إلى نعمان ضو

توكومان، 1/6/1944


رفيقي العزيز، نعمان ضو،
كنت أفكر في الكتابة إليك. وفي هذا الصباح خرجت باكراً من البيت متوجهاً إلى متجر الورق الذي صار شركة بيني وبين الرفيق جبران مسوح، في الطريق التقيت ببعض المعارف ولما بلغت المحل التجاري أخبرني جبران أنّ الرفيقة جولييت، زوجتي، تلفنت تقول إنّ الرفيق نعمان خاطب البيت سائلاً عن حال الزعيم لأنه بلغه أنه موقوف لحادث جرى.
من أغرب المستغربات للمتمدنين في هذا العصر أن يتوقف الزعيم، ولو اسمياً فقط، بسبب نذالة بعض الملتفين حواليه. إنه فرد أحسنت إليه وجعلته شريكي في التجارة مدة محدودة وأجريت عليه المال وأنقذته من حالة الفاقة، وبعد أن أمضى إلغاء العقد التجاري بيني وبينه أبقيته في المحل المستأجر للصناعة، ووصلته بأكثر مما يلزم لنفقته الضرورية ووعدته بإعطائه عملاً ثابتاً في المصنع إذا ابتدأت الصناعة. وبعد كل هذه الحسنات له بدت من الرجل دلائل عدم الاستقامة والمخادعة في أثناء مساومة تجارية مع مستخرج mica من معدنه. فأنّبت المحسَن إليه وأظهرت له أني آويته وكسوته ليس من أجل أن يعترض أشغالي ويضر أعمالي. وأخذت منه مفتاح مدخل غرفة المكتب التجاري وتركت له حرية الدخول إلى غرفته من الباب الكبير. بعد قليل أتى الرجل إلى متجر الورق حيث كنت مع الرفيق جبران مسوح نضبط البضائع التي وردتنا من بوينس آيرس. وكان حاضراً يعاوننا الرفيق إلياس أنطكلي. كان ذلك بعد ظهر الخميس في 18 مايو/أيار الماضي وهو يوم عيد ديني والسوق مقفل بعد الظهر. دخل الرجل وصار يتذمر ويظهر عدم الرضى، فأبنت له حقيقة حاله وإنكاره جميل المحسن إليه الذي يشاركه وليس في يده شيء يستحق الشركة، لأنّ ما كان يدّعيه من اختراع ظهر أنه غير صحيح، ورفضت دائرة امتيازات الاختراع في بوينس آيرس الاعتراف بأنّ المزيج الذي يقدّمه ذاك الرجل، هو اختراع، وهذا هو السبب في فسخي الشركة معه. وبعد كلام طويل قال الرجل إنه سيغادر المكان، واتفقت معه على أن أدفع له أجرة غرفة شهراً ويدفع له الرفيق جبران أجرة شهر آخر من باب المساعدة.
الرجل هو إبراهيم الكردي لا غيره الذي كتبت إليك شيئاً مما بيني وبينه. والظاهر أنّ هذا الرجل المعتاد الجسارة والتطاول، الذي يبلغني الآن أنه ذو سوابق، والذي يستند إلى صداقة بعض رجال الأحزاب الأرجنتينية الماضية تعمّد الشر. ففي صباح اليوم التالي عندما عرّجت، في طريقي إلى متجر الورق، على المحل في شارع مايفو لأتفقّد المراسلات وأرى كيف أصبح الكردي وجدت باب المكتب مسنداً من الداخل وثقب القفل محشواً بمواد لا تسمح بفتح الباب. فكرت في دعوة أحد الشرطة، ولكن الشفقة أخذتني على الرجل وقلت في نفسي لعله وضع هذه الحواجز في ساعة غضب قبل أن قابلني أمام مسوح وأنطكلي ولم يكن له وقت في الليل لإزالتها. فطرقت الباب الكبير مرتين. والظاهر أنّ الشرير كان يتلصلص ليرى هل أنا وحدي، فلما تيقن من ذلك فتح الباب بسرعة، وبينا أنا أهمّ بالدخول مدّ الأثيم يديه وأمسك بحلتي وجذبني إلى الداخل، وتمكن بغدره من طرحي في الأرض مقفلاً الباب وراءه وواضعاً مزلاجه التحتاني في ثقب الأرض. وأقبل عليّ يتوعد ويقول إنه سيقتلني إن لم أدعه يبقى في المكان يفعل ما يشاء، الخ. ولكن دهشة الشرير صارت أعظم من دهشتي حين رفعت رجلي ونفضته ونهضت واقفاً على رجليَّ مستعداً للدفاع. ولمّا هاجمني ثانية تمكنت من التخلص من حلتي (الجاكيت) بعد أن تقطعت بعض أزرارها. وفي هذه الأثناء تمكن الرجل من تطويق خصري بيديه فلففت ذراعي الأيمن حول عنقه والأيسر تحت إبطه الأيمن، فصار قياده في قبضتي وكل قوّته وضخامة جثته لم يفده شيئاً في محاولاته، فجررته إلى الباب جر الثور ورفعت المزلاج بقدمي اليسرى وفتحت الباب بيدي اليسرى وأخرجته إلى الشارع طالباً أن أنادي شرطياً في دائرة الشرطة القريبة. فحاول الشرير بكل قوّته إعادتي إلى الداخل وتعلّق بقميصي فانمزق في يده. ولما لم يكن قصدي صرعه توجهت إلى مركز الشرطة على مرأى من الحارس على الباب. ولما طلبت تدخّل رجال الأمن سألوا عن الحادث، فلما عرفوا أنه مع الكردي أخذوا في التطويل. ولشدة مكر الخبيث وتعمّده الشر دخل بعد خيبته إلى داخل الدار وجرح يده مسيلاً بعض قطرات دم وادّعى أني جرحته، وهذا ساعده على الاتفاق وإعطاء الحجة لتوقيفي مدة أربعة أيام!! ومع أنه توقيف اسميّ، لأني لم أبت ولا ليلة واحدة إلا في بيتي ولم آكل إلا في بيتي، فهو توقيف قانوني. وهذا أغرب حوادث التوقيف التي بلغت معرفتي.
الأمر، من الوجهة القانونية، بسيط والأدلة على فساد ادعاءات الكردي متوفرة وتقرير الطبيب القانوني يقول إنّ الجرح هو خدوش ليست حاصلة من مدية أو سلاح وليست في قتال من هذا النوع. وقد اجتهدت دائرة الشرطة في تعطيل بعض الأدلة على تعمّده الإجرام، ولكن الأدلة التي لا يمكن نفيها كلها في جانبي.
يبقى أمر تصفية إلغاء الشركة قانونياً لأنّ العقد الذي أمضيناه في هذا الصدد كان خصوصياً. وقد وضعت المسألة في يد محامٍ نزيه قدير، وقد أكد لي أنّ حقوقي كلها مصونة وأنّ الرجل لا حق له. وأول ما سنجريه هو إخراجي وإياه من المحل المستأجر للصناعة، نظراً لأنّ الإيجار كان باسمي واسمه كشخصين وليس كشركة تجارية، ومتى صار[...] مأوى ومعاش، وسيبتدىء يعرف قيمة النعمة[...] كان بدء نهاية أمره وبعد ذلك يقدّم الباقي من الأوراق اللازمة لنقض الشركة تجاه السجل التجاري.
أغرب الغرائب أنّ الجماعة السورية هنا ومنها كل الذين ادّعوا القومية، إلا جبران مسوح ونديم عاقل وأحمد قلبقجي، صدّقوا ادعاءات الأثيم أني هضمت حقوقه وأني سجلت اختراعه باسمي وأنه يجب أن تكون له حقوق في صناعة سأقوم بها بنفسي على غير الأساس الذي قدّمه ومزيج مختلف عن مزيجه.
إنّ الحق سيزهق الباطل. وأعداء الزعيم الذين حاولوا وسيحاولون استغلال هذا الحادث للتشنيع سيجدون سهام الحقيقة في نحورهم. إنه حادث من جملة حوادث إنكار الجميل التي تعترض سير الزعيم إلى الأمام، ولكن غباره سيرتد في وجوه الذين أثاروه.
أنا والعائلة بخير، وشؤوني التجارية مع جبران تتوثق، وفي هذين اليومين سنتمّ عقد الشركة التجارية بيني وبينه، التي باشرنا إعلانها وتبليغ عملائنا إنشاءها واسمها هو «سعاده ومسوح» للإتجار بالورق والدفاتر وما شاكل. ومسألة الصناعة ستظل قيد الدرس والتمهيد، وإذا وجدت أنّ الرأسمال سوف لا يكفي بعد الخسائر والنفقات التي جعلني الشرير الكردي أكابدها، فسأؤجلها إلى فرصة أخرى.
أتمنى أن تكون وعائلتك بخير، وأفيدك بأنّ هدية التفاح وكذلك هدية العنب قد وصلت وجرى لنا بها السرور الذي وددته.
جولييت وصفية تشتركان معي في إهدائك وقرينتك وبقية أفراد العائلة السلام. ولتحيى سورية .

المزيد في هذا القسم: « إلى نعمان صو إلى يعقوب ناصيف »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.