إلى وليم بحليس

28/9/1942


رفيقي العزيز وليم بحليس،
لم أتسلم كتابك المؤرخ في 13 أغسطس/آب الماضي، ولكني تسلمت نسخته المرسلة في 14 سبتمبر/أيلول الحاضر. وقد رأيت أن أرسل جوابي عليها وعلى ما أضيف إليها بواسطة إدمون معلوف. أخ شفيق معلوف، الذي اتفق قدومه من بضعة أيام وسيعود بعد بضعة أيام، فيتأمن وصول كتابي هذا إليك.
الذي وقفت عليه من كتابك الأخير جاء برهاناً على ما قدّرته. فقد جرى تهاون في أمر معنويات الرفقاء، وفي الاهتمام بالشؤون العملية حتى فاتت الفرصة أو كادت تفوت. ومنذ سنة تقريباً وردتني أخبار الاهتمام بطبع أبحاث «جنون الخلود». منذ أقلّ من سنة قليلاً طلبت تحويل هذا الاهتمام إلى شراء مطبعة للزوبعة. ولكن مجرى العمل وقف عند حسبان أنّ كل كلام لا حقيقة وراءه، وأنه لا رجاء إلا بفؤاد [لطف الله]، وأنه يجب ترك الأمر بين يديه ليقرر هو ما يراه ساعة يراه. وهكذا مرت الأيام والأسابيع والشهور، ومرت معها إمكانيات، إذا سلّمنا بأنها كلها كانت ضعيفة فلا يمكننا التسليم بأنه لم يكن في الإمكان تقويتها والاستفادة فائدة حقيقية من بعضها. ولو أنّ الحركة التي قمت بها الآن قمت بها منذ ستة أو سبعة أشهر لكنّا تقدمنا كثيراً منذ ذلك الوقت. على الأقل كنا خبرنا الحالة وعرفنا ما يمكن وما لا يمكن. ولكن يظهر أنك فضلت الاقتناع بالتشاؤم حتى إنك لم تعقد اجتماعاً حضره فؤاد وغالب [صفدي] وجورج بندقي وإلياس فاخوري لتبادل الرأي والنظر في المساعي اللازمة. فأنت تظن أنّ ما يراه فؤاد وتراه أنت وتتفقان عليه يغني عن نظر الآخرين، وهذا غلط يشبه الغلط السابق بعدم اجتماع لجنة تدبير سورية الجديدة والاكتفاء بأخذ رأي كل عضو منها على حدة.
كنت أرى إمكانيات واسعة في سان باولو وريو وسنطس. وكنت أرى أنّ الحالة تقتضي وجود ذي فكر مُبدىء لا تهوله الصعوبات ولا تَسْوَد الدنيا في وجهه عند المشكلات ويعرف من أين تؤكل الكتف.
عندما وصلت إلى الأرجنتين وكان برفقتي أسد الأشقر وخالد أديب وجدت كأنّ البلاد خالية من السوريين. وبعد أيام قليلة اقترح عليّ المرافقان الاستعجال بمغادرة البلاد، لأنّ النزالة السورية كلها مسممة ضدنا. فتركت رأيهما العاجز وقررت البقاء والانتصار أولاً. وقد انتصرت وظللت أقلب الأمور حتى استتب لي إنشاء الفروع، التي وإن تكن نشأت ضعيفة فهي تقوى، على الأقل معنوياً.
الحديد يضرب حامياً لا بارداً. وسفرتك إلى الريو لو كانت حدثت منذ ثلاثة أشهر لكانت أعطت غير النتيجة التي أعطتها الآن. وإدراكي جميع ذلك كان من جملة أسباب شدة أسفي لانصرافك وفؤاد عمّا يجب عليك ما إلى الاهتمام بوزن مقالات الزوبعة، وإعطائي توجيهات في ما تلزم كتابته وتفيد وما لا تلزم كتابته ولا تفيد.
لا تزال في سان باولو وريو وسنطس إمكانيات كثيرة. ولكنها تحتاج إلى عناية واهتمام وسعي ومثابرة وقدح زناد الفكر واستنباط الحيل. وهذه تتطلب الانصراف بالكلية إلى هذه النواحي، بينما هنالك من ينصرف بكليّته إلى نواحٍ أخرى. من الإمكانيات في سان باولو الاتصال بالسيد إلياس عاصي الذي كنت طلبت منك عنوانه. فقد أخبرني إدوار أنه التقى به، وكان قد تسلّم أول عدد مرسل إليه من الزوبعة ولم يكن قد قرأ غيره قبل ذلك! فأبدى إعجابه وإكباره ومحتوياتها وعلو مستوى علمها وأدبها. هو محب الظهور ولكنه يفهم ويمكن أن يكون مفيداً وقد ينضم إلى مبادئنا وحركتنا. وهنالك آخرون لمن يحب البحث والسعي ويدرس النزالة درساً منظماً يشمل كل فئة من فئاتها ولا تهمل شأن توما توما فهو من الخبيرين بمجموع سان باولو. وهنالك نجيب حنكش فلماذا لا تضمونه ليقوم بنصيبه. وغالب [صفدي] لا تهمل الاجتماع به. فهو كبير الروحية ولكنه قد يكون فتر لانعدام السياسية والدبلوماسية، وعدم إدراك الشؤون النفسية في الأفراد ومتطلباتها. فعد إلى الاجتماع به وانفرد به كل مرة مدة غير طويلة وحدّثه ملياً، واجعله يشعر بتقديري وتقديك مزاياه ومواهبه، وابحث معه في كيفية تحريك بعض العناصر. وهو على اتصال بآل معلوف ويوجد في سان باولو عدد من الشبان أهملتموهم كالذي نشرت له مقال «أنا ونحن» في عدد ماضٍ من الزوبعة1. وكان يوجد رفيق من بيت شاهين جيد الروحية فماذا جرى له. جميع هؤلاء الأفراد يمكن أن يشكّلوا مجموعة ذات شأن.
