12/2/1944
رفيقي العزيز جبران،
كتبت إليك أمس وأعود أكتب اليوم لأفيدك وأفيد الرفيق إبراهيم [الكردي] عن الأمور التي أحتاج للنظر فيها وتقديرها.
كلما تعمقت في درس المشروع الصناعي، ظهر لي كم هو بعيد إبراهيم، شريكي، عن معرفة الأمور الصناعية والتقنية. وصرت متأكداً أنه لا يمكن الاعتماد على معرفته واختباره من هذه الناحية فيجب أن أعتمد على نفسي وتدبيري وحدي.
في كتابي الطويل الأول المؤرخ في 6 فبراير/شباط الحاضر، أخبرتك بما اطلعت عليه من أمر تعقّد طريقة الإنتاج الصناعي، ثم عدت فكتبت إليك أقول إنّ محادثتي الثانية مع رئيس شعبة إحدى الشركات الصناعية أظهرت أنه يوجد طريقة لضغط الألواح المموجة بدون اختلال كثافتها، ولكن هذه الطريقة لم تكن كاملة التفاصيل، وأخبرتك أني أنتظر عودة أحد الخبراء لأباحثه في الموضوع. وقد اتفق أني، بعد وضعي كتابي الأخير إليك، أمس، في البريد، اتصلتُ بخبير في صناعة الفيبروشمنتو وتحادثنا نحو نصف ساعة، أو ثلاثة أرباع، وبحثنا تفاصيل الصناعة. وخلاصة المحادثة والبحث أنه ليس أمراً بسيطاً إنتاج ألواح مموَّجة بطريقة وضع العجين المادي في القالب وضغطه بالآلة الضاغطة. فإذا كانت المادة لا تزال عجيناً رخواً كانت قابلة لتغيير كثافة أجزائها عند حدوث الضغط ودخول أسافين الغَلَق في تجاويف القالب أو للاختلال بالمرّة. وإذا كانت المادة قد أصبحت ألواحاً جامدة، حسب الطريقة الفنية الأخيرة، تعرضت عند الضغط بالآلة الضاغطة الاعتيادية، التي يعتمدها ويقول بها إبراهيم، لأن تتخلخل أو تتشقق.
فالموضوع، إذاً، يحتاج إلى اطلاع ودرس وافٍ على غير الطريقة التي يقول بها إبراهيم ويظن أنها تنتج نحو مئة لوحة أو أكثر، في ثماني ساعات، من الألواح المموجة. لذلك أوجِّه في هذا الكتاب الأسئلة التالية إلى الرفيق كردي:
1 ـ كيف يريد أن يجري في صنع اللوحة المموجة ليجعلها متساوية ومضبوطة وقوية؟ وعلى أي حساب يستند في تقديره بلوغ معدل 200 لوحة في اليوم بواسطة القوالب والآلة الضاغطة، فضلاً عن الطاحنة والمازجة؟ يجب أن يدخل في هذا الحساب: كيف توضع المادة في القالب وكم يستغرق وضع المادة في كل قالب، بعد حصول المزج، أي من غير إدخال عملية المزج في هذا الحساب؟
2 ـ بأية طريقة أو مقياس يكفل حصول الكثافة المتساوية وجعل كل لوحة في كثافة الأخرى تماماً؟
3 ـ هل يضمن الرفيق كردي حصول الإنتاج غير مشوه وغير معطوب بواسطة القوالب والآلة الضاغطة بالسائل المائي (هدرولية)؟ (للألواح المموجة طبعاً).
إنّ الشرح القليل التفصيل الذي أعطانيه إبراهيم عن كيفية تحضير الإنتاج يُظهر نقصاً كبيراً في حساب عملية الإنتاج وأدوارها ووسائلها التقنية، ولا يشتمل على إيضاح يضمن صحة الإنتاج بواسطة طريقة التهيئة والضغط التي يتصورها. يزداد تأكد ذلك لي كلما ازددت درساً وبحثاً.
