «جنون الخلود»، فإذا كان بيت أسعد يرغب في تقديم النفقة أو بعضها، ووجد في ريو من يرغبون في ذلك فيمكن مخابرتهم حالاً في هذا الصدد، وعرض المبلغ عليهم كما قدمه الرفيق جورج وبعد اقتناعهم وقبولهم يصير تحويل الطبع إلى بوينس [آيرس] بطلب من المؤلف فيدفعون المبلغ أو بعضه. ويضيف مثل هذا المبلغ الرفيق فؤاد فنباشر هنا بإيجاد المطبعة ووضع الكتاب وتكبير الجريدة وزيادة صدورها في وقت واحد. وبهذه المناسبة أكلّفك معرفة إذا كان الرفيق جورج يريد الاحتفاظ بحروف الماكنة أو يريد بيعها، فإذا أمكن شراؤها للزوبعة كان حسناً جدً. وإذا أراد إبقاءها فقد نجد هنا غيرها، ولكن يحسن ابتياع جهاز الحروف الصغيرة التي اشتراها جورج من السيد جورج مسرة وهي تصلح للحواشي والهوامش.
الفاخوري: لم يعد لي جلد ولا وقتي يسمح لي بالإطالة في هذه الأمراض النفسية. فالذي أريده هو أن ينزع الرفيق [إلياس] الفاخوري النظرة الخصوصية في المسائل النظامية، وأن يعلم أنه لا قيمة للعلاقات الشخصية في هذه المسائل، وأن يعرف حده فيقف عنده. وإني أفضّل أية نتيجة على بقاء الخصوصيات وتدخّلها في العموميات والنظاميات. والذي أراه هو تقديم الكتاب إليه مع شرح المسألة له ومساعدته على فهمها كما يجب، لأنها مسألة نظامية، وجميعنا يجب أن نبرهن أننا تحت النظام، وأننا نفضّله على كل نظرة خصوصية مهما بدت للواحد منا جميلة أو صحيحة.
مسألة الرفيق غالب: أعتقد بما يشبه اليقين أنّ المسألة لا تتعدى حد سوء تفاهم أو سوء إيضاح أو تعبير من قِبل الرفيق غالب [صفدي]. فأنا أعرفه وأعرف محبته وتقديره للرفيق فؤاد، ولا مجال عندي للظن بأنه يعني الحكم على مواهب فؤاد الشخصية. والذي أقدّره أنّ غالباً أراد أن يقول إنّ كل قومي يخدم بأكثر اختصاصه وإنتاجه. وإنه لمّا كان الرفيق فؤاد قد تخصص للصناعة والتجارة والنواحي المالية والاقتصادية فإنّ خدمته تكون منتظرة بالأكثر من هذه الناحية من غير تجريد فؤاد من أية قيمة شخصية له في ذكائه وآرائه. ولكنه أبدى رأيه بصورة ناقصة ومن غير روية في دقتها أو لثقته التامة ببعد نظره عن أي تقليل لأهمية صديقه ورفيقه الشخصية. وإذا حلّلنا كلام الرفيق غالب، كما ورد في كتابك عن لسان الرفيق فؤاد، لا نجد له قصداً غير القول إنّ الحاجة المالية ماسّة وإنّ الرفيق فؤاد أقدر الجميع على سدها، وإنّ ذلك منتظر منه أكثر من غيره وأكثر من المسائل الأخرى التي لم يتخصص لدراستها ومعالجتها كما تخصص للمسائل الصناعية والمالية. وفؤاد نفسه يعترف بانصرافه وانهماكه في هذه المسائل حتى لا يبقى له وقت كافٍ للغوص في مسائل سياسية أو إدارية أو حقوقية واسعة ودقيقة وتتطلب انصرافاً وانهماكاً لا يقلان عن انصرافه وانهماكه في المسائل الصناعية والمالية. ولمّا كان كان لا يوجد الآن مسائل صناعية ومالية مطروحة على بساط البحث كان التبرع المالي في الدرجة الأولى، نظراً للحاجة. وذلك لا يقلل مقدار ذرّة من قيمة مواهب الرفيق فؤاد الفكرية العملية. وأكرر القول إني لا أعتقد أنّ الرفيق غالب يعني أنه لا قيمة شخصية، فكرية أو عملية، للرفيق فؤاد إلا في ماله. وهكذا تكون المسألة رأياً شخصياً أظهره الرفيق غالب بصورة ناقصة وغير مضبوطة.
