إلى نعمان ضو

23/12/1944


إلى الرفيق المقدام نعمان ضو،
كوسيته ـ سان خوان
رفيقي العزيز،
وردني كتابك الأخير المؤرخ في كوسيته أو كوساته في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول الحاضر، وأنا أهِمّ بالكتابة إليك إلى بوينس آيرس لظني أنك ستبقى فيها مدة أطول. وفي الوقت عينه تسلمت كتاباً من المنفّذ العام لمنفذية بوينس آيرس فيه شروح جديدة لما جرى في بوينس آيرس، وكنت قبل ذلك تسلمت منه كتاباً آخر في مسائل حزبية.
في جوابي إلى المنفّذ العام المكتوب أمس أبديت ما يأتي في صدد اقتراحك الخطير، أنقله إليك فتقف منه على رأيــي وجوابي في آنٍ واحد وهو:
«الاقتراح المذكور يحتوي فكرة لم تجد موضعاً مكيناً في تفكير القوميين، أي صيانة مركز الزعيم وحرمته، وقد جرت محاولات من بضع سنوات لتأمين موارد الزعيم من القوميين، وكان في عدادهم آنئذٍ بعض المقتدرين مادياً، ولاقت هذه المحاولات استحساناً وتحبيذاً في بادىء الأمر، ولكنها لم تعمّر ونتيجتها كانت جزئية، ضعيفة، ولم يتمكن الزعيم من الارتياح إلى شيء منها وهي بطبيعتها ونظراً لحالة السوريين النفسية، بدلاً من أن تصون مركز الزعيم عرّضت أكثر فأكثر للقيل والقال بين الرفقاء وأضعفته في نفوسهم [لأن الذين] صاروا يدفعون أخذوا ينظرون إلى أنفسهم كأنهم [عماد الزعيم، وكأن الزعيم محتاج إليهم] فنقضت في نفوسهم حرمة الطاعة [وزرعت بذور التمرد].
[الفكرة في أساسها جميلة ولكنها لم تطبق] في الماضي وليس يعلم أحدٌ كم [يكون مبلغ نجاحها في المستقبل و]لا يحسن أن يسرع الزعيم إلى نقض محله التجاري والاعتماد على الآمال في جماعة ينقصها الثبات والإيمان والأخلاق، مع كل التحسن الذي اكتسبته بتأثير التعاليم القومية الإصلاحية فيها.
«إنّ تأمين مركز الزعيم يحتاج إلى أكثر من هذه الفكر ــ إلى أشياء أو تعهدات أكيدة، محسوسة ــ أما الزوبعة والعمل الصحافي فلي فيهما خبرة طويلة. ولا سمح الله أن تكون مهنة حياتي الصحافة في الوسط السوري في الأرجنتين وأتدلى إلى حيث يوجد أمثال جورج عساف وجبران الطرابلسي وعبد اللطيف الخشن، وأصير أتجول في البلاد لأجمع الاشتراكات وأطرق الأبواب لأجل ذلك.
«إنها، في كل حال، عاطفة جميلة تدل على حياة ولكني لا أراها مرتكزة على قاعدة عملية. ولذلك لا أجد فيها ما يحملني على قبول العمل بها، بل أفضّل عليها أن أجد من بعض الرفقاء ما يساعد على تقوية محلي التجاري، بعد الصدمة التي أصابته بخيانة المدعو جبران مسوح، فهذا أفضل لتعزيز مركز الزعيم وحرمته فلا يحتاج للاتكال على أحد من الناس. ومتى قوي المحل، وهو سائر الآن نحو هذه النتيجة، صار في إمكان الزعيم أن يعود ويصير مساعِداً من الوجهة المادية أيضاً، بدلاً من أن يكون مساعَداً، الفرق بين هاتين الحالتين هو الذي يوجد الفرق في مركز الزعيم».