نديم عبود دفع إليّ مقابل مبلغ أربعة كنط وبتأخره نحو يومين أو ثلاثة وقعت خسارة طفيفة تبلغ نحو خمسين فاس أرجنتينياً. وقد دعاني إلى العشاء مع عائلته وأخوته ودعا إدمون معلوف، وهناك اجتمعت بهذا الصديق ولم أكن مسروراً من تصرّف نديم وأخوته والذنب ذنبه. فهو غير متأدب ولا محترم. فكان يخاطبني دائماً «السيد أنطون. ويا سيد أنطون» وصار قدوة لأخوته الذين كانوا يخاطبونني سابقاً «حضرة الزعيم» ولإدمون الذي جاراه وصار يقول «يا سيد أنطون»، ولكنه أحياناً كان يرى ذلك جافاً فيقول يا أستاذ فكان أحسن من نديم وأخوته. والظاهر أنّ نديماً يريد أن يؤكد عدم اعترافه بمركز الزعيم، أو حسبان ذاته فوق هذه الاعتبارات، مع أنه لا صداقة خاصة لي به، وهذه أول مرة يصير فيها تقارب بيني وبينه. ولولا أني ممثل القوميين الاجتماعيين لما همّني. وإذا كنت وفؤاد تقبلان ذلك فأنا أقبله. والذي أراه أنه يجب على نديم إعطاء مركز الزعامة حقه، وإن لم يكن هو تابعاً له، فالزعيم معروف زعيم من هو، واحترام هذه الزعامة لا يُنقص شيئاً من قدر السادة عبود.
يظهر أنك نسيت أمر الكتب التي وعدت بإرسالها، خصوصاً فلسفة ابن رشد لفرح أنطون. فعسى أن تنتهز فرصة قدوم أحد الأصدقاء. ولعل السيد أنيس راسي يأتي مرة أخرى قريباً.
بلِّغ القس خليل الراسي، الصديق الحبيب، أني كتبت إليه منذ أكثر من شهر، والظاهر أنّ كتابي فُقِد فلم يصل إليه، وأني آسف لذلك. وآسف أيضاً لمرض ابنه فؤاد الرجل الرصين الجيد الصفات، ولم أعلم ذلك إلا منك، فأتمنى أنّ يكون قد تماثل إلى الشفاء، وسأكتب للقس خليل في فرصة أخرى لأني أحب أن يبقى على صلة بي.
أرسل إليك نسخة بالإنكليزية من أقوال رجال الأدب والفن والصحافة الإنترناسيونية في الفنانة فدوى قربان صفرانو [soprano] ممتازة، ونسخة من جدول غنائها هنا تحت رعاية السفارة البريطانية ومجلس المجموع البريطاني في الأرجنتين. وأعتقد أنّ فدوى ستصير قريباً رفيقة. من النسختين تعلم مركز فدوى ومما كتبته وتكتبه الزوبعة في صددها (انظر ج 6 ص 218 و230 و243).
جاءت فدوى الأرجنتين وفي تقديرها الانضمام إلى مسرح الكولون هنا. ولكنها مرضت بعيد وصولها واضطرت لمغادرة بوينس آيرس إلى الداخلية حيث لها شقيقان في سان خوان قرب الجبال. وعادت وفصل الغناء والموسيقى في آخره. ففاتتها فرصة الاتصال بالكولون، ولست أدري هل تنتظر فرصة السنة القادمة أم تعود إلى الولايات المتحدة. إذا أمكن الرفقاء الاهتمام بأمر فدوى وتنظيم عدة حفلات لها في سان باولو وريو ويكون ريعها لحركتنا فليجرِ ذلك. فعسى أن تكونوا عمليين هذه المرّة.
إذا أمكن الاهتمام بمنهاج غنائي لما ذكرت فأرسل وأخبرني. وفدوى يمكنها السفر حالما يأتي خبر بحصول الاستعداد لإقامة حفلات غنائية تكسبها شيئاً لائقاً معقولاً من المدخول المالي. ويمكن بعد ذلك الاهتمام بإدخالها «تياترو مونيسفال» أو غيره. فلا تتأخر بإخباري عن ذلك.
أتمنى أن تكون والعائلة بخير وعسى أن أسمع منك قريباً. سلامي إلى جميع الرفقاء الحاضرين. ولتحيى سورية .
بعد: من كتابك إلى جبران [مسوح] علمت أنّ نديم عبود أرسل يعتذر عن تأخره في إيصال المبلغ المالي إليّ بانهماكي بأمر جبران مسوح. والحقيقة أنّ السبب غير ذلك، فنديم أتى إليّ في صباح أحد الأيام ولم يجدني، إذ كنت في المستشفى عند مسوح، ولكنه اتصل بي في ذاك النهار عينه ولم يجرِ أي تأخير من هذا القبيل. ولكن لا يحاسب نديماً على مثل هذه الأمور، والأفضل أن نحاسبه على ما هو أهم.
كثرة مهامي جعلتني أنسى أن أكتب هذا الكتاب ليذهب مع إدمون معلوف فكتبته على ورق طيارة.
أرسل مع هذا الصديق كتاباً إلى القس الراسي.

 

المزيد في هذا القسم: « إلى نعمان ضو إلى نعمان ضو »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.