21/2/1944
رفيقي العزيز جبران،
تسلمت اليوم رسالتين منك في وقت واحد وهما مؤرختان في 16 و18 فبراير/شباط الحاضر. من الأولى فهمت أنّ الرفيق [إبراهيم] كردي متأكد من نجاح عملية صنع الألواح ذات الأقنية بواسطة الضغط بالطريقة التي جربها. فإذا كانت النتائج العملية تبرهن على أنّ جميع تقديرات إبراهيم واختباراته مضبوطة وصالحة فإنّ جميع القضايا الأخرى تهون.
مما لا شك فيه أنّ الآراء المتعددة التي وقفت عليها من أشخاص لهم معرفة وخبرة في نوع صناعتنا جعلتني أشك في دقة ضبط تقديرات الرفيق كردي الصناعية، خصوصاً وأنّ تجاربه كلها لم تجرِ في القوالب الحديدية التي يجب صنعها، ولذلك يمكن أن تتعرض تقديراته لخسارة بعض قوّتها أو متانتها بعد تجربة القوالب والآلات الأكثر دقة وأقوى ضغطاً.
قد وصلت الآن إلى أكثر ما أردت الوقوف عليه في المدة القصيرة التي قضيتها هنا. وقد كان همي موجهاً: أولاً، إلى الاستيثاق من صحة الطريقة التي ارتآها الرفيق كردي، وثانياً، إلى معرفة أماكن الآلات وأثمانها وأهمها الآلة الضاغطة. وهذه قد أعطيتكما تفصيلاً عنها في كتابي الأخير الذي وضعته منذ يومين في البريد الجوي. هذا فضلاً عن انشغالي مدة غير يسيرة في مسألة طلب الامتياز التي كانت معركة عنيفة سببت لي كثيراً من القلق وحملتني على ما لا أحب وعرّضتني لمواقف حرجة، وعن تهيئة انتقال البيت وترتيب شؤون الزوبعة وغير ذلك.
أظن أنه سيمكنني معرفة شيء عن سير قضية تسجيل الاختراع في هذا الأسبوع وأريد أن أطمئن من هذه الجهة قبل سفري. ثم إني سأذهب بعد غد، أو غداً إذا أمكن، إلى صاحب المصنع هنا الذي عرض المضغطة المائية (الهدرولية) لأسأله تفاصيل أخرى عن الآلة التي عرض عليّ صنعها. والأرجح أني سوف لا أوصي على شيء من هذا القبيل قبل سفري وبحثي مع إبراهيم. وسأسأل صاحب المصنع عن أسعاره للقوالب المصبوبة من حديد. ثم سأهتم بشراء موتور بقوة نحو 25 أو 20 حصاناً. وآلة مازجة، ويجب أن أقول إنه فاتني شراء آلة جيدة للمزج، حسب ظني، لأني لم أكن متأكداً من نوع الآلة المازجة التي نحتاج إليها، خصوصاً وأني قدّرت أنّ المزج الجيد هو شرط أساسي لحصول نتاج جيد. وبعد اطلاعي على نوع الطاحنة المازجة وغيرها أصبحت أميل إلى الاعتقاد أننا نحتاج إلى آلتين واحدة مازجة مزجاً جيداً بحركة يفضّل أن يكون منها قضيبان أو قضبان يحركان المادة أثناء دورانها، وهذه من نوع التي فاتني شراؤها، وأخرى طاحنة تشبه التي أرسلت صورتها إلى توكومان. فيجب أن يخبرني إبراهيم إذا كان ذلك يفي بحاجتنا في عملية المزج. فإذا أمكنني أن أجد هاتين الآلتين والموتور بسعر رخيص قبل سفري فأشتريها وأبقي أمر المضغطة والقوالب لبعد عودتي إلى توكومان، مع ترجيح اعتقادي أنه سيوافقنا أكثر شراء هذه الآلة من مصنع بوينس آيرس، وهو مصنع مشهور ويقبل طليبات من معامل عديدة توصيه على آلات. أما مسألة تعاون خبير مصنع هوفر معنا فهذه لا يفسدها شراؤنا المضغطة في بوينس آيرس نظراً لحصولنا على أثمان أفضل كثيراً. فإذا لم يشأ خبير معمل هوفر التعاون ففي توكومان مهندسون وخبراء كثيرون يمكننا استخدام أحدهم لأغراضنا.
مرسل إليك مع هذا الكتاب حوالة على البنك عددها 963.688 ومبلغها ثلاث مئة فاس، للاتفاق على الحاجات المستعجلة ريثما أصل إلى توكومان، والآن يترجح عندي أنّ سفرنا، أنا والعائلة، سيكون يوم الثلاثاء بعد القادم. أي في آخر فبراير/شباط. وأظن أننا نصل نحن وأثاث المسكن في وقت واحد أو بفرق أيام قلائل. فقد أخذت الشركة الأثاث من المنزل بعد أن صنع عاملها الحواجز الواقية للقطع الثمينة والباقي يشبكونه في مستودعهم ثم يشحنون الكل.
صفية ظلت مريضة في حمى شديدة مدة ثمانية أيام. اليوم هي أحسن ولكن الحرارة لا تزال مرتفعة قليلاً. الطبيب قال إنه أصابها التهاب الحلق ووصف لها علاجاً كانت تتناوله بصعوبة وبعد جهد. قلقنا لأجلها وتعرقلت بعض مساعينا. وأظن أنّ تحسّنها سيطّرد وتعود الأمور إلى مجاريها.
أتمنى أن تكون أنت وإبراهيم بخير، وكذلك الرفيقة نبيهة [أنطكلي الشيخ] وجميع الرفقاء العاملين. قل لإبراهيم إني لا أشك في أمانته وإخلاصه وغيرته، ولكني أريده أكثر سرعة في إيصال الأمور إليّ، وأن يتعود كمال الدقة في الإيضاح وتفصيل المعلومات، لأنّ ذلك أدعى إلى النجاح الذي يلزمه اغتنام الفرص. فليخبرني دائماً بكل شيء وبتفصيل وليترك لي أنا تقدير الأمور وتقريرها.
سلامي إلى الجميع. ولتحيى سورية .