وأضيف إليك الآن أني كيفما التفت وقلّبت نظري في جماعاتنا، وفي بيئة رفقائنا أيضاً، أجد الأنانيات متسترة أو كامنة وراء مظاهر الحمية والتفاني في سبيل الزعيم والحركة القومية الإصلاحية. ولا أزال أذكر أمر التبرع لإنشاء مطبعة كيف أنّ كثيراً من المتبرعين القوميين لم يدفعوا سوى نصف ما اكتتبوا به، وكيف فشلت تلك المحاولة. ومن المظاهر الأخيرة التي ألفت نظرك إليها وأطلب منك كتمانها[....] الزوبعة في المدة الأخيرة من محاولات جعلتني ألجأ إلى تدابير جدية[.....] واستدراك ما يمكن حدوثه.
[..... «إعلان إداري» في أعداد الزوبعة الأخيرة. وهذا[.....] يصبح في علم العموم». إنّ الرفيق [إبراهيم] الأفيوني يقوم على[.....] أن ترسل الاشتراكات والمراسلات من غير[.....].
قبل ظهور هذا الإعلان كنت في بوينس آيرس، فانتهز المنفّذ العام الرفيق أفيوني الفرصة وشكا إليّ أنّ إدارة البريد ترفض وضع الكتب الواردة باسمه على صندوق بريد الزوبعة في الصندوق، لأنّ الصندوق هو فقط على اسم الجريدة وصاحبها ولا يوضع فيه إلا ما يخصهما، وسألني أن أكتب وثيقة رسمية إلى إدارة البريد على ورق مختوم أبلّغها فيها أنّ الرفيق إبراهيم أفيوني هو مدبّر Administrador الجريدة ولذلك يجب قبول المراسلات الواردة باسمه إلى صندوق بريد الزوبعة. ولما كنت أعلم ما يمكن أن يكون وراء هذه المحاولات من اكتساب حقوق قانونية، ليس لها أساس في التدبير القومي المؤقت في صدد الجريدة، رفضت إعطاء الوثيقة المطلوبة وقلت للرفيق أفيوني إنه إذا كان له أصدقاء يخابرونه ويرى عنوان الجريدة آمناً لوصول الرسائل إليه فيمكنه أن يكتب إليهم أن يجعلوا العنوان على الغلاف باسم «مدبّر الزوبعة» فقط فتصل الكتب إليه بهذه الواسطة. ثم زدت إنه إذا كان مستعجلاً ولا يتسع وقته للكتابة إلى كل بمفرده فليضع إعلاناً صغيراً في الزوبعة يطلب منهم ذلك. فكان أنه وضع «الإعلان الإداري» المذكور الذي خرج فيه عن القصد الذي أبداه لي إلى قصد آخر هو أن «يصبح في علم العموم» أنّ أفيوني مدبّر الزوبعة وأنه يجب مخابرته هو في شؤون الجريدة وإرسال اشتراكاتها إليه، الخ. ثم إنّ أفيوني أخذ يضع في كل عدد من الزوبعة مقالة يصححها له الرفيق جواد [نادر] أو غيره، وصار يجتهد أن لا يخلو عدد من الزوبعة من مقالة له مع أنّ وقته لا يتّسع للإجابة على رسائل الرفقاء والمشتركين والوكلاء كما يجب!
ومما ذكره لي الرفيق أفيوني خلال سفرتي الأخيرة أنه سيتجول للجريدة في الداخلية ويرى أنها تعطي[.....] فيها، الخ.
[.....] إنّ جميع هذه الظواهر والمحاولات لا [......] بثقة وإطلاق الثقة للذين يعملون معي. [.....] «إعلان إداري» وإرسال جميع المواد [.....] أمكّنه منها. وسأضع إعلاناً آخر أطلب[.....] وما ينفق على الجريدة وإلا تعرّض أمرها للضياع من يدي.
