إلى يعقوب ناصيف

توكومان، 10/6/1944


أيها الرفيق العزيز،
اطّلعت هذا الصباح على كتابك الوارد مسجلاً إلى الرفيق جبران مسوح، ووقع في نفسي موقعاً عالياً ما تحركت به نفوس الرفقاء في خوخوي من الإخلاص والعزم والثبات التي هي صفات تجعل من اتصف بها في مصاف الأحرار الذين يستند إليهم في الشدائد، فأهنىء رفقاء خوخوي بهذه السجايا العالية.
سررت بما أجمعتم عليه وقررتموه لأنه يدل على نظر صحيح مستقيم في الأمور، وأول قرار من قراراتكم المذكور في كتابك هو الأساسي المعنوي، أما القراران الثاني والثالث فهما موضع نظر وشك في نتائجهما. القرار الثاني هو الرجاء أن يسعى الرفيق جبران مسوح لإعادة أكبر عدد ممكن من الرفقاء الشاذين إلى ما كانوا عليه من مظهر النظام وخدمة القضية واحترام الزعيم. فليعلم الرفقاء في خوخوي أنّ الرفيق جبران لم يدخر سعياً أو وسعاً في وعظ الضالين. ولكن أمراض هذا الجيل لا تشفى بالوعظ، وأحياناً يأتي السعي وراء الشاذين بعكس النتيجة المرغوبة. الأمور مرهونة بأوقاتها. وما فك الصفوف هنا ليس حادث [إبراهيم] الكردي القبيح، إذ لم يكن يجتمع قبل الحادث المذكور اجتماعاً قومياً نظامياً سوى رهط لا يجاوزون الاثني عشر والباقون كانوا خارجين. والسعي لجلبهم كان يزيد غرورهم وإعجابهم بأنفسهم. ولكن لكل حالة طبيعية خاصة بها ومجرى الأمور يجب أن يكون على طبائعها. وبعض الرفقاء الذين لم يتورطوا من قبول ادعاءات الكردي قد تنبهوا مؤخراً إلى خطر الشذوذ، والتخلي عن النظام، واستيقظوا للواجب. ومتى اتضحت أكاذيب الكردي فسيبوء بالخجل والخزي الذين أسرعوا إلى الانخداع به والتخلي عن الزعيم في هذا الموقف.
القرار الثالث هو القائل بوجوب قيام الحزب في هذه الجمهورية بما يقوم بمعاش الزعيم بسعة وبصدور «الزوبعة بانتظام»، الخ. هذا قرار يمكن أن تدرسوا كيفية تطبيقه على أنفسكم باعتبار أنه صادر عنكم. ولكن المسألة التي ابتغى القرار حلها هي أكثر تعقداً مما يظن، ومن الحسابات الافتراضية البسيطة التي وردت في كتابك، أيها الرفيق العزيز، أنها مسألة عولجت بطرق كثيرة منذ وصول الزعيم إلى هذه الجمهورية الفضية الكريمة، ولكنها استعصت على جميع المحاولات والحلول. فأكثر الرفقاء في هذه البلاد هم من ضعيفي الماديات والثقافة، ومعنى الواجب عندهم ضعيف يتلاشى تجاه أول صعوبة هزيلة. ولرفع معنوياتهم يحتاج إلى مال يفي بتحريك قوة إذاعية كبيرة، ولا سبيل لأخذ هذا المال منهم. ومرة فكر الرفيق جبران مسوح في فرض واجبات مادية خصوصية على الرفقاء الجيدي الحالة المادية، فتعهد جميعهم في توكومان، ولكن بعد الشهر الثاني أو الثالث ابتدأوا يتململون من دفع عشرة فاس أو خمسة في الشهر! وفي مديريات بوينس آيرس كانت الجباية المنتظمة لا تشمل النصف وأحياناً لا تتم إلا في مدة ثلاثة أو أربعة أو ستة أشهر مع نقص في المطلوب! والأعذار كثيرة! هذه الحالة وعجز الفروع الأخرى في أميركانية والمكسيك عن إمداد مكتب الزعيم بكميات محسوسة ومبالغ منتظمة أضعفت مركز الزعامة القومية الاجتماعية وقوّتها، حتى صارت شخصية الزعيم عرضة لكل عابر سبيل ولانتقاد كل فضولي وصار كل حي ابن بي يقول «كنت مع الزعيم، وقال كذا، وقلت له كذا، وأراه مخطئاً في كذا، الخ». والحالة المعاشية كانت دائماً في اضطراب ومدعاة للقلق، ويجب القول إنه لولا مساعدة زوجتي بعملها كموظفة بلدية في بوينس آيرس للتحليلات الكيموية في بعض مستشفياتها، لكان مركز الزعامة تعرّض لأكثر مما تعرّض له، وقد جاهدت زوجتي حتى ساءت صحتها وبحّ صوتي وأنهكت قواي في معالجة العقول الجامدة والنفوس السقيمة. وأخيراً وجدت أنه يجب الاعتماد على عملي الخاص لحفظ قواي ومركزي. فلاحت فرصة الصناعة، وأنا لست خبيراً بها، فاعتمدت على رجل كان قد صار «رفيقاً» يتظاهر بالغيرة على القضية والزعيم، واقترضت من ابن حمي مالاً للصناعة ومكّنته منه، وأخيراً خانني الرجل وهاجمني في الدار التي استأجرتها وجعلته ضيفاً عليّ فيها.
ولكني لم أسقط كما كان يتوقع الأعداء، لأني كنت قد قدّرت الأمور واتفقت مع الرفيق جبران مسوح على الشركة في تجارة الورق والقراطيس والأقلام والدفاتر وتوابعها. وعملنا الآن يقوى شهراً بعد شهر ويتقدم إلى النجاح، ولا خوف عليه لأنه يقوم على ثقة متناهية وصفاء تام وإخلاص كلي. وأعتقد أنّ نجاح هذا المحل هو الضمان الوحيد لصيانة كرامة الزعيم وشخصيته وإنقاذه من حالة كونه تحت رحمة تقلبات عواطف الذين ينخرطون في صفوف العمل القومي الاجتماعي، يرضون عليه فينعم برضاهم ويسخطون عليه فيشقى بسخطهم!
إنّ عملي التجاري لا يُغني عن قيام السوريين القوميين الاجتماعيين بواجباتهم، وأن يعملوا ليجعلوا قيادتهم غير محتاجة إلى التجارة أو الصناعة. ولكن كم يتحقق من هذه الأمنية؟ وأين نقطة الابتداء؟
أوافق على انتخابكم وأثبّت أصحاب الوظائف في وظائفهم، وأتمنى لكم النجاح التّام في مساعيكم لنجاح حركتنا العظيمة وفلاح أمتنا الكريمة. سلامي القومي لكم جميعاً. ولتحيى سورية .
بعد: ليست هذه أول عاصفة تمرّ بي في هذه البلاد النائية. فأنت تذكر عواصف بوينس آيرس حين قامت قيامة الخونة «وخلعوا» الزعيم وانفرط عقد الصفوف. ولن يكون نصيب العاصفة الأخيرة أفضل من التي تقدمتها.

 

المزيد في هذا القسم: « إلى يعقوب ناصيف إلى جبران مسوح »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.