29/7/1945
الرفيق نعمان ضو،
كوساته ـــ سان خوان
الرفيق المجاهد العزيز،
طال غيابي في بوينس آيرس أكثر مما كنت أتوقع. وقد كانت المعركة السياسية حامية، وكان وصولي إلى تلك المدينة في الوقت المناسب لترتيب الأمور، وتعيين الخطة لإنقاذ الموقف، وإعلاء شأن الحزب تجاه حركات ذوي المنافع والمآرب المنافية لحاجة الأمة السورية وقضيتها. والنتيجة التي وصل إليك خبرها بواسطة المنشور الذي أذاعه مؤتمر الجمعيات الموافقة على نهج الحزب السوري القومي الاجتماعي والمؤيدة لموقفه هي، في الحقيقة، انتصار سياسي واضح لحزبنا الذي أراد ذوو مآرب السوء الحط من قدره وتجاهل وجوده، فإذا بأصوات عديدة ترتفع في الاجتماع وتكشف القناع عن نياتهم السيئة وتثبت وجود الحزب وقوّته وعلوه على جميع ما يحوكون. وكانت التوجيهات التي كلّفت الرفقاء اتّباعها موافقة جداً للموقف، وكان جهر الرفيق خليل الشيخ، الذي صار الآن منفّذاً عاماً لمنفذية بوينس آيرس مع بقائه رئيساً لــ«الجمعية السورية الثقافية»، بوجوب إرسال المال إلى أبطال الجهاد القومي والوطني ذا وقع عظيم، فصفق له كثير من غير القوميين أمثال السيد حسين مداح الذي كان حاضراً، واشتد التصفيق حتى جرف الجميع وعلا الهتاف، ولكن أصحاب مؤامرات الخفاء لجأوا إلى التطويل والأخذ بحجج خداعة. وعندما طرح طلب عدم إجازة فرع الحزب السوري القومي في بوينس آيرس وقف رجال الحزب موقفاً متيناً، وقالوا للمقترحين ومحبذي الاقتراح إنّ جميع الاجتماعات التي عقدت لجمع كلمة النزالة إنما الفضل فيها للحزب السوري القومي الاجتماعي وحده، وقد جرى التصويت على الاقتراح في حالة فوضى شديدة، وبعض الذين رفعوا أيديهم بتأييد عدم إجازة «الأحزاب السياسية» ندموا فيما بعد، أي بعد انسحاب فرع الحزب والجمعيات الأخرى، وجهروا بأنهم لا يوافقون على ما جرى. وجميع هذه الحوادث أثبتت وجود الحزب ورفعت معنويات رجاله وقدره أمام الناس، وعُرف أنه هو سبب جميع الاجتماعات التي عقدت لجمع كلمة النزالة تجاه حوادث الوطن الأخيرة.
إثر هذه الاجتماعات والمصادمات حصل احتكاك مع جماعة «نادي الشباب العربي»، وبين هذه الجماعة أشخاص يميلون إلى درس قضية الحزب، وجرى عندهم اجتماع خاص لدرس اقتراح قدّمه أحدهم لدعوة زعيم الحزب لإلقاء محاضرة أو خطاب فيهم ليعرفوا حقيقة غاية الحزب وقضيته ومراميه، وحبّذ البعض الاقتراح والبعض طلبوا التريث[.....]، لم يحصل شيء فاصل من هذه الناحية، فإن قضية الحزب هزت أوساط النزالة في بوينس آيرس وصار موضوعه حديث الأندية المقدم على غيره. ولو وجد عدد أكبر من رجال العلاقات والرأي في فرع بوينس آيرس لكانت النتيجة أكبر. ولكن الذي حدث جيد.
إنّ كتابك الأول بعد عودتك المؤرخ في 21 يونيو/حزيرن الماضي، الذي وصل في غيابي، يمثّل ما أنت فيه من جودة العنصر ومتانة الأخلاق، ونحن ما أنزلناك إلا على ما لنا في هذه الظروف وهو دون ما نختار ونرضى بكثير، ولكننا لم ننزل معنا إلا من عرفنا جوهره وأخلاقه، وأن يرضى لنفسه معنا بما رضينا به لأنفسنا رضى لا اختيار فيه. وقد تأثرت جداً جولييت بكلامك وقالت هذا رجل سوري يمثّل أخلاق شعبنا القومية ومناقبه العالية.
نسيب مطر كتب إليّ عدة كتب ورد أكثرها وأنا غائب. أخباره جيدة. وقد انضم إلى الحركة عدة مواطنين، أرجو أن يكون فيهم خير. وقد كتبت إليه، وعملاً باقتراحه عيّنت مديرية جعلت مديرها الرفيق جرجس كريدي وسنرى ما يكون.