إنّ التجائي إلى المشاريع التجارية لم يكن إلا من أجل ترك مجادلة أخس الناس في مسائل النظام القومي والواجب المطلوب من كل فرد وغير ذلك. فهل أعود الآن إليه بعد أن خبرته سنوات؟ وهل يمكن التعويل على عهود عقلية تنقض مبدأ الزعامة وتحنث بأيمانها، لأنها تقول إنّ الزعيم لا يجوز له أن يتزوج؟ ومن يكفل لي أنّ الذين يتعهدون اليوم بأمر لا ينقضونه غداً؟
إنّ محلي التجاري قد تحسن كثيراً من الوجهة الداخلية بعد طرد جبران مسوح منه، ولكن جاء نقص معدل البيع بعد إقفال المدارس. ثم إنّ [إبراهيم] الكردي، بالاتفاق مع المدعوة نبيهة الشيخ أنطكلي وجبران مسوح وزمرتهما على ما يظهر، أقام دعوى «فسخ شركة وطلب تعويض عطل وضرر»، مدعياً أنّ فسخ الشركة بيني وبينه بصورة خصوصية هو غير صحيح وأنّ إمضاءه كان لي «على بياض» وليس على عقد فسخ، وكذلك ادّعى أنّ إمضاءه على وصول شهر مارس/آذار الذي يعترف فيه بانتهاء الشركة بيني وبينه هو أيضاً «على بياض»، مع أنّ الإمضاء هو على رسوم ضريبة الحكومة. وهذه كلها محاولات للقضاء على محلي التجاري وإضعاف الثقة عند التجار الكبار والمعامل. وقد حاول المدعو الكردي تقديم شكوى «احتيال وتزوير» أمام محكمة الجنايات مدّعياً أني سلبته سر اختراعه وبعته إلى إحدى الشركات في بوينس آيرس، وقصده وجماعته من ذلك تشويه سمعتي، ولكن المحكمة حكمت بعدم الاكتراث بهذه الشكوى لأنها بلا أساس. فحاول تقديم شكوى أخرى من نوع [.....] فكان [.....] القاضي نصيب سابقتها. فبقيت دعواه في «العطل والضرر» [.....] لكي أوفّر [.....] المحامين وأعتقد أنه لا مجال لخسارتها. [....] بوينس آيرس. إنّ المدعو جبران مسوح[.....] التحقيق معي في تهمة «احتيال وتزوير»[.....] في بوينس آيرس والقول لأصحابها إنّ أنطون سعاده ذو مشاكل ودعاوى كثيرة مقامة عليه في المحاكم، الخ. إنّ قصده وابن خالته شكري ملقي وأفراد عائلتيهما أن يزيلوا محل أنطون سعاده من طريقهم، بعد أن يكون بطلهم جبران قد أكمل اختلاسه وجعل خراب المحل محتماً. ولكن ساء فألهم، فالتجار في بوينس آيرس بعضهم فقط حدد في بادىء الأمر مبلغ الكرادتو والبعض الآخر لم يحدده، والآن جميع التجار يقبلون طلباتي، والبضاعة، بمقادير كبيرة معتدلة، للفصل المدرسي المقبل قد ابتدأت ترد وزبائني هنا يزدادون شيئاً فشيئاً ومتي ابتدأت المدارس سأبيع كثيراً وأربح لأعوّض.
من الأمور التي أوجدت بعض صعوبات في هذه الظروف، أنّ عجز المحل اكتشف عند نهاية الفصل المدرسي وعند قرب استحقاق كمبيالة مبلغها ستة آلاف فاس بعد دفع أربعة آلاف في شهر سبتمبر/أيلول الماضي. وهذه قد دفعتها في وقتها وعزز دفعي الكرادتو. والآن ستستحق كمبيالة أخرى بمبلغ ثلاثة آلاف وخمس مئة فاس في آخر يناير/كانون الثاني وسيكون لديّ ما يساعد على دفعها، إلا إذا حدث ما هو غير منتظر. وإنما يبقى أن أدفع نحو ألف فاس أخرى فواتير متفرقة، إذا دفعتها مع الحوالة المذكورة فذلك يسهّل لي جلب أصناف أخرى كثيرة تساعد على زيادة الأرباح بعد نحو ثلاثة أشهر، ويرتفع المحل نهائياً فوق جميع الأمواج، وهذا يعزز مركز الزعيم أكثر كثيراً من تثبيت خلط جبران أنّ الزعيم لا يصلح للتجارة بالانسحاب منها في هذه الظروف. وبالاختصار، إنّ ديون المحل قد أصبحت زهيدة، وفي المحل الآن أكثر مما عليه بدرجة محسوسة، ولكن الحركة الآن بطيئة في حر توكومان المحرق، ومتى انتهى هذا الفصل أو قارب الانتهاء تنشط الحركة ويزيد الدخل وأتمكن من إعداد خطة جيدة للنجاح في المستقبل.
