12/10/1944
إلى الرفيق يعقوب ناصيف
خوخوي
أيها الرفيق العزيز،
لم تمنعني كثرة الأعمال من الكتابة إليك، بل كثرة المشاكل والهموم التي ولّدها لي من وقفت نفسي على محبتهم في الحق. وإنك قد سمعت أخباراً غريبة عن توكومان وحوادثها، منذ [مدة] والآن كن مستعداً لتسمع ما هو أغرب بكثير من كل ما تقدم.
إنّ المدعو إبراهيم الكردي قد خسرني بجهله وتشبثه بالانتفاع مني بطريقة لا صلة لها بالحق، ولكنه لم يسرقني ولم يقدر على الاحتيال عليّ، ويمكن الظن أنه لم يكن يقصد إلا التشبّث بحالة معاشية. ولكن من سرقني واحتال عليّ وخسّرني رأسمالي وأتعابي وأتعاب زوجتي مدة سبعة أشهر لم يكن أحداً غير من نعتُّه، تنشيطاً له ورفعاً لمنزلته، «بالكاتب القومي الكبير» جبران مسوح.
دخل المذكور شريكاً معي بعمله فقط، وأنا صاحب الرأسمال، ومع ذلك جعلته مساوياً لنفسي في استعمال اسم الشركة والتصرف في شؤون المحل، وقام على المستعرض (المتسرادور) وعلى صندوق المبيع، وجعل محل إقامته داخل المحل، وكان متسلماً المفاتيح. فاحتال أولاً وأخذ مالاً من الصندوق ووضعه في المصرف باسمه الخاص، وكذب عليّ في عدة مسائل، وحالما عادت زوجتي من بوينس آيرس باشرت، على الرغم منه إجراء تقويم للمحل فوجدت أنّ الرأسمال وكل الأرباح مفقودة!!
تجاه هذه الحالة الفظيعة عرض عليَّ المدعو جبران مسوح أحد وجهين لحل المسألة: إما أن آخذ المحل بخسائره، وإما أن آخذ بضاعة بما يوازي مالي على المحل، وأخسر أتعابي وأتعاب زوجتي وكل الجهد في تأسيس المحل وتعريفه وإيجاد زبائن له. قلت له إني أفضّل البقاء في المحل ولكن يشاركني بنصف الخسائر أو شيء منها، على الأقل، فرفض بتاتاً!
المال الذي سرقه ليكون رأسمالاً يكاد يكون مؤكداً أنه في يد المدعوة نبيهة الشيخ أنطكلي التي يذاع في كل توكومان أنها خليلته وأنه ما ترك زوجته إلا ليتعلق بها!
إنّ جبران مسوح اليوم في حالة ثورة شهوات وجهل غريب فادح، وقد أصدرت مرسوماً بتجريده من جميع الحقوق المدنية والسياسية، فيجب على جميع السوريين القوميين العاملين لتأييد المبادىء والمناقب الشريفة المتميزة بها نهضتنا الإعراض بالكلية عن ذاك الخائن الغادر، الذي كان أكبر واسطة وسبب في ترغيبي «باختراع» الكردي و«شخصيته»، ثم صار أكبر مزاحم للكردي على الاحتيال عليّ والغدر بي.
كل هذا الإجرام العظيم الذي ارتكبه المدعو جبران مسوح هو جزائي وجزاء زوجتي منه على ما قمنا به نحوه من إكرام وتعزيز، وعلى إنقاذنا حياته من الموت. هكذا يعرف الوفاء هذا المرائي الذي جعل همه الإصغاء إلى أحاديثي ليأخذ أفكاري ويكتبها للناس كأنها أفكاره، وكان آخر ما كتبه من هذا القبيل «صلاة الإنكليزي»1 التي هي خلاصة حديث تشريحي أدليت به إليه في صدد نفسية الإنكليز وكيفية نظرهم إلى العالم وشؤونه. وإلا فجبران مسوح عاجز جداً بنفسه عن الوصول بتفكيره الخاص إلى النظرة التي ظهرت في «الصلاة» المذكورة. وهو يدرك ذلك وتبريراً لنفسه قال لي، بينما هو يسرقني، «إنّ كل الأفكار في هذه «الصلاة» هي منك وليس لي فيها إلا أسلوبي»، هو قال لي ذلك ولكنه لم يقله للناس!
ماذا تريد، أيها الرفيق العزيز، أن يكون موضعاً للتصديق والثقة عندي بعدما أنزله بي جبران مسوح. وإذا كان هذا الشخص، الذي أقلق راحة الأرض والسماء تبجحاً «بالشرف والضمير والحق والعدل» التي يصفها كلمات جذابة لحياز القبول عند القُرّاء وليس عن معرفة بشيء منها، يفعل بي هكذا ويكون هذا جزاء إنقاذه من الموت والعطف عليه والإكرام، فماذا يجب أن أنتظر بعد؟
إنّ انكشاف حقيقة هذا النذل الغادر كان ضرورياً جداً، فليذهب إلى الهاوية التي لا يستحق سواها.
ليعلم الرفقاء الغيورون في خوخوي هذه الحقيقة المرّة والعبرة المؤلمة، والآن أقول كلمة في صدد ما أرسلته إليّ في كتابك الأخير: إني لا أرى فائدة في معالجة العراك السياسي والاجتماعي بالقصائد. وأوافق على رأيك بتناول المدعو خالد أديب الذي أرجّح أنه هو صاحب تلك الشتائم والتهجمات التي انتقدتها أنت في مقالاتك الأخيرة ونسبتها إلى المدعو سيف الدين رحال. فعد إليه وإلى أمثاله بما في نفسك. إنّ موقفك من مسألة «تبرعات» الرفقاء هو موقف جميل سامٍ وفيه رفع للمعنويات. فالنظر إلى الواجب بهذه النظرة العالية يجعل النفوس أقوى وأسمى مما كانت عليه.
سلامي القومي لك وللرفقاء في خوخوي. ولتحيى سورية .
بعد: إنّ النتائج التي توصلت إليها في ما أشرحه في هذا الكتاب مبنية على حقائق، وإنّ المحل كان يصرّف بضائع ويربح أرباحاً معتدلة لا تسمح بهذه الخسائر، ولا بأية خسارة على الإطلاق، ثم ظهر مؤخراً تلاعب بالدفاتر وإخفاء فواتير وغير ذلك!