وأفضل طريقة هي أن يهمل الرفيق فؤاد الناحية غير الصريحة من تعبير الرفيق غالب وأن لا يتجنب التعاون معه في أي اجتماع أو بحث. وذلك يعطي نتيجتين:
1 ـ جعل غالب يفهم فؤاد أكثر.
2 ـ إيجاد الفرصة لاختبار غالب أكثر ومعرفة هل حقيقة يعتقد هو أنه لا أهمية ولا وزن لآراء فؤاد وأعماله. وفي حالة تحقق الظن الأخير يجب إبلاغ الإدارة العليا لتعمد إلى إصلاح الرفيق غالب فنكسبه بدلاً من أن نخسره بالترك. وأظن أنّ هذا التصرف هو من واجبات كل قومي فاهم المناقبية. وأعتقد أنّ الرفيق فؤاد يقدر أن يبرهن أنه أكبر كثيراً من بعض المعاني الناقصة، وأنه قدوة في الاهتمام بما يفيد المصلحة العامة ويقدّمها على المصلحة أو النظرة الخاصة. وفؤاد وغالب رفيقان حبيبان يقدران على إفادة العمل وعلى إزالة كل سوء تعبير أو سوء تفاهم، وإني أثق بأنّ ذلك سيحدث ومتى ابتدأ التعاون من جديد بينهما بصورة نظامية أمكن إيجاد مشاريع جديدة وفوائد جديدة والتغلب على كل صعوبة بواسطة النظام.
المال: أي مبلغ كان عندك لاسمي فأرسله وأرسله سريعاً فهذا هو الصواب. إني لا أقصد معرفة هل كنت تعلم بقدوم السيد نديم عبود أو أحد أنسبائه. فالمسألة ليست الاهتمام بالماضي وببعض عبارات، بل بالحاضر والمستقبل وسدّ الحاجة. وكنت أشرت عليك بسؤال السيد أنيس الراسي دفع المال هنا بواسطة معاملاته التجارية، فهل فعلت؟ وكان الرفيق فؤاد عرض طريقة لإرسال المال فهل خابرته؟
الحقيقة أنه سيكون محزناً جداً إذا كان سيحتاج لستة أشهر أو أكثر لإيصال مبلغ ألف ملريس إليّ. وقد وردني خبر من بعض مشتركي الزوبعة أنهم حوّلوا مبلغ الاشتراك إليك، فأريد أن ترسل جميع ما ورد حتى آخر بارة قبل آخر هذا الشهر. وهذا يكون أحسن جواب في هذا الصدد.
حساب سورية الجديدة: هذا كنت طلبته ويجب إرساله ضمن مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً، لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لوضع كل شيء في محله نظامياً وإدارياً، فلا تبقى لأحد حجة ولا تبقى الأعمال الإدارية في مكتبي ناقصة وغير دقيقة.
أتمنى أن تكون والعائلة بخير. وأكلّفك تبليغ الرفيق فؤاد وجهة نظري في مسألة الرفيق غالب. وإني أرى أنّ إطلاعي على هذه الأمور يكون أفضل طريقة لحل المشاكل بما يوافق المصلحة العامة. ولتحيى سورية .
بعد: يوجد شاب في سان باولو اسمه عزيز إبراهيم وعنوانه شارع فلورنسيو دي إبرايو، عدد 20، هذا أرسل مؤخراً كتاباً إلى إدارة الزوبعة يقول فيه إنّ سورية الجديدة أوجدت فيه الوعي القومي. ومع الكتاب مقال يدل على حسن اتجاه وإن يكن بسيطاً. ومع بساطته لا يخلو من نظرة أو ملاحظة جيدة. أريد أن أعرف إذا كان هذا الشاب على اتصال معك أو مع أحد الرفقاء، وهل يصلح لشيء؟ وهل هو مستقيم أم مخلّط؟
وإذا أمكن أن يصير لك اتصال بالسيد إلياس عاصي فافعل فهو كان قد تبرع بكنط بعد مجيئي إلى الأرجنتين. هو صديق رشيد الخوري ولكنه ليس تابعاً له وقد يمكن اكتسابه. وأريد عنوانه للزوبعة.

 

المزيد في هذا القسم: « إلى نعمان ضو إلى نعمان ضو »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.