24/1/1945
الرفيق العزيز نعمان ضو،
وصل كتابك الأخير وأنا غائب في خوخوي، حيث زرت الرفقاء ووثقت أواصر إيمانهم وقويت معنوياتهم، وعملت عملاً تجارياً لا بأس به، فبعت كميات معتدلة وكوّنت زبائن، وعدت راضياً عن رحلتي.
تذكر أنّ كتابي الأخير إليك لم يؤرخ وهذا قد حدث لي مؤخراً أكثر من مرة وهو ناشىء عن السرعة في الكتابة وتنقّل الفكر. وهكذا كتابك الأخير المذكور هو أيضاً بلا تاريخ فلا بأس. أمّا أني أغفلت ذكر كتبك السابقة فذلك لضيق الوقت عن العودة إلى كل منها، ولأنّ كتابي إليك يعني ضمناً أنّ رسائلك وصلت، كما وصلت هدية التين والزبيب ولم يتسنَّ لي أن أشكر لك إرسالها.
اقتراحك، يا رفيقي وصديقي، ليس وهماً ولا مؤسساً على شيء من الوهم، عند كل جماعة حية مستيقظة الوجدان القومي. ولكن الجيل السوري الحاضر، وخصوصاً السوريين في هذه البلاد، ليسوا، في الغالب الغالب، على شيء من المناقب والوعي القومي. والاختبارات الماضية كلها تجعل الثقة قليلة جداً بالعمل المجموعي. وما عنيته في صدد التبرعات الماضية هو عمومي لا خصوصي، وبنوع خاص أشير إلى مشروع المطبعة الذي بعد ستة أشهر ودعاوة في الجريدة ومراسلات خصوصية وغير ذلك لم يجمع إلا ما يقارب ـــ 1.600 أو 2000 فاس، ثم مات لأنّ تبرعات بوينس آيرس كانت صفراً، وتبرعات كوردبة التي تسجلت على الورق لم تبلغ مبلغاً يذكر ولم يجمع سوى بعض ما اكتتب به. وسلسلة التبرعات الخائبة طويلة جداً وكلها تجعل الاتكال على مثلها غير حكيم. فأنت تقتدر أن تعتمد على نفسك وأن تتجول وتعمل كثيراً، ولكن روحية الجماعة لا يُركن إليها. لائحة التبرعات التي وضعتها أنت وعملت عليها هي عندي وتراكم الأشغال والمفاجآت حالت دون إعطائها حقها من الاهتمام.
التجارة: إذا توفقت هذه السنة فالتعويض حاصل، وأظن، مع كل ما ينتظر حدوثه من اضطراب الأسواق بسبب حالة الحرب وقرب انتهائها، أني موفق هذه السنة. مما لا شك فيه أنّ العداوات والدعاوى تؤخرني قليلاً ولكن لا أعتقد أنها تتمكن[.....] سيري ومنع تقدمي. إنّ دعوى المدعو إبراهيم الكردي لن تكلفني كثيراً كما كان يتوقع الأعداء. فأنا قد رافعت حتى الآن عن نفسي بدون توكيل محامٍ يتقاضى تعويضاً، وقد استلحقت محامياً مؤخراً للإرشاد في مواضع القانون ولن يأخذ كثيراً. وقد أجريت وسيلة تعفيني من الضرائب والرسوم في المرافعة، فما عدا بعض أوراق في بدء الدعوى، لم تكلفني العرائض والتقارير شيئاً. والدعوى، جميع رجال القانون يقولون إنه يستحيل أن أخسرها، ومتى انتهت يكون قد زال هذا الحجر من الطريق.
إنّ نتيجة سفرتي إلى خوخوي جعلتني أتمكن من سد الفراغ اللازم سده في هذا الشهر. ولذلك لا حاجة الآن لتكليفك أمراً لم أشك في أنك مستعد له. فإذا حصلت حاجة في المستقبل أخبرك.
