28/6/1943
إلى الرفيق يعقوب ناصيف
خوخوي
أيها الرفيق العزيز،
أنتهز أول فرصة بعد المعركة العنيفة التي مرت لأكتب إليك. فأنت قد كتبت إليّ عدة رسائل لست أدري هل هي ثلاث أم أربع أو أكثر، ولم تساعدني الظروف على إعطائك جواباً عليها. وقد ذكر لي الرفيق جبران مسوح تمرمرك من عدم قيام إدارة الزوبعة بإجراء المطاليب التي أرسلتها لمصلحتها، ومن عدم إجابة الزعيم على أحد كتبك الذي أرسلت معه صكاً مالياً باشتراكات وتبرعات مقبوضة وإشارتك إلى «الأضرار» التي تنتج عن ذلك.
الحقيقة أنّ بعض ما ذكرته حق، وكان يكون تذمرك في محله لو كان مكتب الزعيم وإدارة الزوبعة حاصلين على المِلاك اللازم للقيام بالأعمال وتلبية الطلبات العديدة لمصلحة القضية. ولكن، في الظروف التي يعمل فيها الزعيم في الحاضر، لا يمكن عملياً، القيام بأكثر مما يُعمل. ولو كان في مكتب الزعيم كاتب واحد يعمل يومياً وله الكفاءة لسد حاجة دائمة لكانت الأمور هانت نوعاً.
لا تخفى على الزعيم أضرار تعقب حرمان بعض النواحي من العناية السريعة بأمورها ومن العناية البطيئة أيضاً. ولكنه يتناول الأمور العارضة في مكتبه حسب درجات خطورتها واتساع نطاقها.
كان آخر كتاب تسلمته من شقيقي في البرازيل منذ نحو ثلاث سنوات، وحتى الآن لم أجد وقتاً مادياً للجواب عليه. وفي مكتبي كتب من منفذين عامين منذ نحو ستة أشهر، وحتى الآن لمّا أجب عليها. ووردني خبر وفاة أبي، وأنا في الوطن، في يوم كان معيّناً في مسائه اجتماع قومي اجتماعي فلم ألغِ الاجتماع لأحزن على والدي وأجلس للعزاء. وأظن أنّ بعض هذا الواقع يجب أن يكفي لإبطال كل فكرة تذمر وتململ من أي رفيق قومي اجتماعي شاعر بخطورة العمل وبعظم الأمر الذي يقوم به الزعيم.
منذ نحو ثلاثة أشهر كنت في محل سوري، وصدفة وقع نظري على بوق لم أدرِ لأي غرض هو، فسألت عنه فقيل لي إنه سمّاعة لمن يصاب بضعف سمع، بطرش أو بصمّ، فاشتريت البوق ولم أكن أدري أنه يوجد سماعات حديثة أدق وألطف. وقصدت إرساله إلى الرفيق يعقوب ناصيف لعله يسهل له مخاطبة الناس، بينما نقدر على شراء آلة أحسن وأفْيَد. وحتى الآن لا تزال السماعة عندي وسأكلف الرفيق جبران مسوح أخذها معه، متى سافر بعد بضعة أيام ليرسلها إلى هذا الرفيق هدية من قِبلي.
عندما انفتح مشروع المطبعة والتبرع له قدّرت سرعة نجاحه وفكرت في استقدام الرفيق يعقوب ناصيف إلى بوينس آيرس لأعيّنه في بعض الأعمال المتصلة بمكتب الزعيم، حالما يمكن تأمين مأوى له والخبز والماء لعيشه وحتى الآن لمّا يمكن تأمين ذلك.
أحببت أن أطلعك على هذه اللمحات الصغيرة لتعلم أنّ الزعيم لا تفوته النظرة في المسائل وخطورتها، ولكن تفوته الإمكانيات المادية والعملية لتنفيذ ما يريد. فجالد أنت في مكانك، كما يجالد زعيمك في مكانه، وتمم كل واجب تقدر عليه مادياً كما يتمم هو كل واجب يقدر عليه كذلك، واصبر مثله على المكاره ولا ينفد صبرك سريعاً. فالعمل الذي نقوم به شاق والصعوبات كثيرة.
آخر صعوبة اجتزتها كانت صعوبة إيجاد عامل على اللينتيب لصب حروف الزوبعة بعد أن اشترينا الأمهات واتفقنا مع مطبعة أجنبية. وبعد الجهد وجدت عاملاً يمكن الاعتماد عليه. ولكنه كان غريباً بالكليّة عن هذا العمل، ومع ذلك لم يكن بد من الاستناد إليه. فأتى إلى المطبعة واستوضح عن كيفية العمل على الآلة وحركاتها وأخذ يعمل. وأحياناً اضطر أن يعمل الليل كله، فضلاً عن عمل النهار ليصدر العدد الممتاز المخصص لأول مارس/آذار. وهكذا أمكن صدور العدد. هذا العامل الجديد هو: أنطون سعاده.
وقد انضم إلى هذا العمل رفيق يريد أن يتعلم هذه الصنعة ويعمل فيها لنفع القضية ولسدّ بعض نفقاته. ولكنه أبطأ من العامل الأول. إنه قد ساعد في صب حروف العدد الذي صار الآن تحت التوزيع، ومتى أصبح في إمكانه القيام بالعمل يحلّ محل العامل الأول.
هذا بعض ما يجري هنا. وأتمنى أن تكون الحالة في خوخوي أفضل وأن لا ينقطع أي عمل في أي مكان من أجل انتصار قضيتنا المقدسة، وليصل كتابي هذا إليك وأنت معافى. ولتحيى سورية .