إلى نعمان ضو

7/8/1944


الرفيق المجاهد نعمان يوسف ضو
كوسيتي ـ سان خوان
رفيقي العزيز،
تسلمت كتابك الأخير قبل سفري إلى بوينس آيرس، الشهر الماضي، ولم أعجب لقلقك الذي تثيره في نفسك الكبيرة شمائلك العالية. وقد وددت أن أكتب إليك من بوينس آيرس فلم تمكني الظروف والدوافع الملحّة من تحقيق رغبتي. وبعد عودتي التي كانت في 25 يوليو/تموز كنت مضطراً لاقتحام الميدان التجاري بنفسي نظراً للروح العدائية التي أظهرتها أوساط نزالتنا نحوي. وقد فزت في اقتحامي بنتائج لا يرغبها لي الحساد ولا أصحاب النفاق والفساد.
إنّ الحوادث التي تلت حادث [إبراهيم] الكردي لم تكن ذات عواقب. وقد خمدت الآن أنفاس تلك الضجة الشائنة التي أثارها أهل الغايات الصغيرة والنكايات القبيحة، وعض ذوو المفاسد أصابع الندم على خيبة أملهم بإمكان استغلال قباحة الكردي أكثر مما استغلوها. وكثيرون أدركوا الآن أنّ الكردي، على بساطته، ليس سوى محتال مراوغ في مظهر إنسان مطاوع. إنّ قصصه وذيول حادثه كانت كثيرة، ولكنها على كثرتها لا تستحق الذكر والاهتمام لانحصارها في قال وقيل ومساع لم تنتج غير الإخفاق. أما حادث غدره عينه فهو حتى الآن معلق في يد القضاء، والريح ليست جارية في الجهة التي يرغب فيها الكردي، ففي أوائل الشهر الماضي بعد طلب القاضي تكرار إفادة كل منا صدر أمره بالقبض على الكردي وإيداعه السجن. والظاهر أنّ ضمير الكردي المضطرب جعله يخشى مثل هذا الأمر ويتوقعه فكان يتنسم الأخبار، وبلغه قرار القاضي فلم يلبِّ الطلب للحضور إلا بعد أن دبر مع شريكه في الاحتيال الأجنبي المدعو كارلس باقي مسألة الكفالة الشخصية وهو الآن حرّ بفضل هذه الكفالة.
المؤسف في كل ما جرى حول حادث الكردي ليس أمر الكردي نفسه، بل أمر المجموع السوري في توكومان الذي ما كاد حادث الكردي يظهر حتى تلقفه تلقف الكرة وهاج وماج وانقلبت السحن، فكنت لا ترى إلا أفواهاً مكشرة عن أنياب الغدر وعيوناً مزورة. ولكني لم أعاملها إلا بالاحتقار اللائق بها، فكنت أسير بينها وهي تدور حولي كما تدور الكلاب حول أسد، تكشر عن أنيابها وتود أن تنهشه ولكنها لا تجسر على الوقوف في وجهه.
والغريب غير المستغرب ما أصاب الذين انضموا مؤخراً إلى صفوفنا، ومنعتهم حداثة عهدهم بالفكرة والنظام القوميين من معرفة واجبهم. فقد أصغى أكثرهم إلى المفسدين والتفوا حولهم، والذين كانوا أمناء وغيورين استنكروا فعلة الكردي وتهامسوا في أمر تأديبه، أفسدهم موقف المخاتل مرشد دلول الذي كنت عيّنته مديراً في أول زيارة بناءً على شهادة بعض الرفقاء ولم يكن جديراً بوظيفته ولا بما هو دونها.
زعزع صفوف القوميين الاجتماعيين ما كان واقعاً بينهم من تنافر بعد حادث الكردي وأثناء غيابي في بوينس آيرس في شهر مارس/آذار الماضي. ولكن الضجة قد خمدت أنفاسها كما قلت، وبعض القوميين الاجتماعيين الذين انخدعوا عادوا وأعلنوا انخداعهم وطلبوا المعذرة.
ومما يستحق الذكر أنّ فرداً واحداً هنا من الرفقاء كان له موقف شريف يسجل له هو الرفيق المدرّب، الضابط السابق أحمد فوزي قلبقجي. هذا وقف وحده في وجه الكردي وجماعة الكردي ودعا الكردي للخروج ليقاتله فجبن الوغد ولم يفعل. وقد التقاه الكردي مرة فقال له أن يكون في جانبه والخائنين معه فكان جواب الرفيق قلبقجي: «إذا أمكنك أن تزحزح هذا الجدار من مكانه زحزحتني عن موقفي، بل قد تقدر على زعزعة هذا الجدار ولا تقدر على زعزعتي». فقال له الكردي: «يا خائن الله والرسول! أتترك ابن دينك وتقف مع غير المسلم». فأجابه الرفيق: «يا جاهل! إنّ ديني لا يأمرني بخيانة زعيمي بل بالإخلاص له، وما أنت إلا خائن وجاهل فدعك من هذا الأمر!».
إنني قد ابتدأت أتمكن من الموضوع التجاري، قد أجريت صفقات جيدة في بوينس آيرس، وشققت طريقاً إلى الزبائن هنا. وأعتقد أنه إذا لم تجرِ زعزعة قوية في السوق بعد قليل بسبب انتظار سقوط ألمانية فسيسجل آخر السنة نجاح ما لمحلنا.
هدية الزيتون كانت من أجمل ما فرحنا به وتلذذنا بمأكله، فالزيتون من رموز بلادنا الجميلة. أرجو أن تكون وعائلتك بخير كما أنا وعائلتي. جولييت وصفية تشتركان معي في السلام لك وللعائلة الكريمة. ولتحيى سورية .

المزيد في هذا القسم: « إلى جبران مسوح إلى يعقوب ناصيف »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.