بعد اتصالي أمس بالخبير المذكور قابلت اليوم صباحاً السيد هوفر في فندق جوستن الذي ينزل فيه وشربنا كأس بيرة معاً. حدثته في أمر الصناعة وقلت له إنّ شريكي قد توصل إلى تركيب أجزاء وإجراء اختبارات في مركّب مادي أعطت نتائج أولية جيدة وهو يظن أنّ عملية الإنتاج الصناعي المتمَّم يمكن أن تجري على الطريقة التي أجرى بها اختباراته الأولية، وقد تبين لي بعد البحث أنّ مسألة إنتاج الألواح المموجة ليست بسيطة بهذا المقدار، وأنه يجب درس الموضوع جيداً قبل شراء آلات تجلب الخسارة. فوافق كل الموافقة، وقال إنه يعتقد أنّ الضغط بالآلة الضاغطة على المادة الرخوة ضمن القالب لا يعطي كثافة متساوية ولوحة متماسكة بقوة. أخبرته أني أدرس الموضوع، وأني أنتظر وصول خبير، وأني قابلت أمس خبيراً وقفت منه على تفاصيل مفيدة، واطّلعت عنده على صور لآلات جعلتني أرى الموضوع من ناحية أخرى، وأني بقيت على اتفاق معه أن يعطيني تقدير ثمن آلة خاصة بهذه الصناعة، وأني سأحاول أن أقف على جميع تفاصيلها.. فقال لي إذا وقفت على تفصيل واضح أن أخبره به أو أحدّث به المشارف التقني في معمله ليدرس إمكانية صنع الآلة، وافترقنا على أن أراه الثلاثاء القادم مساء، إذا أمكن، لأنه يعود إلى توكومان صباح الأربعاء.
يبقى من أمر مباشرة الصناعة في الألواح إمكان صنع ألواح مسطحة ملساء وغير متموجة في الوقت الحاضر. ويجب درس إذا كان هذا الصنف رائجاً ويكفي لإعطاء مورد يسد النفقة.
ولكي أتمم درسي لصناعة الألواح المموجة، أطلب من إبراهيم إما أن يأتي إلى بوينس آيرس إذا طلبته ورأيت حضوره لازماً لإحداث تجارب هنا، وإما أن يعطيني شرحاً تفصيلياً كاملاً بطريقته في تجهيز المادة للقوالب، أي مقدار مزجها وكيفيته وكيفية وضع المادة المركّبة في القالب، لعلي أتمكن من إجراء اختبار لهذا الأمر إذا وجدت إمكانية إحداث تجربة في أحد المصانع هنا على طريقتها المستعملة في الفيبروشمنتو، لكي أدرس إمكانية شراء آلات من نفس النوع.
أريد أولاً جواباً كاملاً واضحاً على الأسئلة، ثم جواباً على إمكان إعطائي تفصيل التحضير لأجدّ في درس الصناعة قبل إنفاق مبالغ مالية في تجارب غير مكفولة النتيجة، إذ لم يجرِ اختبار لها.
وأريد ثانياً أن يباشر إبراهيم إكمال صناعة فتائل الدخان الطارد البعوض، كما تفاهمنا قبل سفري، لأنه يجب أن نبحث عن مورد، ولو صغير في هذه المدة التي يجري فيها الدرس وتجري نفقات أجور ومعاش من غير صناعة، في كل حال قد قرَّرت شحن أثاث البيت في أواسط الأسبوع القادم وقد كلّفت أكسفرسو أرخنتينو بذلك. ويمكن أن أعود إلى توكومان بعد نحو 10 أو 15 يوماً. أكرر وجوب الاهتمام بمطاليبي لكي لا نخطو خطوات مهوّرة. ولتحيى سورية .
ملاحظة هامّة: جميع كتبي إليك يجب أن تحفظها فلا تضيع.
بعد: أكرر وأثبت طلب التفاصيل الكاملة لطريقة إبراهيم الصناعية، ورأيه في الآلات التي طلبتها في كتاب 6 فبراير/شباط وفي هذا الكتاب، قبل الاندفاع في شراء آلات تخسر الرأسمال الذي جمعته بصعوبة. فالوضوح في المسائل هو الأساس وأنا لا يمكنني السير في غموض من المسائل التقنية. بعد أن أقف على جميع شروح إبراهيم أقدر أن أقرر طريقة العمل التي يجب أن نسلكها.