كنت أريد الاهتمام بأمر[.....] ولكن غدر جبران مسوح حال دون ذلك، ولكني[.....] لا يزال في إمكاني بيع الورق الملون الذي[.....] السعر الذي أعطيته لمدة 15 يوماً أما ما ذكرته[.....] لأعلم أي نوع تقصد لأنك ذكرت Papel Tapaï Papel فلم أتمكن من تعيين[.....] بإمكاني البيع بمقادير إما نقداً أو لقاء حوالة لمدة ثلاثين يوماً عدا عن شهر المشتري، أي نحو ستين يوماً. ويمكنني بيع سلفان بكميات وأسعار جيدة، ويمكني الشحن من بوينس آيرس كما من هنا، والأفضل من بوينس آيرس لتوفير فرق الشحن مرتين على الشاري، فأرسل إليّ المساطر التي تحتاج إليها وأنا أدبّر الكميات والأسعار.
نحو أواسط يناير/كانون الثاني القادم سأزور ولاية خوخوي حيث الرفقاء تحسنت روحيتهم بعد خضة المدعو جبران مسوح. وغايتي تجارية فضلاً عن زيارة القوميين. فإذا توفقت، كما أقدّر، فيمكن أن تتحسن ماليتي الشهر القادم، بحيث أتمكن من الحصول على الإمكانيات التجارية اللازمة لتجهيز المحل بمتنوعات كثيرة من البضاعة الضرورية للفصل المدرسي والتجاري المقبل، وإلا سأحاول اقتراض نحو خمس مئة فاس لتحقيق ما أريد، ولست أحتاج لأكثر من ذلك. وبعد دفع استحقاق الشهر القادم لا يبقى على المحل استحقاقات كبيرة فيزيد مدخوله على خرجه زيادة محسوسة.
الرفيق أحمد فوزي قلبقجي الضابط القديم، عمل هنا في صناعة الحلوى، وفي أيام البرد عمل تجارة حسنة وربح ووفر نحو خمس مئة فاس أودعها معي، ثم زيّن له الاشتراك مع أشخاص لفتح مطعم قرب «ورشة»، وكان في الأمر شيء من الغش فخسر في هذا المسعى نحو نصف توفيره. ثم جاء الحر فقلّ بيع الحلوى وزاد مزاحموه في ذه التجارة. وقد فكر من مدة في الاشتغال في شيء في الصيف يعوّض عن العمل في الحلوى. ففكر في الوصول إلى الاتفاق معك لترسل إليه فاكهة ليبيعها. وقد كان في الأول يقول إنه مستعد للدفع حين التسلم. وهذا كان قبل أن يطير رأسماله. أما الآن فالأرجح أنه يريد أن يبيع أولاً ثم يدفع سألني أكثر من مرة أن أكتب إليك في هذا الأمر، وأنا لا أستحسن إدخال مركز الزعامة وحرمتها في مثل هذه الوساطات التي يجب أن تتنزه عنها الأعمال المختصة بالزعيم. وهو الآن ينتظر جوابك[......] لأكتب إليك.
[.....] المسائل القومية والنظامية ولكني لست[.....] التجارية ومعاملاتها فانظر أنت في هذا الأمر[.....] واكتب إليه وتقول له إني خابرتك في[.....].
[.....] عائلتك وجميع أفراد بيتك. كذلك ابنتي صفية[.....] الطفلة الجديدة فهي الآن تبتدىء تميّز الأشياء. لتحيى سورية .
بعد: إنّ جوابك إلى رفقاء خونين اشتمل على شيء مما كتبته الزوبعة في صدد المدعو جبران مسوح، خصوصاً في مسألة كتاباته الاستعمارية وآرائه في كتابه المسيحي والمسلم. وسيظهر العدد قريباً موضحاً للمبصرين والعميان ما غاب عنهم.

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.