في خوخوي حدثت الرفيق سعيد جرجس سمعان، وهو من أحسن الرفقاء روحية، في ما يجري في توكومان، ومن باب الاحتياط سألته إذا كان يتقدم لشراء محلي، إذا دعت الحاجة، ليبيعه بدوره إلى زوجتي فقال إنه مستعد لكل ما يمكنه فعله. وفي حديثي معه قلت له إنّ هذا أمر لا أحدّث فيه غيره وغير الرفيق ضو واطلاع الرفيق ناصيف. هذا الاحتياط يكون لازماً حين اقتراب الحكم في الدعوى، حتى إذا حدث تلاعب في الحكم البدائي يكون المحل في مأمن من الغوائل. كان يمكنني تحويل المحل لاسم قرينتي رأساً، ولكن وجود الدعوى يدعو إلى اتّخاذ تدابير دقيقة. فيحسن أن يصير التحويل بأن أبيع إلى شخص ثالث وهذا الثالث يعود ويبيع إلى زوجتي، أي أنّ عقود البيع تجري في آنٍ واحد مع اختلاف التاريخ. ولا ثقة لي بأحد غيرك وغير الرفيق سعيد جرجس [سمعان]. فإذا دعت الحاجة لهذا الأمر فعلته من باب الاحتياط.
بعد غد أسافر إلى بوينس آيرس لأعمالي التجارية وللنظر في حالة الرفقاء. وقد أقلقني تأخر صدور الزوبعة مع أنّ المواد موجودة قبل أواخر الشهر الماضي، وأنّ الرفيق [إبراهيم] الأفيوني أكد لي أنّ في حوزته ما يكفي لإصدار عددين. ولكن في آخر كتاب أرسلت إعلاناً جديداً [نشر في العدد 84 ص 7] ليوضع في الجريدة وفيه يذاع أنه بما أنّ الرفيق أفيوني سيتجول لأعمال تجارية تعود الاشتراكات إلى صاحب الجريدة وعنوانه كذا في توكومان. لم يأتني جواب على كتابي الأخير والزوبعة لم تصدر!!!.
من بوينس آيرس أرسل إليك أسعار الورق المطلوب. والظاهر أنك سهوت عن إرسال الأسعار التي وصلت إليك من راضي في كتابك وكان يفيدني أن أطّلع عليها فإذا[.....] الأسعار المذكورة بسرعة إلى بوينس آيرس فأرسلها باسمي إلى محل ابن حميّ جورج المير Paraguay No 402 في تلك المدينة. سأبقى هناك على الأرجح حتى السادس من فبراير/شباط القادم.
مسألة الرفيق قلبقجي، أبلغتك منها وجهها الظاهر. ولكني أقول إنّ الرفيق قلبقجي حسن النية، ولكن أعماله كانت قليلة الاستقرار. وهو قال لي إنه يدفع حين تسلّم البضاعة، وبعد اطلاعه على ما ورد في كتابك سألته عن كيفية الدفع فقال «عندما تأتي الوسقة الثانية يكون ذهب ثمن الأولى»، فسألته هل يعني الدفع يكون بعد بيع العنب أم قبله، فلم يكن جوابه واضحاً، ولكن قال إنه متفق مع شخص لم يشأ أن يعرّفني اسمه في البدء، وأنّ هذا الشخص هو صاحب المال، فقلت له أن يطلعك على كل شيء وعلى اسم شريكه، لأنّ وجه المسألة الآن مختلف عن وجهتها الأولى، فوعد ثم قال لي أمس إنه كتب إليك وإنه أطلعك على اسم شريكه، وإنه يدعى محمد سراي الدين أو سري الدين.
أنا كتبت إليك نظراً لإلحاحه هو، وليس لأني مقتنع بمقدرة الرفيق قلبقجي وحسن تقديره. وإشارتي السابقة إلى وساطتي هي من باب الاحتياط ضد مزج الأمور القومية بالمسائل التجارية، وفي التجارة يجب الأخذ بنظرة عملية بحتة ورفع العاطفة القومية عنها.
أرجو أن يبلغك كتابي وأنت والعائلة بخير. سلامي وسلام عائلتي لكم. ولتحيى سورية .
بعد: كتابك إلى المدعو جبران مسوح يجعله يعرف حدّه.