من الوجهة التجارية، عملت في بوينس آيرس ما رأيته لازماً لتقدّم المحل وزيادة الثقة وتوسيع الموارد. وانتهزت فرصة بعض الاجتماعات بالصديق جبرائيل يافث وتحدثت معه، فأظهر بعض الاهتمام بمسألة تصدير الفاكهة إلى البرازيل، ولكنه قال إنّ ما يقدر أن يهتم به هو بنفسه هو أمر الفاكهة المجففة من تين وخوخ وكرز ومشمش وما شاكل. وهو، على ما يظهر، قد زار مندوسة المرّة الماضية ويميل إلى البحث عن موارد تجارية من هذا النوع فيها، ولكنه قال لي إنه إذا كنت أنا أبيع فهو وأخوه يشتريان مني. وهذه سوق لا أزال أجهل أسعارها وبعيدة عن متناولي مواردها، ولكنك تعرف مداخلها ومخارجها[...] ولولا كثرة أشغالي وطول سهري لكنت كتبت إليك في الحال. ولست[... السيد يافث لا يزال في الأرجنتين أم أنه سافر، فإذا كان قد سافر فينتظر[...] في أواخر أغسطس/آب أو في أثناء شهر سبتمبر/أيلول لأنّ أعماله هنا وثيقة وتتسع[...].
أعمال محلي قد تحسنت في المدة الأخيرة وزادت حركته عن ذي قبل، ويمكن التوسيع مع الوقت وزيادة الرأسمال والثقة التجارية.
لست مرتاحاً إلى إقليم توكومان وجماعتنا في توكومان، ولكن الانتقال أمر يجب النظر فيه وفي أكلافه وخسائره وفي الموارد المعوضة. وأنا الآن لا أمل لي بتسيير سفينتي إلا بما بقي في يدي. وتغيّبي عن المحل مدة طويلة لدرس إمكانيات عمل جديدة يؤخر أعمال المحل تأخيراً محسوساً، فلا بد من تثبيت أموري وإرساخ قدمي التجارية أولاً لأتمكن من صرف عناية إلى أشياء جديدة من غير التأثير في وضعية المحل تأثيراً معاكساً لتقدّمه. ولكن إذا عرضت فرصة فلست متردداً في اغتنامها.
الرفيق نسيب يعرض عليّ أن يأتي إلى قربي حيث أكون وأن يعمل معي. ورجل مثله يكون مفيداً من عدة وجوه تجارية وسياسية. ولكن يظهر أنه لا رأسمال له يضعه في الحال، ولست أدري ما أقدر أن أعرض عليه تعويضاً لأتعابه، لأنّ رأسمالي ضعف كثيراً بالنسبة إلى البدء، بعد ما أنزل به من الضربات في توكومان، ولا قدرة لي على عرض شيء مادي إلا من الأرباح أو لقاء هذه الأرباح، في الوقت الحاضر على الأقل.
وتوسيع الأعمال إلى التي يحسنها الرفيق مطر من صناعة الأرُب للأعناق والملابس المحضرة يحتاج إلى رأسمال إضافي يجعل توسيع الأعمال ممكناً وناجحاً. وهذه المسائل الأساسية لم يأتِ ذكرها في حديث ولا يمكن بناء شيء عملي إلا على إيضاحها. فما رأيك وما معلوماتك من هذا القبيل؟
أعود إلى العمل القومي: هل وصل إليك المنشور؟ وهل في وسعك فعل شيء مع جماعة سان خوان؟
إذا كان في الإمكان فعل شيء موافق لغاية المنشور فليكن على هذه الكيفية:
1 ـ تشكيل هيئة تسمى «لجنة تأييد النهضة السورية القومية» وبالإسبانية Comité Pro resurgimiento Nacional Sirio-San Juan.
2 ـ الدعوة إلى العمل القومي والتضامن مع أصحاب المنشور في كيفية مساعدة الحركة التحريرية في الوطن.
3 ـ الانضمام إلى العمل الأساسي في بوينس آيرس.
رفيقي خليل الشيخ، منفّذ عام فرع بوينس آيرس ورئيس «الجمعية السورية الثقافية»، قد فقد والده الذي كان مصاباً بالسرطان في صدره، وكان في حالة خطرة حين كنت في بوينس آيرس. وقد زرته عائداً إكراماً لولديه وصفحاً عن زلّته الماضية وتقديراً لحسن نيته. وقد كتبت معزياً.
أنا والعائلة في صحة عادية. والعمل، كما ذكرت، أحسن من الماضي. وقد اتخذت مستخدماً داخلياً للمساعدة في الكتابة التجارية وأعمال المحل الأخرى. وإذا اطرد ازدياد الحركة، خصوصاً بزيادة الموارد والواردات التجارية، فالنجاح يكون أكبر. وبعض الصعوبات ناشئة عن تأثير الصدمات الماضية وذيولها، ولكن الحالة الآن أحسن من الأول.
أرجو، وتشاركني جولييت في رجائي، أن تكون وقرينتك الكريمة وجميع أفراد عائلتك العزيزة في خير وراحة بال. سلامنا، وسلام صفية وأليسار، لكم جميعاً. ولتحيى سورية .